صاروخ «كروز SSC-8» يفخخ أهم معاهدة عالمية للأسلحة النووية

صاروخ «كروز SSC-8» يفخخ أهم معاهدة عالمية للأسلحة النووية

«فايننشيال تايمز»: تبادل اتهامات.. والقلق يعود إلى أوروبا

انسحبت الولايات المتحدة من مُعاهدة حاسمة مع روسيا وقعتا عليها عام 1987م، للحد من الأسلحة النووية، بعد أن رفضت موسكو تدمير صاروخ جديد متوسط المدى. وقالت واشنطن وحلفاؤها في حلف الناتو إنه انتهك اتفاقية عهد الحرب الباردة، في إشارة إلى الفشل في تدمير صاروخ «كروز SSC-8»، الذي أدى إلى انهيار المعاهدة.

وكشفت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الجمعة، عن مبادرة الإدارة الأمريكية بإنهاء العمل بـ«معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة». يأتي هذا فيما وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (4 مارس 2019)، مرسومًا بتعليق تنفيذ المعاهدة، وأعلن الكرملين، حينها، أن بوتين «وقَّع مرسومًا بشأن تعليق روسيا تنفيذ المعاهدة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والولايات المتحدة الأمريكية؛ بشأن القضاء على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى».

وصرَّح مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، بأنَّ روسيا هي «المسؤولة وحدها» عن انتهاء الاتفاقية التي وقَّعها كل من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان ورئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف في البيت الأبيض قبل أكثر من ثلاثة عقود؛ حين كانت اتفاقية «الوقود النووي المُشع»، بمنزلة معاهدة تاريخية مهدت الطريق لإبرام عدد من اتفاقيات الحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

ووفق وجهة النظر الأمريكية، قضت واشنطن ست سنوات لحث روسيا على العودة إلى الامتثال لمعايير مُعاهدة «الوقود النووي المُشع»، بعد أن أثارت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أولًا مخاوف بشأن الصاروخ «كروز SSC-8»، الذي تقول واشنطن إنه تم نشره الآن في غرب روسيا.

وقال بومبيو بأنه «خلال الأشهر الستة الماضية، قدمت الولايات المتحدة لروسيا فرصة أخيرة للتراجع عن عدم امتثالها. وكما فعلت لسنوات عديدة، اختارت روسيا الإبقاء على صاروخها المُخالف لبنود المُعاهدة بدلًا من العودة إلى الامتثال»، وبأن «عدم امتثال روسيا بموجب المعاهدة يُهدد المصالح العُليا للولايات المتحدة؛ لأن تطوير روسيا وتطبيقها نظامًا صاروخيًّا ينتهك بنود المُعاهدة، يمثل تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا على السواء».

وقالت خبيرة مراقبة الأسلحة لدى مجلس العلاقات الخارجية لوري إسبوسيتو موراي، إنَّ روسيا هي المسؤولة عن تلك النتيجة، إلَا أنها  شددت على أن انتهاء مُعاهدة «الوقود النووي المُشع»، يمكن أن يُعيد أوروبا إلى حالة «عدم الاستقرار» كما كان الحال في الثمانينيات، «وإنه حقًّا لمفترق طُرق من ناحية ما سيحدث مع هذه النُظم النووية؛ فأفضل ما نرجوه الآن هو الحفاظ على تواصل التنازلات (الحالية) في مكانها، فيما نسعى لتحديد ما سيحدث فيما بعد».

وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، أن انتهاء مُعاهدة «القوات النووية المتوسطة المدى INF يعني أنَّ العالم سيفقد وسيلة لا تقدر بثمن لكبح جماح الحرب النووية؛ إذ حَظَرتْ المُعاهدة نشر الصواريخ النووية والتقليدية التي يُراوح مداها بين 500 و5.500 كيلومتر؛ ما قلل خطر قيام الاتحاد السوفييتي (روسيا الآن) والولايات المُتحدة بإطلاق صواريخ تضرب أهدافها في أقل من عشر دقائق.

وتأرجح الأعضاء الأوروبيون في حلف (الناتو) علنًا وراء القرار الأمريكي، إلا أنهم حذروا أيضًا من سباق تسلح جديد بين الشرق والغرب في القارة، وهُناك أيضًا مخاوف بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا، ستتمكنان من تمديد اتفاقية «ستارت الجديدة»، الخاصة بخفض الرؤوس الحربية النووية التي يتم طرحها للتجديد في عام 2021م.

ويأتي انتهاء مُعاهدة «الوقود النووي المُشع»، بعد 17 عامًا من إنهاء الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش مُعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية (معاهدة ABM)، في الوقت الذي مضت فيه إدارته قُدمًا في خطط لتركيب درع دفاع صاروخي في أوروبا. ومن جانبها نفت روسيا الاتهامات الأمريكية الموجهة إليها بانتهاك بنود مُعاهدة «الوقود النووي المُشع»، وقالت بأن نشر الولايات المتحدة قدرات الدفاع الصاروخي في دول أوروبا الشرقية يخرق المُعاهدة، وهي الحجة التي تنفيها واشنطن.

ويتزامن انتهاء المُعاهدة مع اتخاذ طهران خطوات لخرق الاتفاق النووي الموقع عام 2015م كما تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي، لكنها تواجه عقبات كبيرة، فيما يقول دبلوماسيون أوروبيون بأنَّ مُعظم دول الاتحاد الأوروبي ستخضع لمدى الصواريخ الجديدة التي نشرتها روسيا في غرب البلاد.

وقال مسؤول أمريكي كبير إن الصواريخ بإمكانها استهداف كامل أراضي أوروبا الغربية، فيما قد تواجه أوروبا الآن خيارًا مُزعجًا بشأن استضافة صواريخ أمريكية إضافية ردًّا على التحركات الروسية. ففي الثمانينيات، أثار نشر الأسلحة النووية الأمريكية احتجاجات عامة في العديد من الدول الأوروبية.

وقال الخبير أمني بصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة برونو ليتي، إنَّ أوروبا كانت مُجددًا «مُعرضة لخطر العودة إلى خط النار، وتُركت تعاني من العواقب في حالة حدوث أزمة.. حقيقة أنَّ القُوى العُظمى لم تعد تتفق بشأن الصواريخ كروز المتوسطة المدى؛ ستثير بلا شك أسئلة بشأن مستقبل مُعاهدة (ستارت الجديدة)، ومعاهدات الأسلحة الأخرى».

وأوضح مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن البنتاجون يستعد لإجراء تجربة طيران لصاروخ كروز تقليدي يتم إطلاقه من قاعدة إطلاق مُتحركة. وتابع أن البنتاجون «أجرى أبحاثًا متوافقة مع المعاهدات بشأن أنظمة غير متوافقة»؛ إلا أن انتهاء المعاهدة سيتيح للبنتاجون فرصة بدء اختبار الصاروخ.

وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي أراد العمل مع روسيا والصين؛ لصياغة اتفاق ثُلاثي للحد من الأسلحة يعالج الصواريخ المسلحة من كافة الجوانب. وصرح أحد المسؤولين بأن الرئيس أثار القضية مع كلٍ من الرئيس الصيني شي جين بينج، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما التقى الزعماء على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا في يونيو الماضي، فيما لم تقدم بكين أي رد إيجابي حتى الآن، ويشك كثير من المحللين في اهتمامها بهذا الشأن مُستقبلًا.

وقال وزير الخارجية الأمريكية إن الرئيس ترامب كان قد كلف إدارته بـ«بدء صفحة جديدة من خلال السعي لعصر جديد من الحد من الأسلحة يتجاوز المُعاهدات الثُنائية التي أُبرمت سابقًا، وإن أمريكا تدعو روسيا والصين إلى الانضمام إلينا للاستفادة من هذه الفرصة لتقديم نتائج أمنية حقيقية لدولنا، والعالم بأسره».

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa