هكذا بدأت صداقة مايك بومبيو ومدير الموساد بعد لقاء «المزرعة»

هكذا بدأت صداقة مايك بومبيو ومدير الموساد بعد لقاء «المزرعة»

ودَّع وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو صديقه رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، مؤخرًا، وعلى المنصَّة الكبيرة في مبنى قريب من مقر قيادة الموساد، بجليلوت، تحرك بومبيو بحُلَّته المصبوغة برابطة العنق، صافح الجميع، ووزع الابتسامات وهو يتحدث عن صديقه المقرب.

وخلال حديث مايك بومبيو (لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية)، قال إنه حرص على زيارة إسرائيل، لوداع رئيس الموساد المنتهية ولايته، يوسي كوهين.

ابتسامة يوسي كوهين

حين صعد لإلقاء كلمة خلال الحفل، وجه مايك بومبيو الحديث ليوسي كوهين (الذي بادله الابتسامة)، قائلا: «جميعكم يعرف بالتأكيد ابتسامة يوسي كوهين. اليوم يمكنني الاعتراف بأنه في كل مرة أستقبل فيها كوهين في غرفة الـCIA، أو في مكتب وزارة الخارجية وعلى وجهه تلك الابتسامة، كان يتملكني الخوف مما يعتزم اقتراحه لتنفيذه».

ضحك الحضور، الذين تصدرهم رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، وعدد من كبار الوزراء، وجميع رؤساء وحدات الموساد، وممثلون عن كافة الهيئات في المؤسسة، وقائد الأركان، وقادة مؤسسات استخباراتية أخرى، إسرائيلية وأجنبية. لقد تفهَّم الجميع تأثر بومبيو، كما تفهموا أنَّ هذا الأمريكي طويل القامة، الذي يلقي خطابه أمامهم، يتحدث من خلال خبرة عميقة.

تعاون استخباراتي

والارتباط بين الاثنين يوسي كوهين ومايك بومبيو كان فوريًا. ويتحدث عناصر المؤسسات الاستخباراتية عن سنوات عاصفة، مفعمة بعدد ليس بالقليل من الأنشطة، وبالتعاون الاستخباراتي، الذي يعتبره البعض منقطع النظير.

بدأت العلاقة فيما بينهما خلال لقاء في «المزرعة»، وهو اللقب الذي يعرفه جميع عشاق أفلام التخابر، إذا دار الحديث حول قاعدة التدريبات السريَّة، التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية في فيرجينيا. أما الاسم الرسمي للمكان فهو «معسكر فيري»، ومثل ما يُطلق على «المدرسة» التابعة للموساد، تُستغل «المزرعة» أيضًا في استضافة زعماء رفيعي المستوى، فضلًا عن كبار شخصيات المؤسسات الاستخباراتية لدى الدول الأجنبية.

وحين تم تعيين بومبيو رئيسًا لـCIA مطلع العام 2017، دعا كوهين إلى هناك. واستمتع الاثنان هناك بكامل ساعات عطلة نهاية الأسبوع، ووفقًا لمصدر أمريكي، عكفا على إجراء مباحثات مارثونية حول العلاقات بين المؤسستين الاستخباراتيتين.

عملية مثيرة في طهران

وبعد وقت وجيز من هذا اللقاء، بادل بومبيو كوهين زيارة مماثلة إلى إسرائيل. وخلال إحدى هذه اللقاءات، اطلع كوهين بومبيو على تفاصيل عملية مثيرة، تدور حول قيام طاقم باختراق منشأة تتمتع بحراسة فائقة في طهران، وقيام الطاقم ذاته باختراق خزائن ثقيلة تحت جنح الظلام.

عند نجاح العملية، كان بومبيو في طريق عودته إلى الولايات المتحدة، وعندئذ أوعز إلى ربان الطائرة بتوفير مسار جوي، يمكن من خلاله الرجوع إلى إسرائيل مجددًا، وبعد هبوط الطائرة لعدة ساعات في إسرائيل، توجه مباشرة إلى قيادة الموساد، للاطلاع بنفسه على الوثائق التي جرى الحصول عليها خلال عملية الاختراق.

في فبراير العام 2018، وبعد شهر تقريبًا من عملية الاختراق، التقى كوهين بومبيو في ميونخ، ومنحه هديه، كانت عبارة عن «هارد – ديسك» بمساحة كبيرة، يحتوي على المواد الاستخباراتية التي تم الحصول عليها في العملية.

ومكَّنت المادة الإضافية المحمَّلة على الـ«هارد – ديسك» ترامب من الإعلان وبشكل نهائي عن أنه نظرًا لعدم التزام إيران بشروط الاتفاق الذي أبرمته مع أوباما، فإن الولايات المتحدة ستنسحب منه. وفور هذا الإعلان، اعتمدت الولايات المتحدة سياسة «أقصى ضغط»، وفرضت عقوبات مؤلمة على إيران.

منذ ذلك الحين وصاعدًا، لم يتوقف الجدل السياسي: ادعى الجمهوريون فشل الاتفاق النووي، ورأوا أنه كان من الضروري مواصلة استراتيجية «الحد الأقصى» من الضغوطات والعقوبات. أما الديمقراطيون وفي طليعتهم بايدن، فادعوا أن الحقيقة تشير إلى استمرار إيران ورغم كل ذلك في عمليات تخصيب اليورانيوم تحت العقوبات، وأن ذلك كان سببًا في فشل سياسة «أقصى ضغط»، ومن الضروري في ظل ذلك العودة إلى الاتفاق. وفي الحقيقة يثير بومبيو الدهشة، إذ لا يدعي أن استراتيجية ترامب كانت موفقة بنسبة مائة بالمائة.

توتر العلاقات

يعترف مايك بومبيو أنه كانت بين المؤسستين الاستخباراتيتين بعض التوترات «هناك دائمًا فجوات ونزاعات بين وكالات الاستخبارات أو هيئات عملياتية نخبوية، ربما من دول مختلفة. حتى داخل نظام الدفاع الأمريكي هناك بعض التوترات، إذ تعتقد هذه الوحدة أنها أفضل من الأخرى، أو أن «أسود البحر» (المكافئ الأمريكي للطراد- RB) على قناعة بأنهم أكثر نجاحًا من الآخرين».

يوسي كوهين أقلع بطائرته لقضاء نهاية أسبوع في «المزرعة»، ودعا بومبيو إلى زيارة مماثلة في إسرائيل، وهي الزيارة التي أعدَّ لها رئيس الموساد بدقة تضاهي تنفيذ عملية استخباراتية. لقد وصل بومبيو إلى إسرائيل رفقة زوجته سوزان، فخصَّص الموساد لهما منزلًا مشدد الحراسة في منطقة غير مأهولة تقريبًا.

هناك وتحت حراسة مشددة، أجرى كوهين وبومبيو محادثاتهما. ومن وقت لآخر، كان يأتي الضيوف من مختلف أجنحة الموساد إلى المنزل، لتقديم آراء ومقترحات لعمليات، وتسجيلات مقاطع فيديو من أعماق إيران، وبملخص لأسرار الاستخبارات الإسرائيلية.

أبدى مايك بومبيو إعجابه البالغ من التطور. «نحن نعرف وجه الشبه بين أجهزة الاستخبارات.. نحن لا نحب تقاسم المعلومات. إننا نخشى دائمًا من استخدام معلوماتنا فيما يضرنا. نادرًا ما تقابل شخصًا يثق بك منذ البداية. لكن ذلك هو ما حدث لي مع يوسي كوهين».

إلى جانب المنزل مشدد الحراسة، ربضت مروحيتان من سلاح الجو. لقد فطن كوهين إلى موقع قلب بومبيو. إحدى المروحيتين، أقلت الاثنين إلى زيارة منشآت سرية تتبع الموساد، وقواعد سلاح الجو، والسرب الـ13 على حدود غزة، وزيارة هضبة الجولان، وبطاريات القبة الحديدية، حتى يرى إلى أين يذهب المال الأمريكي، بالإضافة إلى زيارة مواقع دينية تقليدية.

أما المروحية الثانية، فأقلت سوزان لإطلاعها على الوجه المدني والجمال الإسرائيلي. وأحيانًا، كانت ترافقها في تلك الرحلات آيا، زوجة كوهين. الزيارة الأكثر إثارة كانت لقرية التأهيل نحلات عيران، هناك انضم للسيدتين ديدي والجنرال (احتياط) دورون الموج، والدا عيرن، الذي جرى تسمية القرية على اسمه.

آيا ويوسي كوهين يعرفان الزوج الموج أيضًا عن طريق العمليات المشتركة فيما بينهما، والتي كان كوهين والموج شريكين فيها، بالإضافة إلى رعاية كل من الزوجين لأحد أفراد أسر ذوي الاحتياجات الخاصة.

العمليات غير القانونية

كان التعاون بين المؤسستين خلال تلك السنوات مكثفًا كما هو معروف، فمعظم العمليات المشتركة بين كوهين وبومبيو لن يُكشف عنها النقاب لسنوات طوال، لكن بومبيو على استعداد للقول بأن «العمل الذي عملناه سويًا خلال السنوات الأربع التي قضيتها مع الإدارة الأمريكية، هو أحد أكبر وأهم الأشياء التي حدثت في حياتي.

يضيف كوهين: تقاربنا بما فيه الكفاية حتى أصبح أحدنا يستطيع الاعتماد على الآخر، وحتى بات كلانا واضحًا أمام رفيقه حول ما يمكن فعله ولا يمكن. هناك أمور لا يمكن لـCIA أن يشارك فيها». يلمح بومبيو هنا إلى العمليات غير القانونية، وفقًا للإجراءات القانونية للوكالة. «إنها أمور نعرف كيفية التعامل معها، لكننا لا نستطيع توفير أدواتها».

ويقول بومبيو إنه تحادث مع كوهين كثيرًا حول «ما نثق في أن قادتنا يريدونه، وما أهدافهم، وكيف يمكننا تنفيذ تلك الأهداف»، لكن عنصرًا على دراية كبيرة بما يحدث هناك، لديه أطروحة أخرى مثيرة للاهتمام، إذ يقول إنه ليس من النادر أن يكون ذلك هو ما يريده «الزعماء»، لكن ما كان بومبيو وكوهين يهدفان إليه، استطاعا أن يقنعا به قادتهما.

وتابع: «هذا هو بيت القصيد كله. بومبيو وكوهين في طابعهما ضابطان يحترفان جمع المعلومات، وهو التخصص الذي يجندان ويشغلان من خلاله الأشخاص. لقد كان ذلك هو ذات تخصص كوهين، ونشأ بومبيو وسط هذا التخصص أيضًا، واتفقا فيما بينهما على ما ينبغي فعله. عرف بومبيو كيف يتحدث مع رئيسه، حتى ينتزع منه الموافقة، وعرف كوهين كيفية الحديث مع نتنياهو، وبين هذا وذاك، تولَّدت حملة ضخمة من العمليات الاستخباراتية».

يبتسم بومبيو فقط عند الاستماع إلى تلك النظرية، ويؤكد أن كل شيء كان لحظة تاريخية من الكيميا المشتركة والجيدة بين زعيمين، وبين رئيسي جهازيهما الاستخباراتيين. ويقول: «لقد كان ذلك شيء ما خاص، لقد كان لكلانا هناك لحظة استثنائية، وغير مسبوقة، ومهمة جدًا في التاريخ». وعندئذ لم ينس أيضًا أن يضيف بتلميح إلى إدارة بايدن: «أتمنى أن تستمر هذه اللحظة مع خلفائنا في المهمة».

في إحدى مقاطع الفيديو التي جرى تصويرها فوق منصة البيت الأبيض خلال مراسيم توقيع اتفاقات أفراهام، رأيناك ويوسي كوهين جنبًا إلى جنب تقريبًا، وكلاكما يرتدي زوجًا من القفازات بسبب فيروس كورونا، وتتبادلان الابتسامات، وبدا كلاكما كما لو تحدثتما ليس فقط عن الماضي، وإنما عما سيكون أيضًا. يبدو لي أنه يمكنني المراهنة على ما تحدثتما عنه. «لا، لن تستطيع، ولكن دعنا نرى».

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa