الاقتصاد الأزرق.. طريق جديد لنمو عالمي مستدام

قيمته 1.5 تريليون دولار سنويًّا
الاقتصاد الأزرق.. طريق جديد لنمو عالمي مستدام

تطرح التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة، ومنها «الاقتصاد الأزرق» القائم على جودة إدارة الموارد المائية، وحماية البحار والمحيطات، وصولًا إلى أقصى استفادة ممكنة.

ويظهر «الاقتصاد الأزرق» دوليًّا كأحد أهم القضايا الاقتصادية، بعد نمو مفهوم «الاقتصاد الأخضر» القائم على الطاقة النظيفة، فيما أصبح النوع الأول شريانًا جديدًا لنمو الاقتصاد، ومسارًا جديدًا للتنمية المستدامة مع تقديرات ببلوغ حجم أصوله إلى نحو 24 تريليون دولار.

ويمكن أن يُسهِم الاستغلال المستدام للموارد في المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار -عبر «الاقتصاد الأزرق»- في إضافة مزيد من النمو للاقتصاد العالمي، بإجماع الخبراء والمسؤولين الحكوميين وناشطي البيئة وصناع السياسات والأكاديميين الذين التقوا في العاصمة الكينية نيروبي، في نوفمبر الماضي بمؤتمر الاقتصاد الأزرق المستدام.

ماهية الاقتصاد الأزرق

و«الاقتصاد الأزرق» مفهوم ناشئ يُشجِّع الإشراف الأفضل والمستدام على موارد البحار والأنهار والمحيطات، بما يدعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة «SDGs»، ولا سيما الهدف 14، وعنوانه «الحياة تحت الماء». ويتجاوز الاقتصاد الأزرق اعتبار اقتصاد المحيطات آليةً للنمو الاقتصادي، ليركز على تأثيرات مختلف الأنشطة الاقتصادية على صحة أو إنتاجية تلك الموارد مستقبلًا.

ويهدف الاقتصاد الأزرق إلى تحسين الرفاهية وتحقيق العدالة الاجتماعية، مع تقليل المخاطر البيئية والندرة البيئية، فيوفر نموذجًا شاملًا يمكن أن تبدأ فيه الدول الساحلية -التي تفتقر أحيانًا إلى القدرة على إدارة مواردها الغنية بالمحيطات- في توسيع نطاق الاستفادة من هذه الموارد.

أهمية دولية

وسبق أن أوضح صندوق الحياة البرية العالمي "World Wildlife Fund" أن أكثر من ثلاثة مليارات شخص حول العالم تعتمد دخولهم على التنوع البيولوجي في المحيطات والبحار. ومن ثم، فالاقتصاد الأزرق مصدر للنمو الاقتصادي العالمي.

وأشارت بيانات البنك الدولي إلى أن القيمة الإجمالية لاقتصاد المحيطات والبحار في جميع أنحاء العالم تُقدر بنحو 1.5 تريليون دولار سنويًّا، فيما تُعتبَر الزراعة المائية «المزارع السمكية» أسرع القطاعات الغذائية نموًّا ضمن الاقتصاد الأزرق، التي تُوفر وحدها نحو 50% من الأسماك المخصصة للاستهلاك حول العالم.

وتبدو الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد الأزرق في التجارة، كما تشير المنظمة البحرية الدولية (وكالة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن تنظيم الشحن)؛ فعلى سبيل المثال، يتم تنفيذ ما قيمته 90% من معاملات التجارة العالمية من حيث الحجم و70% من حيث القيمة عن طريق البحر.

دعم الأمير تشارلز

وفي المرحلة الأولى من جولته لمنطقة البحر الكاريبي، وصف ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز «الاقتصاد الأزرق الحيوي» المبني على الاستخدام المستدام لموارد المحيطات من أجل النمو الاقتصادي، بأنه جزء من حل تحديات التغير المناخي، مشيرًا إلى أن ارتفاع مستويات البحر يمثل تهديدًا شديدًا، خاصةً للدول الجزرية القريبة.

وأشار تشارلز إلى تبنيه مشروعًا يستهدف رسم خريطة لقاع البحر في سانت لوسيا (إحدى جزر أنتيل ويندوارد، الواقعة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لأمريكا الشمالية- ويدعمه برنامج اقتصاديات الكومنولث البحرية، الذي أطلقته الحكومة البريطانية عام 2016.

ويهدف المشروع إلى دعم الاقتصادات البحرية الملقبة بالاقتصادات الزرقاء، في 17 دولة من جزر الكومنولث الصغيرة؛ حيث قال تشارلز: «إن المبادرة تحمل قدرة على المساعدة في تطوير الاقتصاد الأزرق الحيوي لسانت لوسيا».

القضاء على الفقر

ويقول سايروس رستمجي خبير الاقتصاد الأزرق والزميل البارز في مركز ابتكار الحوكمة الدولية؛ إن في إفريقيا 38 دولة ساحلية وجزيرة، وخطها الساحلي طوله 47 ألف كيلومتر توفر فرصة هائلة للقارة لتطوير القطاعات المرتبطة عادةً بالاقتصاد الأزرق.

ويُضيف: «إن توسيع مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية والسياحة والنقل والموانئ البحرية والداخلية، يمكن أن يحد الفقر في إفريقيا، ويعزز أمن الغذاء والطاقة والتوظيف والنمو الاقتصادي والصادرات وصحة المحيطات والاستخدام المستدام لموارد المحيطات».

ويشير رستمجي إلى أن أكثر من 12 مليون شخص يعملون في مصائد الأسماك وحدها، وهي أكبر قطاعات الاقتصاد الأزرق في إفريقيا؛ ما يوفر الأمن الغذائي والتغذية لأكثر من 200 مليون إفريقي، ويولد قيمة مضافة قدرها 24 مليار دولار، أو 1.26% من الناتج المحلي الإجمالي من جميع البلدان الإفريقية.

التحديات القائمة

ولا يخلو الاقتصاد الأزرق من التحديات، بما في ذلك الافتقار إلى الرخاء المشترك، وانعدام الأمن البحري والأنشطة البشرية غير المستدامة حول المحيطات وفي البحار والبحيرات والأنهار، بما في ذلك الصيد الجائر.

ويتمثل أحد التحديات في أن المحيطات والبحار تمتص نحو 25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الإضافية المضافة إلى الغلاف الجوي للأرض بحرق الوقود الأحفوري. ولا يزال النفط والغاز مصدرَيْن رئيسيَّيْن للطاقة، بما يُضيف مزيدًا من التلوث لمياه البحار والمحيطات.

ويعد التلوث البلاستيكي مشكلة كبيرة للاقتصاد الأزرق؛ لأن أكثر من خمسة تريليونات قطعة بلاستيكية تتناثر بالمحيطات، فضلًا عن تحديات أخرى متمثلة في التلوث، وتحمُّض المحيطات التي تؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي، وتضر بصحة الإنسان والأمن الغذائي. وبالإضافة إلى ذلك، يفاقم التحديات القائمة ضعف الإطار القانوني والسياسي والمؤسسي، وسوء التنمية الساحلية غير المنظمة.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa