الاقتصاد العالمي بين مطرقة الحروب التجارية الكبرى وسندان النمو المتراجع

هل تلجأ البنوك المركزية العالمية إلى تخفض أسعار الفائدة؟
الاقتصاد العالمي بين مطرقة الحروب التجارية الكبرى وسندان النمو المتراجع

تسود حالة من التشاؤم في الوقت الراهن حول الاقتصاد العالمي، حيث تخترق تداعيات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة سلاسل القيمة الصناعية العالمية، مما يفسد آفاق النمو لعام 2019. وقد يكون الاقتصاديون قادرون على تحديد الآثار الاقتصادية على قنوات التجارة المباشرة، إلا أن الخوف الأكبر هو التأثير السلبي المتزايد على النمو العالمي من تدهور ثقة المستهلك، بالإضافة إلى شعور المستثمرين.

وتتوقف شدة التأثير الاقتصادي على ما إذا كان بإمكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، التوصل إلى نوع من الاتفاق في اجتماعهما المتوقع في قمة قادة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان في نهاية يونيو الجاري.

التوترات التجارية التهديد الأكبر 
اتفق جميع المشاركين في الاجتماعات التحضرية لقمة مجموعة العشرين، التي انعقدت يومي السبت والأحد الماضيين، على أن الحروب التجارية تشكل تهديدًا رئيسيًا للنمو العالمي. وبدأت الحروب التجارية عندما قام الرئيس دونالد ترامب بإصدار تعريفة على الصلب والألمنيوم الكندي والأوروبي، وفرض رسوم بمئات المليارات من الدولارات على البضائع الصينية. ووصلت المخاوف إلى ذروتها عندما ربط ترامب قضايا الهجرة بالتجارة، مهددًا بفرض ضريبة على الواردات المكسيكية.

والتوترات الأخيرة بين الصين وأمريكا لا تؤثر فقط على البلدين، حيث تترابط سلاسل التجارة والعرض العالمية وتؤثر بشكل خاص على الاقتصادات الموجهة نحو التصدير في أوروبا والآسيان واليابان، والتي تعتمد على مسارات التجارة المفتوحة، كذلك تتأثر دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن انخفاض التجارة يعني انخفاض الطلب على النفط وعروض البنية التحتية لمراكز تجارية رئيسية مثل الإمارات العربية المتحدة.

وعندما خرج وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن من اجتماع مع حاكم البنك المركزي الصيني يي جانج، خلال الأسبوع الجاري، قال إن ترامب على استعداد لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الصينية، التي لم تخضع للضرائب حتى الآن، والتي بلغت 300 مليار دولار.

وقالت رئيس صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، إن التوترات التجارية يمكن أن تخفض 499 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، قام البنك الدولي بمراجعة توقعات النمو، متوقعًا انخفاضًا حادًا إلى 2.6% لعام 2019، ويعتبر هذا المعدل بعيد كل البعد عن يناير 2018، عندما توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.9% للعام الجاري.

ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، من المرجح أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.5% في عام 2020، إذا أصبحت الاحتكاكات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أكثر كثافة، فيما يقترن ذلك بمشكلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وموقف أمريكا الأكثر حدة مع إيران، لذلك من المهم أن تقوم الحكومات ذات الصلة والبنوك المركزية بتحليل الاتجاهات الاقتصادية بعناية، وأن تقوم بالتحضيرات اللازمة حتى يتمكنوا من تنفيذ كل إجراء قائم على السياسات في حالات الطوارئ.

تخفيض أسعار الفائدة
مع الأخذ في الاعتبار الاحتكاكات التجارية الأمريكية الصينية المشددة، اعتمد اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة الـ 20 في فوكوكا اليابانية، بيانًا مشتركًا ينص على أن «التوترات التجارية والجيوسياسية قد تكثفت». وفي إشارة إلى ضعف الاقتصاد العالمي، قال البيان: «لا تزال المخاطر مائلة إلى الجانب السلبي»، وبناءً على ذلك، أعربت المجموعة عن عزمها الاستعداد لاتخاذ مزيد من الإجراءات استعدادًا لمواجهة مزيد من التباطؤ الاقتصادي.

وعلى الرغم من الاتجاهات الإيجابية في الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، قررا بنكي الهند وأستراليا المركزيين خفض أسعار الفائدة على عجل، في حين أن عدم اليقين في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قلل من توقعات رفع سعر الفائدة من بنك إنجلترا في وقت قريب، فيما أرجأ البنك المركزي الأوروبي توقيت زيادة سعر الفائدة لمدة ستة أشهر، ويُعرب كل هؤلاء عن قلقهم من مخاطر الاقتصاد العالمي. 

وأكد محافظو البنوك المركزية المشاركين في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي« OECD» أنهم سيتبعون خططًا توسعية في ميزانياتهم العمومية، وسيخفضون أسعار الفائدة، إذا ما تطلبت اقتصاداتهم التحفيز. وبالفعل بدأت أستراليا بتخفيض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، وقال محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا، إنه لا يزال لديه مجال لاتخاذ تدابير توسعية وستظل أسعار الفائدة منخفضة. 

في الوقت ذاته، أوضح رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي، أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة، وكذلك يُفكر البنك المركزي الإيطالي في عدة تدابير توسعية لاحتواء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. واعتمادًا على المحللين، قامت الأسواق بتخفيض أسعار الفائدة أكثر من مرة هذا العام وحده. 

سيناريوهات الحرب الصينية-الأمريكية
تعثرت المفاوضات بين الصين والولايات المتحدة بشأن اتفاق تجاري، رغم بدء المحادثات أوائل مايو الماضي، حيث ألقى الجانبان باللوم على الآخر، وبعد ذلك بوقت قصير، رفعت إدارة ترامب الرسوم الجمركية إلى 25 ٪ على 200 مليار دولار من البضائع الصينية. وردت بكين برفع التعريفات على 60 مليار دولار من صادرات الولايات المتحدة، وتصعيد الدعاية المناهضة ضدها. وفي 30 مايو الماضي، اتهمت الحكومة الصينية أمريكا بـ «الإرهاب الاقتصادي». 

وقال بنك الاستثمار «مورجان ستانلي»، إن عودة ظهور التوترات التجارية أخفت آفاق الانتعاش في النمو العالمي في النصف الثاني من عام 2019. وتوقع خبراء الاقتصاد في العالم، في تقرير الأسبوع الماضي، أن يبلغ متوسط النمو 3.2% لهذا العام، وقد ينتهي به المطاف إلى حالة ركود إذا استمرت الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية بقيمة 300 مليار دولار، وهي القيمة المقدرة لمعظم السلع المتبقية التي لم تصل بعد إلى الرسوم الجمركية.

ونظرًا للمأزق الحالي بين الولايات المتحدة والصين، لا تتوقع وكالة التصنيف الائتماني «موديز» التوصل إلى اتفاق في قمة مجموعة العشرين المُقرر انعقادها بنهاية يونيو الجاري، وقد حددت ثلاثة سيناريوهات متوقعة، وهي: عدم التوصل إلى صفقة نهائية، لكن لا مزيد من تصاعد التوترات مع استمرار المحادثات حتى عام 2020؛ أو أن تتصاعد، وثالث توقع أن يتم التوصل إلى حل بعض الاختلافات في غضون الشهر المقبل والتي تؤدي إلى صفقة نهائية وإزالة بعض التعريفات الحالية.

وتعتقد «موديز» أن أول سيناريو بعدم التوصل إلى صفقة نهائية هو الأكثر احتمالا، مشيرة إلى أن السيناريو الأول سيحذف 0.1% من النمو في الولايات المتحدة و0.2% من نمو الصين هذا العام من خلال قنوات التجارة المباشرة. وأضافت الوكالة أن التأثير الاقتصادي للسيناريو الثاني، الذي يدعمه نهج الحكومة الأمريكية في اتخاذ موقف متشدد مع الصين طالما كان هناك ارتفاع في الوظائف والأجور الأمريكية، يمكن أن يكون أكثر من ضعف الحالة الأولى.
 

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa