بابا الكنيسة المصرية لـ"عاجل": ولي العهد مثقف وصاحب رؤية وقارئ جيد للتاريخ

أجاب عن تساؤلات الشارع العربي
بابا الكنيسة المصرية لـ"عاجل": ولي العهد مثقف وصاحب رؤية وقارئ جيد للتاريخ

- صورة السعودية رائعة والتغييرات الأخيرة ذات طابع عصري.
- زيارتي إلى السعودية تتوقف على وصول "دعوة رسمية".
- لقائي بالأمير محمد بن سلمان لم يتجاوز 30 دقيقة لكنّ تأثيره كبير وفعله طيب.
- جهود رابطة العالم الإسلامي جزء من انفتاح مطلوب على العالم ونحن نتفاعل معه إيجابيًا.
- لنا حضور مستمر في "حوار الثقافات" وتعزيز القواسم المشتركة يقرب الشعوب.
- الكنيسة المصرية شاركت في الاحتفاء بخادم الحرمين وصورته موضوعة على جدران الكاتدرائية.
- الإرهاب لا ينمو إلا في الجحور وعلينا أن نتكاتف لإخراجه منها.
- الأديان بريئة من الإرهاب فهي تدعو إلى المحبة والتسامح والعلاقات الطيبة.
- الإرهابيون يستهدفون المساجد والكنائس في مصر لضرب الوحدة الوطنية.. وهذا مُحال.
- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس "استعراض" والإدارة الأمريكية تفاجئنا كل يوم بقرارات غريبة.
- حل القضية الفلسطينية يأتي بتفاوض بين "صناع سلام" مستعدين لقبول الآخر.

بكلمات مختصرة؛ لكنها واضحة وعميقة، تحدث بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية البابا تواضروس الثاني عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقال إنه "مثقف وصاحب رؤية وقارئ جيد للتاريخ"، مضيفًا أن "زيارته (الأمير محمد) للمقر البابوي مثلت مفاجأة طيبة"، وأن حديثه معه "حمل الكثير من الآثار الإيجابية، على الرغم من أنه لم يتجاوز 30 دقيقة".

وخلال حوار موسع مع "عاجل"، هو الأول لصحيفة سعودية، أظهر البابا تواضروس الثاني إعجابه بالتغييرات التي تشهدها المملكة، ووصفها بأنها "ذات طابع عصري"، مؤكدًا- في الوقت ذاته- أن التعاون المصري- السعودي كفيل بتحقيق القوة المنشودة في مواجهة الأخطار التي تحيط بالمنطقة، وفي مقدمتها التدخلات الخارجية والإرهاب الذي يعمل على شق الوحدة الوطنية في مصر، ويسعى لحرمان الشعوب من حقها في الحياة.

وقال البابا تواضروس الثاني إنه وجد في الأمير محمد بن سلمان، خلال لقائهما الأسبوع الماضي "إنسانًا لطيفًا ومتفتحًا مثقفًا وصاحب رؤية وقارئًا جيدًا للتاريخ". كما رأى أن " القرارات الأخيرة في السعودية تمثل "تغييرات عصرية تدهشنا".

وبدا تأثير زيارة ولي العهد إلى المقر البابوي واضحًا في حفاوة الاستقبال التي حظيت بها "عاجل" داخل مقر الكاتدرائية، فيما أضاف البابا نفسه، خلال الحوار الذي تم داخل مكتبه صباح الأحد الحادي عشر من مارس 2018، أجواء من الود، أتاحت طرح معظم التساؤلات المتداولة في الشارع العربي عليه، خاصة ما يتعلق منها بنظرته إلى المملكة، وكذلك جهودها لتفعيل الحوار بين الأديان، فضلًا عن موعد زيارته المرتقبة إلى الرياض.

وتحدث البابا عن انطباعاته بعد لقائه بولي العهد، ورؤيته للعلاقات المصرية- السعودية، وكذلك موقفه من قضايا الإرهاب والتطرف والأوضاع المتفجرة في عدد من البلدان العربية، فضلًا عن تصوره لكيفية حل القضية الفلسطينية وقرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة "مدينة السلام التي لم تنعم به غير 30 عامًا في كل تاريخها"، حسب تعبيره.

ورأى البابا تواضروس الثاني أن قواسم مشتركة تجمع أبناء المنطقة من شأنها أن "تولد نتيجة رائعة مردودها سيظهر مستقبلًا"، مشددًا على أن "الإرهاب ظهر في السنوات الأخيرة رابطًا نفسه بتفسير مفاهيم إسلامية بطريقة مشوهة"، بينما "الأديان تدعو بطبيعتها إلى المحبة والتعايش والتسامح". وقال "الإرهاب لا ينمو إلا في الجحور فإن كشفت الجحر وأخرجت ما به من ثعابين ينتهي خطره"، لافتًا إلى أن الإرهابيين يسعون لزرع الفتنة بين أبناء الشعب المصري غير أن ذلك لن يتحقق "لما يملكه شعبنا من تاريخ عريق في الوحدة والتعايش". وتطرق البابا تواضروس أيضًا إلى العديد من الموضوعات المهمة، مثل دور المؤسسات الدينية والتعليمية في مكافحة التطرف، ومسؤولية الأطراف الخارجية عن أزمات المنطقة، عارضًا الطريق الأمثل لحماية الذات والتخلص من الأخطار القائمة.. فإلى نص الحوار:

* كيف ترى زيارة ولي العهد إلى الكنيسة؟
- زيارة ولي العهد كانت فرصة طيبة؛ حيث استقبلناه بكل الحب والحفاوة، وأنا شخصيًا كنت سعيدًا جدًا بزيارته، أعرفه من خلال وسائل الإعلام فقط؛ لكن حينما قابلته وجدته إنسانًا لطيفًا ومتفتحًا مثقفًا، وصاحب رؤية وهو شيء جيد، كما أنه قارئ جيد للتاريخ، يعرف تاريخ المصريين، والدليل على ذلك أنني قلت في نهاية الزيارة المثل المصري المعروف "البعد جفا"، ولم أكن أعلم أن سمو الأمير يعرفه، ليرد عليّ قائلًا، إن كل الأمثال المصرية معروفة في المملكة.
تحدثنا كثيرًا، في الزيارة التي كانت قصيرة زمنيًا، نحو عشرين أو ثلاثين دقيقة؛ لكنّ تأثيرها كان كبيرًا وفعلها طيبًا.

* كيف ترون دعوة ولي العهد لكم لزيارة السعودية؟
- في أثناء كلمتي مع ولي العهد، قلت إن واحدًا من الآباء الأساقفة زار السعودية منذ سنتين، وسط وفد شعبي وتقابل مع خادم الحرمين الشريفين؛ لكن الفترة الأخيرة، لم تكن هناك "فيزا"، فعرض علي سمو ولي العهد زيارة السعودية كل عام، وفي نهاية الحديث وجه دعوة عامة، قائلًا، "نحب أن نراكم في السعودية".. الدعوة كانت عامة و"نتعشم خيرًا"، في إشارة إلى رغبته بتحويلها إلى رسمية.

* لكن بعض وسائل الإعلام بدأت تُخمن موعدًا للزيارة؟
- في الزيارات الرسمية، هناك شكل من أشكال حديث المجاملة.. هذا ما حدث، فولي العهد وجه الدعوة شفاهة، وحينما تكون هناك دعوة لها صيغة رسمية سنلبيها. نحن نرحب بزيارة أي مكان؛ لكن الموعد يرتبط بالدعوة الرسمية، فأنا زرت الإمارات والكويت والأردن ولبنان وسوريا وليبيا والسودان والجزائر.

* كيف ترى التقارب بين المسلمين والمسيحيين، ودور السعودية في ذلك؟، ثم ما هي رؤيتكم لحوار الأديان الذي بدأ منذ عهد الملك عبد الله ومازال مستمرًا حتى الآن؟
- نحن نشارك بفعالية في حوارات مركز الثقافات في فيينا مع الدكتور فيصل بن معمر، فالكنيسة لها دور كبير هناك وطبيعة الحياة أن يكون هناك تنوع.
وهنا أوضح أن التنوع ليس اختلافًا، فكل منا يرتدي زيًا مختلفًا، يوجد تنوع يعطي جمالًا للحياة، ولو دخلنا حديقة ووجدنا ألوانها بشكل واحد وطولها موحد لن تكون الأمور على ما يرام، لكن لو دخلنا حديقة متنوعة فهذا يضيف شيئًا من البهجة على الإنسان.
الله يعطينا صورة التنوع في أصابع يدينا فكل إصبع مختلف عن الآخر.. التنوع سنة الحياة، ولذلك أقول إن التقارب من أجل التكامل شيء مهم جدا، فكل إنسان حينما يعرف آخر فهو إضافة له وهو ضرورة للحياة.
وحينما ينظر الإنسان للحياة بهذه الصورة، يشعر أن هذا سبيل لينجح في حياته ويكون غنيًا بالمعرفة، وهذه نقطة مهمة وأعتقد أن الحوار بين الثقافات والحضارات شيء نحتاجه تمامًا.

* هل الحوار بين الحضارات مجرد معرفة أم أمر تُبنى عليه أسس للتعايش؟
- الحضارات بينها عوامل مشتركة، فمثلا الحضارة القديمة الفرعونية والحضارة المصرية والحضارة الصينية والحضارة المسيحية، والحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، كلها وغيرها بينها قواسم مشتركة، فالإنسان هو الإنسان وهو من صنع تلك الحضارات.
صحيح أنه يوجد بين هذه الحضارات بعض الاختلافات؛ لكن هذا أمر طبيعي وقائم حتى في البلد الواحد، ففي أيام الفراعنة كنا نتكلم الفرعونية، وفي العصر المسيحي كنا نتكلم اليونانية والقبطية، وفي العصر الإسلامي نتكلم العربية، وبالتالي الحضارات بينها عوامل مشتركة كثيرة، ومن الممكن أن نبني عليها.

* ما هي أبرز المشتركات في نظركم، وأي منطقة نستطيع أن نبدأ منها لنوسع التعايش المشترك؟
- قبول الاختلاف وقبول الآخرين بما هم عليه، فهذا الشكل هو البداية للتواصل بين الحضارات.

* نعود إلى جهود ولي العهد ومن بينها زيارته إلى "المقر البابوي" كيف ترون تأثير ذلك كله على صورة السعودية؟
- الملاحظ في الفترة الأخيرة، أن هناك خطوات واسعة جدًا، قرارات ملكية تصدر وتمثل إضافات للمجتمع السعودي نسمع ونقرأ عنها أشياء كثيرة. هذا عالم نعيش فيه، فلا يمكن أن تعيش دولة أو ثقافة أو حضارة أو أديان في معزل عن الآخرين، فبحسب ما نقرأه في الميديا نندهش وهناك حالة إعجاب بالتغييرات التي تضاف إلى المجتمع السعودي والتي يمكن أن نسميها "تغييرات عصرية"، تتناسب مع العصر الحالي، وهذا يقدم صورة رائعة للسعودية.
السعودية دولة تمتاز وتنفرد بوجود المقدسات الإسلامية، فلها وضعية على مستوى العالم، وحينما تخاطب العالم باللغة العصرية، سيكون شيئًا أكثر من رائع، كما أنها تعد إضافة للأمة العربية بصفة عامة، فمصر والسعودية دولتان كبيرتان ووجودهما معًا، وتبنيهما لغة مشتركة لمخاطبة العالم، لا شك سيولد نتيجة رائعة، مردودها سيظهر بعد ذلك.

* اتخذت السعودية خطوات مؤخرًا تجاه الكنيسة الكاثوليكية الغربية، منها زيارة أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى إلى الفاتيكان ولقاؤه بالمسؤولين هناك، هل التحرك السعودي يعزز مساحات التفاهم؟
- نعم.. فلو عاش الإنسان في غرفة مغلقة النوافذ سوف يستنشق الأكسجين الموجود بها، حتى يتلاشى ويتحول لثاني أكسيد الكربون، والأخير في أوله غاز لا ضرر فيه؛ لكن حينما تزيد نسبته يصبح سامًا .
يعني هذا أن فتح النوافذ والأبواب يجدد الهواء، فيكون في ذلك صحة وانتعاشًا وحماية من أمراض كثيرة. الانفتاح شيء مهم في العالم، فلو شاء الله أن يجعلنا شيئًا واحدًا لفعل. خلق الله المملكة النباتية والمملكة الإنسانية ومملكة الحيوان، ولدينا في مصر أكثر من 4 آلاف نوع من النباتات والحيوانات ، ومثل هذا التنوع والتواصل بين الإنسان والحيوان والحيوان والنبات شيء رائع.. قس على ذلك انفتاح السعودية وأي دولة على أي جهة، فهذا يقرب الشعوب أكثر من بعضها البعض.

* إلى أي مدى ينقذنا هذا الانفتاح من خطر الإرهاب؟
- الإرهاب لا ينمو إلا في الجحور فلا وجود له على السطح، فإن كشفت الجحر وأخرجت ما به من ثعابين، يكون فيه نهاية للخطر، كما أن وجود الثقافات الكثيرة والمتعددة، يفيد الإنسان بلا شك. كما يحتاج الإنسان إلى عناصر غذائية متنوعة لبناء صحته، يحتاج كذلك إلى ثقافات كثيرة لبناء حياته الإنسانية.

* لكن البعض يهاجم الإسلام بزعم أنه مصدر الإرهاب.. ما تعليقكم؟
- الإرهاب الذي ظهر في السنوات الأخيرة، ربط نفسه بتفسير مفاهيم إسلامية بطريقة مشوهة، فصار هناك ربط أمام "الميديا"، بين الإسلام والإرهاب؛ لكن الحقيقة تقول إن الإرهابي اعتمد على عبارات ومقولات استقاها من فهمه الخاطئ للدين، ليس هناك دين يدعو للإرهاب نهائيًا؛ لأن الأديان دوما تدعو إلى المحبة، إلى التسامح، إلى العلاقات الطيبة.
إن قيام الإرهابي بربط جرائمه بآيات قرآنية تؤدي إلى تشويه الدين. الإرهاب يعمل على تشويه الدين، ولذلك، فإن المسؤولين في كل موضع عليهم دور كبير في التصحيح، وفي معرفة مصدر المفاهيم الخاطئة، وكيف تُعلَّم، ومن المسؤول عن تعليمها.

* ما دور المؤسسات الدينية (إسلامية، مسيحية) مصرية أم سعودية في مكافحة الإرهاب، ورسالتكم إليها؟
- المؤسسات الدينية الثقافية أو التعليمية بصورة عامة، يجب أن تُعلَّم وتنتج إنسانًا لكي يكون إنسانًا في المقام الأول، ذلك إنك لو زرعت بذرة خاطئة في البداية ستنبت فكرًا شيطانيًا، لذا أقول دائمًا إن مدرس المرحلة الابتدائية هو أخطر إنسان في أي مجتمع؛ لأننا نضع بين يديه أولادنا (المادة الخام لنا). نقول له خذ هذه المادة، وشكلها لتخرج إنسانًا في المجتمع، وبالتأكيد المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية، يجب أن يكون بينها نوع من التكامل العملي لتخرج إنسانًا سويًا، فحينما يخبو هذا الدور أو يقل ليأخذ بعدًا سياسيًا، أو يؤثر عليه العامل الاقتصادي تكون النتيجة غير مرضية، فمثلًا الحالة الاقتصادية في مصر تجعل بعض الفصول كثافتها الطلابية كبيرة، ما يضعف العملية التعليمية، وهكذا...

* بذكر الإرهاب.. لماذا تستهدف الجماعات الإرهابية الكنائس؟
- بالنسبة لمصر، تركيبتها السكانية قائمة على وحدة تاريخية طويلة بين المسلمين والمسيحيين عمرها تجاوز 14 قرنًا، وهذه الوحدة قائمة على نقطتين أساسيتين، أن كل المصريين يقطنون حول نهر النيل، ويعيشون على الأراضي التي بجوار النهر، فيعتبرون النهر هو الأب، والأرض التي نأكل منها هي الأم، فكل المصريين أبوهم النيل وأمهم الأرض.
هذا الترابط خلق نوعًا من الوحدة والترابط الشديد جدًا، فإلى الآن في مجتمعنا المصري الذي يضم 85 مليون مسلم و15 مليون مسيحي، نتكلم كلمات تعود إلى عصر الفراعنة، ومن العصر القبطي، يعني مثلا "الفوطة" كلمة ليست عربية؛ لكنها قبطية في الأصل، وعندنا في مصر، حي مشهور اسمه حي شبرا ، وهو في الأصل كلمة قبطية تعني "المزرعة"، وهناك أيضًا شبراخيت (مزرعة الشمال) وشبرامنت ( مزرعة الجنوب)... أكثر من ذلك، كلمة، وأنت في القاهرة "فلافل" التي تُطلق على ساندويتش الطعمية، تعود إلى أصل قبطي.
المقصد أن هناك تلاحمًا شديدًا في مصر بين الأقباط والمسلمين، ليس له مثيل في العالم؛ لأن النيل والأرض هما سبب تلك الوحدة القوية، ولذلك ندرك- نحن المصريين- أن استهداف الكنائس عن طريق الأعمال الإرهابية، موجه للوحدة الوطنية. وهذه الوحدة عندنا تأتي قبل كل شيء، وقد قلت في ذلك عبارتي الشهيرة، "وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن"، فالوطن ووحدتنا ووجودنا معًا هو الهدف الأسمى.

* الرئيس عبد الفتاح السيسي يقدر كثيرًا مواقف الكنيسة، ويضعها في مقدمة الصف في مواجهة الإرهاب، فكيف ترى الإرهابيين الذين يفجرون المساجد أيضًا؟
- الإرهاب لا يستهدف المسجد بصفته أو الكنيسة بصفتها؛ لكنه يضرب الوحدة الوطنية، والتلاحم الشديد في مصر؛ ولأن الرئيس السيسي يدرك هذه النقطة، دائمًا يقول، أنا رئيس مصري لكل المصريين. كما أنه يؤكد باستمرار أنه مصري أولًا وأخيرًا، وهناك مقولة شهيرة له ومعبرة "طول ما احنا واحد هنقدر نهزم الإرهاب".
نحن نعرف أن الوطن هو المستهدف، ولذلك تكون الهجمات أولًا ضد الجيش والشرطة باعتبارهما (القوة الصلبة لوطننا)، ثم ضد المسجد والكنيسة (القوة الناعمة).

* بشكل عام؛ كيف ترى دور الأديان في مواجهة الإرهاب؟ وهل يمكن تفعيل هذا الدور ليشمل بلدانًا تعاني النزاعات والتمييز الديني؟ وكيف يمكن للتلاحم السعودي- المصري أن يساعد في ذلك؟
- علمونا في صغرنا عبارة "الاتحاد قوة"، فالتفرقة ضعف، ولذلك، التقارب بين مصر والسعودية قوة، التقارب بين الدول العربية قوة، التقارب في العالم الإسلامي قوة، التقارب المصري مع إفريقيا قوة، التقارب العالمي قوة، المشكلة التي نواجهها هي الفرقة.
يمكن ملاحظة ذلك في "السوشيال ميديا" التي تقوم على التفريق، فهي لا توحد؛ لكنها تسعى لتفريق الناس عن بعضها، هذا الخطر مصدره في طريقة فهمنا للآخرين، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي، وكذلك على مستوى الدول، وهذا يؤدي إلى نشوب الحروب.
أيضًا؛ علينا أن نتذكر أن المنطقة العربية مطمع، فمثلا ما يحدث في سوريا التي نشبت الحرب فيها منذ 7 سنوات، أسأل نفسي، كلما تابعت الوضع هناك: من يقاتل من، وأي فريق يقاتل أي فريق؟؛ لكنني إلى الآن لا أجد إجابة عن هذا التساؤل، ولا أعرف ما الهدف من هذه الحرب؟
زرت سوريا وهي بلد أحبها، والمآسي الإنسانية التي نراها، من تشريد للشعوب، شيء مخجل، مؤلم، الناس في الشوارع لا مأوى لهم، لا يجدون حبة دواء واحدة، فأحيانًا حينما أسمع الأخبار في أي قناة تليفزيونية، وأشرب كوبًا من الشاي، أشعر بالألم لأن هناك من لا يجد هذا الكوب أو حبة دواء تقيه الصداع (أقل الأشياء التي يسعى إليها الإنسان).

* بعض الدول لديها محاولات لفرض نفوذ، دون النظر إلى البعد الإنساني الذي يشير إليه الخطاب السعودي والمصري، كالوضع في اليمن، وليبيا وسيناء أيضًا، كيف تراها؟
- زرت ليبيا أكثر من مرة، وعشت فيها شهورًا، ولنا كنائس قبطية هناك، وكان هناك مصريون أقباط، فليبيا بلد جميل، كنا نقضي وقتًا ممتعا فيها خلال زيارة الآثار، هي بلد فيها بعض الحدائق وشبكة طرق جيدة؛ لكن كل هذا لا وجود له الآن، نتيجة الصراعات التي تعيشها.. ليبيا بلد غني وعدد سكانه ليس كبيرًا، أي فيها كل المقومات التي تجعل شعبها يعيش في رفاهية؛ لكن ماذا يحدث؟ طبعًا، التدخلات تحدث حينما نكون في حالة ضعف وتشرذم؛ لكن لو كنا أقوياء لما استطاع أحد التدخل.

* إذن؛ كيف ترى الحل الأمثل لتجاوز حالة الضعف العربي الحالية؟
- بالعمل معًا، بالتقارب مع بعض، نؤمن بالاختلاف وقبول الآخر، نؤمن بأن أصابع أيدينا تقدم لنا رسالة كل لحظة أننا مع تنوعنا يجب أن نعمل معًا، فهذه الصورة مهمة جدًا لنا، وأنا أرى، أن التدخلات السياسية الكثيرة أحيانًا تفسد الأمور. لست سياسيًا لأحكم على تلك النقطة؛ لكن الشعوب تريد أن تحيا، فكلنا لدينا أبناء نريد تربيتهم ونخرجهم أفضل منا، نريد للأجيال الجديدة أن تكون أعظم، نريد أن تقدم لأولادنا أفضل حياة وأفضل خدمة، من صحة جيدة وتعليم متميز، فهذا هدف كل الشعوب، وهذا لن يتحقق إلا بتحمل كل منا مسؤوليته التي تقتضي بقبول الآخر.

* ما دور الكنيسة المصرية في مسألة السلام بالشرق الأوسط؟ وكيف ترون طريقة حل القضية الفلسطينية؟
- القضية الفلسطينية هي الشاغل الأول لدى المصريين، فنحن دولة جارة لفلسطين أولًا. ومن الناحية القبطية، السيد المسيح ولد في فلسطين وجاء إلى مصر وعاش فيها 3 سنوات و6 أشهر، فيما يُسمى رحلة العائلة المقدسة، كما أن هناك مطرانًا قبطيًا في القدس منذ قرون، لنا كنائس، لنا أديرة، لنا رهبان، لنا راهبات، لنا كهنة، لنا شعب هناك.
أيضًا؛ هناك مقدسات إسلامية ويهودية في مدينة القدس التي يعني اسمها (أورشليم) مدينة السلام الذي لم تنعم به عبر تاريخها الطويل الممتد إلى 3 آلاف عام إلا 30 سنة فقط، وباقي السنوات كلها حروب.
بالنسبة للحل أقول إنه لو ظل الإنسان يتحدث في كل الماضي لن يتحرك خطوة؛ لكن لكي نخرج من دائرة الحرب، دائرة العنف، دائرة عدم قبول أو الاعتداد على الآخر، يجب أن نتوقف أولًا عن تلك الممارسات لنبدأ صفحة جديدة، فحينما تقرأ كتابًا وتجد كلامًا صعبًا في صفحة معينة، تغيرها إلى أخرى جديدة.
يجب أن تكون البداية لحل مشكلة صعبة كفلسطين عمرها نحو 70 عامًا، بالمفاوضات والحوار، الذي يجب أن تكون أطرافه على استعداد لقبول الآخر.
وكما تعلمون ، فإن من يجلس على مائدة المفاوضات واحد من اثنين، إما صانع سلام (Peacemaker) أو مسببًا للتوتر (Trouble maker) الثاني يجلس لكي يتشاجر معك، مهما تقل أو تحاول كي تقنعه لن يقبل، فهذه مهمته؛ لكن الأول يجلس ويفتح ذهنه مستعدًا للحل ولقبول الآخر.. مثال ذلك؛ حينما عقدت مصر معاهدة كامب ديفيد منذ أربعين سنة، أنقذت سيناء، وهذا يؤكد أن الحوار بقلوب وعقول منفتحة هو السبيل الوحيد لحل المشكلات الصعبة.

* في هذا الإطار؛ كيف ترى قرار نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس؟
- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يُعقِّد الأزمة، وقد اتخذنا في الكنيسة موقفًا شديدًا ضده، تمثل في رفضنا استقبال نائب الرئيس الأمريكي، واعتذرنا؛ لأن القرار صدر ونحن نستعد لزيارته إلى مصر.
في تقديري الخطوة الأمريكية "شو" فقط- عمل استعراضي- أكثر منها شيء عملي؛ لكنها الإدارة الأمريكية التي تفاجئنا كل يوم بما هو غريب.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa