وقْوَاق الوَاق وَاق

وقْوَاق الوَاق وَاق

يُروَى أن سبب تسمية جُزر الوَاق وَاق وجود ثمار متدلية تشبه رؤوس النساء، تمُر الرياح من خلالها مسببةً صوتًا يشبه (واق ... واق). فأقول: ما كانت تلك الرؤوس سوى ثمار جوز الهند، أما الصوت فلهُ حكاية! قد سَمِعتَ مقالتهم، فاسمع مقالي.

في قُطرٍ هادئ من الأرض، يندمج محتواه بما حوله بانسجام تام، حَدَث ذات مرة أن مرّت به ساحرة، تدّعي أن اسمها (شريفة)، عَرضت على تمَام قراءة كفه. وضع يده في يدها، تمتمت بتعويذات، وخطّت بأظفارها السوداء على يده الناعمة، فاقشعر جلده، وارتعش بدنه. ذبحت الساحرة حمامة بيضاء، ونفثت في عينيه، وهمست في أذنه: (تمام التميمة، وجريرة الجزيرة). سكنتْ الريح؛ لكنه لم يزل يسمع طنينًا أشبَهَ بالوشوشة، ويرى غبشًا مشبعًا بالهلوسة. أهدته زوجًا من الغربان، وآخر من الوقْواق.

لأنه أراد أن يكون له منبر، ويُسمعَ صوته، قام ببناء صومعة، ولم يعلم أنها ستكون جريرة. ظلتْ الغربان تنعق ليل نهار، فوق تلك الصومعة لتزعج الجيران. أما زوج الوقواق فقد اختار للمبيت دوحةً بالقرب من عش شادي القصب، يسمى أيضًا دخلة القصب، ظن الشادي أن الضيف أُعجب بصوته، فغرد لأجله. لم يكن الضيف مضطرًا لبناء عش، فقط كان يراقب. حينما تطير أنثى الشادي، تهبط أنثى الوقواق في العش؛ لتبيض فيه ثم تبتلع من البيض الأصلي عدد ما باضته، كانت مهمة الذكر المراقبة والإنذار حين اقتراب عودة أحد زوجي الشادي الغافلَين. لم يتم اختيار عش الضحية جزافًا، بل كان لتقارب شكل بيضه من بيض الوافد الغريب.

فَقَست أول بيضة وقواق، ليبدأ الدخيل بدحرجة البيض الأصلي من حنان العش لزمهرير التهلكة، ليتفرد بالحنان والطعام. كان شكله مختلفاً، إلا أن أحدًا من الزوجينِ الجاهلَين لم يتخيل الحقيقة المُرة. صاح النذير حينما بدأت طيور الشادي تشتكي من تغير أشكال صغارها، سُميَّ المنذرُ الـمُرجِف. كلما كَبَرت الفراخ كَبُرت وتباينت أشكالها عن الحاضنَين. انتشر الطائر الشُؤم، وتعلم الشادي الدرس القاسي. كانت الضحية التالية العقعق الأزرق. تكرر المشهد، واختلفت الضحية. بدأت تنقرض تلك الطيور الجميلة. بانتشار الزائر الجديد؛ انتشرت الآفات التي كانت تحاربها الطيور الأصلية؛ ما أدى لنَخر الأشجار، ثم موتها، وموت كثير ممن يتخذ منها المسكن والمطعم، فلم تعد الدوحة المعهودة. بسبب تلك الأحداث، بدأ حفرُ خندقٍ ليُحَوِّل تلك البقعة لجزيرة منبوذة لجريرة شعوذة. لا تزال الغربان تنعق، وما يزال الوقواق يبيض.

خلق الله جميع الخلق لحِكَمٍ، وأمر بالعدل، وبه حَكَم، ولا يَنفي ويُفني غيرَه مثل الوقواق البشري. الطيور تتعلم بسرعة، ونتعلم منها. فأول بشرٍ وُلد على الأرض تعلم منها دفن ميِّتِه، ومِن بعدِه تعلم منها الطيران، وممن بعدَهُ من لم يتعلم خطر الوقواق.

تدارُك: ربما كانت هنالك رؤوس نساء متدلية لَمْ أُميزها، بل ربما لم يكن ذلك صوت رياح، بل أرواحٌ تبكي بعد أن أفنى البشرُ البشرَ.

 @FahdBinJaber

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa