«دراما سوداء» يروي فصولها الهاربون من حُكم طالبان

«دراما سوداء» يروي فصولها الهاربون من حُكم طالبان

قصص أغرب من الخيال، يرويها اللاجئون الأفغان، الهاربون من حُكم «طالبان» لدى الولايات المتحدة وكندا.. أكدوا في فصولها «دراما سوداء»، عاشوها على مر السنين.

أحمد فازداي، رجل أعمال أفغاني، يقيم في «هيوستن» بالولايات المتحدة، ولا ينسى وهو في التاسعة من عمره مشهدًا، غاصت خلاله سكين حاد في رقبة أحد الأشخاص. حينها اصطحبه أصدقاؤه لمشاهدة مباراة كرة قدم في ملعب «غازي» بالعاصمة كابول العام 1998.

وخلال المشاهدة، فوجئ باقتحام عدد من الشاحنات العسكرية الملعب، وقفز منها الجنود، واجتذبوا شخصًا من المشاهدين، وقاموا بقطع رأسه أمام آلاف الناس. لا يعرف فازداي حتى الآن سببًا واضحًا لتلك الجريمة، حتى إنه لم يجرؤ حين ذاك، هو وأي من أصدقائه السؤال عن حيثيات تلك الجريمة، خوفًا من ردود أفعال جنود حركة «طالبان».

لقاءات خاصة

وينضم فازداي إلى آلاف الأفغان، الذين هربوا من بلادهم مؤخرًا، ويقيمون حاليًا في الولايات المتحدة وكندا، ويسترجعون أهوال ماضيهم في لقاءات خاصة مع موقع «ذي ستار» الكندي. وحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين، نزح ما يربو على 6 ملايين أفغاني من ديارهم خلال أربعة عقود من الحرب.

ووفقًا لمسؤولي توطين اللاجئين في كندا، فإن الصور الأخيرة لعنف «طالبان» في وسائل الإعلام، تعيد الذكريات المرعبة لما يقرب من 100 ألف كندي ذوي أصول أفغانية. وتقول إيرين بيز، مدير مكتب اللاجئين في هاميلتون، إنها تلقت مئات المكالمات من الكنديين الأفغان خلال الشهر الماضي، إذ أعرب هؤلاء عن قلقهم بشأن أقاربهم في أفغانستان، وعادوا بذاكرتهم إلى الأهوال، التي تعرضوا لها خلال سنوات حُكم «طالبان».

الدكتور كاظم حقاني واحد من بين الكنديين ذوي الأصول الأفغانية المقيمين في أوتاوا، وهو خبير في الصحة العالمية، ويفحص بشكل مباشر كيفية إثارة الصور المزعجة ذكريات مؤلمة. ويخفت صوته حين يسترجع واحدًا من بين التهديدات التي تعرض لها من «طالبان»، عندما كان يعمل في قاعدة عسكرية أمريكية بمقاطعة «كونار» في العام 2008. حينئذ أوقفته عناصر «طالبان» المدجَّجة بالسلاح، وتوعدوه: «سنتركك هذه المرة، ولن نطلق عليك الرصاص، لكننا سنفعل ذلك في المرة المقبلة، إذا واصلت العمل مع الأمريكيين».

صدمات نفسية

ولا يخفي الأسلوب الهادئ رعب حقاني، الذي كان يشعر به قبل الانتقال إلى كندا حيال زوجته الشابة، وطفله البالغ من العمر ثلاثة أشهر. ورغم أنه يعيش حياة مستقرة وهادئة في كندا، فإن أصيب وزوجته بأزمة نفسية بعد مطالعة فيديو على «فيسبوك»، يجسد فتاتين صغيرتين، تبكيان فوق جثة شقيقهما في العاصمة الأفغانية كابول.

وفي تعليقه على الفيديو، يقول حقاني: «لم أعد أستطيع النوم جيدًا، وكنت أستيقظ من أربع إلى خمس مرات في الليل، أعيش لحظة حزن حقيقية. كنت أتواصل مع زوجتي للحصول على الدعم، لكنني لم أستطع هذه المرة، لأن حالتها الصحية كانت أسوء من حالتي بكثير».

الدكتور كريج هاين، وهو معالج صدمات نفسية بمصحَّة «وايت بلينز» بمدينة نيويورك، والرئيس المشارك للتوعية المجتمعية لجمعية العلاج النفسي للمجموعة الأمريكية، يقول إن «مقاطع الفيديو، واللقطات الإعلامية العنيفة، تلعب دورًا رئيسيًا في ردود أفعالنا الصادمة».

وفي العام 2002، أظهرت دراسة أجرتها مجلة الطب النفسي، أن الأشخاص الذين رأوا بشكل متكرر صورًا لأشخاص يسقطون أو يقفزون من أبراج مركز التجارة العالمي، لديهم ما يقرب من ثلاثة أضعاف انتشار اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو ما يزيد بكثير عن أولئك الذين لم يطالعوا تلك المشاهد.

نور صابر سابارو، سائق من أصول أفغانية، ويعمل لدى شركة «أوبر» شمال مدينة يورك الكندية، يروي جانبًا من تلك المآسي، ويعد بذاكرته إلى الوراء، وإلى 41 عامًا قضاها في منطقة حرب. أقرب ذكرياته هي الفرار حافي القدمين من قريته في مقاطعة خوست العام 1980.

اتهام بالزندقة

حينها، كان سابارو طفلًا، لم يتجاوز من عمره السنوات الأربع، ولا ينسى إضرام عناصر «طالبان» النار في منزل عائلته. ويحكي عن ذلك، قائلًا: «ضربني عناصر «طالبان»، وأنا في سن الصبا، واتهموني بالزندقة لمجرد أن لحيتي كانت قصيرة جدًا». وفي ظل أعمال القصف، فرَّ سابارو إلى كندا، بعد أن أودعت «طالبان» شقيقه في السجن.

وتقول شيلي كافينو، وهي طبيبة نفسية في تورنتو، متخصصة في الصدمات، إن اللاجئين الأفغان مشغولون للغاية بضروريات الحياة عند وصولهم إلى أمريكا الشمالية - السكن والمدرسة والوظائف - لدرجة أن صحتهم النفسية لا تشكل أولوية في اهتماماتهم، وهو ما يعيد نشاط الصدمات، التي تعرضوا لها في بلادهم من حين لآخر، خاصة إذا شاهدوا مقاطع فيديو لأعمال عنف.

فرزنه (ليس اسمها الحقيقي)، التي وصلت حديثًا من كابول، تعاني اضطرابات حادة ما بعد الصدمة، لكنها تقول إنه ليس لديها وقت لتلقي الرعاية الطبية، نظرًا لغرقها في رعاية والديها وأخواتها الصغار، الذين اضطروا إلى الفرار معها، نتيجة لعملها كاتبة صحفية.

أوصال القتلى

في يوليو العام 2016، كانت فرزانة على قرب من ساحة «دي مزنج» في كابول، عندما قتل انتحاريان 120 شخصًا، وأسفر الحادث أيضًا عن إصابة مئات آخرين. وعن ذلك تقول: «لقد أصبت، كنت أنزف، تناثرت أوصال القتلى في كل مكان، ورأيت أجسادًا مقطوعة إلى نصفين، وأخرى بلا رأس؛ وشاهدت عديد الأصدقاء بعد أن تمزقت أجسادهم، وآخرين لم يتم العثور على أشلائهم».

عانت فرزانة تكرار اضطراب ما بعد الصدمة، عندما هربت من كابول مع عائلتها. كان الجنود يطلقون نيران أسلحتهم في الهواء باستمرار، مما أعاد إليها ذكريات القصف. وكانت عناصر «طالبان» تضرب الناس بالعصي، وهم ينتظرون لساعات في المطار.

مجيب عنجر، أب لسبعة أطفال، يستقر في مدينة هاليفاكس الكندية منذ العام 2013، ويحاول التداوي من إصابته بصدمات مختلفة بطرق مختلفة. ويقول إن مشاهدة أخبار أفغانستان أعادت إليه ذكريات تهديدات طالبان التي تعرض لها كمراسل لإذاعة «ليبرتي» الأفغانية في العام 2010. واستطرد: «كنت كالطفل بدون أم، أبكي على مدى الأربع والعشرين ساعة. حاولت الابتعاد عن مطالعة وسائل التواصل الاجتماعي، تفاديًا لاسترجاع مرارة الماضي».

اقرأ أيضًا:

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa