كساد العقل بين اليقين والشك!

كساد العقل بين اليقين والشك!

لطالما كان الركود والسكون مَكْمَنَي وَهْنٍ وخَطَر، فالأجساد الراكدة والمتموضعة دون حركة معرَّضةٌ للأمراض، والمياه الراكدة تصنَّف كأحد أخطر المشكلات البيئية، لكن ماذا عن الفكر الراكد؟، هل يمكننا تصنيفه كمصدر خطر؟!.

يمكننا صبغ الفكر «اليقيني» بالفكر الراكد، وقد يكون اليقين أحد أكبر المشكلات الفكرية التي تخدّر فكر الإنسان وتُميت فيه الفطرة الطبيعية في الحركة والسعي والبحث.

من الممكن أن يكون اليقين النابع من بحث وتعلّم شخصي أقل خطرًا من ذاك اليقين المُعلّب والمستورد من خطابات الآخرين، فالآخر لا يدع للفكر مجالًا للحركة، نأخذه معلبًا ونركنه يقينًا في أذهاننا، ونظن أننا حصلنا عليه بالمجان بينما أنه بالحقيقة قد كلّفنا حيواتنا كاملة!.

الدافع الأكبر لتحريك العقل هو «الشك»، وهو الذي يجرّ فكر الفرد إلى الركض نحو إشباع فضول هذا العقل، وتعبئته بالكم الواف من المعلومات التي تقلل من مدى حدّته، وتمحو بعضًا من علامات الاستفهام المرسومة داخله، بينما نقيضه اليقين والذي غالبًا ما يحكُم على فكر الإنسان بالموت المبكر إذا ما رفعنا الراية البيضاء له، فأهلًا بالشك الذي يأتي بعد يقين، وأهلًا باليقين الذي يأتي بعد شك، وأهلًا بالدائرة التي يطوف حولها هذين المتغيرين بشكل أبدي، وأهلًا بكل ما لا يجمّد هذه الهِبَة الرَّبَّانيَّة الراكزة في أدمغتنا!.

ليست المشكلة في الوصول لليقين، بل مشكلتنا أننا حين نصل إلى اليقين الظنّي، نقوم بإيقاف كل العمليات الذهنية تجاه ذات الموضوع الذي أشكَل علينا، ثم نوصد الباب عليه أشدّ إيصاد كي لا نعود له مرة أخرى، وبذلك نتّجه للركود الخطر!.

هذا التوجّس لا يعني الميل للفريق السفسطائي الذي يشكك بكل شيء حتى بحقيقة وجود الإنسان، وحتى لا يصفنا ابن حزم بـ«مُبْطِلِي الحقائق"، إنما هو طرق للمواضيع الفكرية غير المحسوسة، والتي تملك مجالًا واسعًا للأخذ والرد، ولم تحسمها الأيام ولا القرون.

وأخذًا بالوصية التي نقلها جون ستيوارت ميل عن مجهول، لسنا إلا سُعاة لإيقاظ «الرأي اليقيني من النوم العميق»، قبل أن يدخل مرحلة نوم أهل الكهف!.

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa