شخصية وطنية والعمل الخيري

شخصية وطنية والعمل الخيري

اليوم يرحل أحد أكرم أبناء هذا الوطن.. كرمٌ في الكلمة الطيبة.. في المال.. في العطاء.. في الجاه.. في الضيافة.. في الابتسامة وفي العمل الجاد.. في بذل الوقت لمساعدة الآخرين وفي الوفاء مع القريب والبعيد، وفي صلة الرحم التي من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.

لن أنساه في كلماته الجميلة والذكريات الماضية التي رواها لي عبر آخر اتصال هاتفي؛ حيث روى لي عن المزارع الجميلة والبيوت القديمة والأيام الماضية مع أجدادي وأعمامي... عن الأصدقاء والجيران وأبناء بريدة ممن هم في سنه.

كل هذا نوع من الوفاء لمن أحبهم وأحبوه ورحلوا قبله وسبقوه وها هو اليوم يشد الرحال في شوق إليهم لم يخفيه.

الشيخ الجاسر رحمه الله من مواليد 1362، درس وترعرع بين مدارس وطرقات ومجالس العلم في مدينة بريدة؛ حيث أخذ المعين الصافي فيها وأسس حسَّه الخيري والتجاري بين جدران بيوتها ومجالسها المتنوعة، وتخرّج من المعهد العلمي فيها، ثم شَدَّ الرِّحَالَ في طلب العلم إلى مدينة الرياض؛ حيث تخرَّج من كلية اللغة العربية هناك عام 1387هـ.

تميّز - رحمه الله - بعصاميته الفَذَّة وثقافته العالية وحسه التجاري المميز والذي دفعه سريعًا للتخلي عن العمل الحكومي والانطلاق في عالم المال والأعمال حتى تَرَبَّعَ على كرسيِّ الإدارة العامة لمصانع الجميح للبيبسي كولا، المعبّئ الأكبر بالشرق الأوسط وعضو مؤسس في العديد من الجمعيات الخيرية.

بعد ذلك استقال من إدارة مصانع الجميح وتفرغ لشركته الخاصة الجاسرية للتقسيط، وتعد الجاسرية من أوائل الشركات في السوق السعودية التي قامت بالعمل في مجالات التمويل محققةً في ذلك سبقًا اقتصاديًّا في هذا القطاع والتي تأسست عام 1993م.

إلى جانب تجارة التمويل تميز بمشاريعه العقارية الكبيرة في داخل المملكة وخارجها، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا تميّز به مع شركائه.

عُرِفَ عن الشيخ - رحمه الله - تميُّزه بالأمانة والصدق والمحبة واللين في التعامل مع عملائه ومساهميه.

اشتهر رحمه الله بصالونه الثقافي الموسوم بسبتية الجاسر بمدينة الرياض؛ حيث يستضيف مساء كل سبت عددًا من العلماء والأكاديميين والأدباء والوجهاء ورجال الدولة والعديد من أبناء المجتمع السعودي ويقيم لهم مأدبة العشاء في ديوانيته.

كان محبًّا للصغير والكبير، يتّصف بالتواضع الجَمِّ والخُلُقِ الكريم، أَحَبَّه من جَالَسَه وحتى من سَمِعَ عن كريم سجاياه وعن جميل أعماله.

أما الحديث عن أعماله الخيرية فليس لها حَدّ ولا عَدّ، فقد شارك وساهم في تأسيس ودعم عدد لا يُحصى من مؤسسات العمل الخيري والتطوعي في أماكن عدة في الداخل والخارج، وخاصة في منطقة القصيم والرياض ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام، وتم ترشيحه كرئيس لمجلس إدارتها وجمعية تحفيظ القرآن الكريم ببريدة، وكذلك جمعية البرّ وجمعية أسرة للعمل الأسري ومؤسسة دعم راغبي الزواج؛ حيث أسسها قبل أربعين سنة، كما قام ببناء دار الوفاء للمسنين بتكلفة تزيد عن ثلاثة ملايين ريال كما دعم جمعية رعاية أسر السجناء وتكفل بوقف للمستودع الخيري بالشماس إلى جانب دعمه المستمر للعمل التجاري والإنساني بالمنطقة، فقد ساهم بإنشاء مستشفى سلامات والمستشفى الوطني ببريدة.

الشيخ الجاسر - رحمه الله - شارك في مناسبات بريدة العديدة على مدى مايقارب خمسين عامًا - حضورًا ودعمًا وتشجيعًا - كأحد أبرز الأسماء من أعيان بريدة، ودَعَمَ غالب مؤسسات وجمعيات المنطقة الخيرية بالمال والتشجيع والتخطيط والمشاركة الفاعلة، هذا ما يشاهده الجميع والأعمال الكثيرة التي يقوم بها شخصيًّا مع عدد كبير من الأسر المحتاجة والمتعففة في داخل المملكة وخارجها التي ربما لا نراها.

واليوم ابن بريدة البار الشيخ عبدالكريم الجاسر أبو عبد العزيز يرحل، وقد خَلَّفّ أبناءً أخيارًا لهم مِنَّا جميعًا صادق المواساة وهم عبدالعزيز، خالد، محمد، طارق، جاسر، نايف، سلطان، فهد، سلمان، سطام، وفيصل، ولعموم أسرة الشيخ الكريمة الذين سيكونون - بإذن الله - خير خَلَفٍ لخيرِ سَلَف.

وَحَالُ الكثيرين من محبيه اليوم ومرتادي مجلسه وديوانيته السبتية يقولون:

إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ

قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ

ما أُخمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقٍ

وَلا ذَمَّنا في النازِلينَ نَزيلُ

فَرَحِمَ الله الوجيه الشيخ عبدالكريم بن عبدالعزيز الجاسر، الذي توفي يوم الأحد الموافق 1441/8/26هـ بمدينة الرياض، عبر معاناة مع المرض وهو صابر ومحتسب، نحسبه أنه من أهل الخير أقبل على خير والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا، إنما نحن من شهود الله في أرضه.

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa