حكايات بيوت

حكايات بيوت

شاهدتُ منذ أيام قليلة مقطعًا مصورًا تداولته شبكات التواصل الاجتماعي يتحدث فيه رجل وقور فاضل عن عقد قران ابنته السابعة وبماذا أوصاها حين اعتنقته تلك الليلة باكية وباحت له بأنها تشعر بأن هذا الزوج سيأخذها منه، وكيف طمأنها وأوصاها به وبوالديه خيرًا وربط لها بين مشاعرها في تلك اللحظات ومشاعر والديه تجاهها أيضًا، وبأنهما ربما شعرا أيضًا بنفس الشعور، وأن هذه الفتاة ستسلبهما فلذة كبديهما، وأرشدها إلى حسن عشرة أهله وأن تتأدب بآدابهم وتسلك مسالكهم وتتطبع بطباعهم فيما لا يخالف شيئًا من أوامر الله تعالى حتى ترضي زوجها وتكسب قلوبهم جميعًا وتكون إضافة جميلة لتلك العائلة.

وحيث إن الشيء بالشيء يذكر ففي إحدى الجلسات الاستشارية هاتفتني إحداهن لتخبرني بمشكلتها التي تتلخص في قلقها بشأن علاقة زوجها المتوترة مع أهله والتي حدت به أن قلص سفره لزيارتهم إلى ما دون الأعياد فصار يزورهم مرة في العام أوربما في العامين.

وكانت تتحدث بحرقة عن خوفها على زوجها من شؤم العقوق وقطيعة الرحم حيث أنه يعتبر زوجًا مثاليًّا من جهتها وجهة أسرته الصغيرة وأبنائه.
وخلال حديثي معها أعربت عن قلقها أيضًا بشأن أبنائها الذين تخشى عليهم أن يرثوا عن أبيهم خصال العقوق وسلوك الهجران والقسوة وجفاف المشاعر تجاه الوالدين والأقربين وأن يكبروا، وهم خالوالوفاض من علاقة بأعمامهم وعماتهم أومن ذكريات تجمعهم بأجدادهم لأبيهم وكأنهم أشبه ما يكونون بأوراق متساقطة من أشجار هرمة، وحدثتني عن رغبتها الصادقة في إصلاح ذات بينهم ورأب الصدع ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وعندما سألتها عن علاقة زوجها بأهلها أثنت عليه خيرًا وامتدحته بكونه لا يحرمها من وصلهم الدائم؛ حيث تقطن معهم في نفس المدينة وتزورهم بشكل شبه يومي وتمكث عندهم الساعات الطوال بل تبيت عندهم في مناسبات كثيرة وهو كذلك يبادلهم الزيارات والصلة والإكرام.

فما كان مني إلا أن أكبرت فيها أولًا هذه المشاعر الطيبة تجاه أهل زوجها وهذا الحرص الصادق على توطيد علاقة زوجها بذويه وخوفها عليه وعلى ذريتها من العقوبة الدنيوية والأخروية.. ثم باشرت معها محاولات البحث عن حلول للمشكلة بعد محاولة تحليل أسبابها الذاتية والبيئية.

ولكنني في ذات الوقت ظللت أتفكر في النموذج المقابل وهوالدارج في الوقت الراهن بين كثير من الفتيات (الزوجات).

ذكرتها أن تحمد الله عز وجل أن لم يجعلها ككثيرات غيرها -مع الأسف- تغتنم البعد عن أهل زوجها وتوظف ذلك لمصلحتها لتدخل زوجها المسكين في دائرة الأنانية وتغلقها عليهما وعلى أسرتهما الصغيرة فقط.

بل ربما تذهب بعضهن إلى أبعد من ذلك؛ حيث يحلو لها أن تصطاد في الماء العكر فتسخر هذا الزوج الخانع لها ولأهلها وتبقيه على سوء علاقته بأهله بحجة أن لا علاقة لها بما حدث وأنها لا ناقة لها في الأمر برمّته ولا جمل، وهي ليست سببا فيه من قريب أوبعيد ولسان حالها يقول : الحمدلله جاءت من غيري.

وأذكر في نفس السياق أن إحدى الصديقات أخبرتني بأن أخاها الأكبر تزوج من قريبته ومضت السنوات الأُول من زواجهما في غصص من المشاكل والصراعات بينهما، وكانت تقطن معه بمفردهما؛ حيث يدرس في منطقة أخرى وكان يعود في نهاية عطلة كل أسبوع شاكيا لوالدته التي اختارتها له سوء اختيارها مثرّبًا عليها لائمًا لها قائلًا: هذي هي خيرتك.

ثم حدث أن انتقلا للسكن مع أهله فنقلت دائرة الصراع بينها وبين زوجها إلى والديه وأخواته لتتسع تلك الدائرة وتلتهم الجميع، تقول: بعد أن كنا نتعاطف معها ضده علمنا أنها امرأة سوء وفتنة وأنها مخلوقة بهذه الطبيعة الباحثة عن المشكلات لكن أنى لنا أن نفعل شيئًا، وهي قريبتنا ونخشى من سخط الأقارب، وصار بيتنا يعجّ بالمشاكل والنزاعات والصراخ الدائم والشكاوى من كل الجهات وصارت الألسن تلوكنا وكلٌ يتصل بنا يدّعي رغبته في الإصلاح وما بهِ إلا الفضول والتطفل وحب نشرالأخبار ومع الأسف كان هذا النوع من المحيطين بنا يجد من أهل البيت آذانًا صاغية..
حتى جاء اليوم الذي توفي فيه والدها وآل أمرهم إلى أخيهم الأكبر وزوجته.

فسنحت هنا لها الفرصة لتفعل ما يمليه عليها ضميرها وقيمها التي تربت عليها ومبادؤها، وكان يمكنها أن ترقع ما خُرِق وأن تجبر ما ثُلِم لوأحسنت استثمار تلك الفرصة فيما يؤلف بين القلوب ويقرب ما تباعد من أفئدة.

لكنها بكل أسف وأسى استغلت سوء علاقتها وعلاقة زوجها بأهله لتنفيذ أجندتها وتوظيفه لتحقيق مطامعها ومصالحها الشخصية فقط والإحاطة به وإشغاله في ذلك وجندته بل أغرقته إغراقًا في خدمة أبنائه وبناته دون الالتفات لوالدته بل وتقديمهم عليها ولم تكترث أن تدله إلى أداء ما عليه من حقوق، وقد كان من الممكن أن تتخلى عن أحقادها وتحيّدها في تلك الفترة الحاسمة (لا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا)، سورة المائدة.

ومضت السنون والحال كما هولصديقتي بل ما زالت هي وأسرتها تحوم في نفس الدوامة من المشاكل اللامنتهية بعد أن كانت تنتمي إلى أسرة هادئة مسالمة تسودها السكينة وتنعم بالحب والألفة والمودة.. بسبب زوجةِ ابن سيئة الخلق والمعشر جالبةٍ للشؤم محبةٍ للفتنة.

وهنا أجدني أقف مجددا لأحيي الأخت المسترشدة التي طهّرت قلبها وسعت لترميم علاقة زوجها بأهله ولم تلتفت لتحريض المحرضين الذين يقولون: وما ضرّك البعد والهجران؟!] ولم تأبه لنصائح كثير من بنات جيلها عبر (سوشيال ميديا) بالبعد وتقليل الخِلطة بأهل الزوج.

ومن منبري هذا أوجّه النصح لكل فتاة متزوجة أن تذكّر زوجها بحق أهله ووالديه عليه، وأن تتقي الله في ذلك، وإن كان والداه أو أحدهما من أقاربها الذين تعظُم مكانتهم كالعم والخال أوالعمة والخالة تأكدت في حقها المسؤولية ولزمتها أكثر، وألا تستفرد به وتوجه طاقاته نحوها وأهلها فقط صادة له عن حقوق والديه وذويه، وأن تكون عونًا له على وصلهم وأداء حقوقهم مذكرةً له إن نسي أوغفل.

ولا تذهب بعيدا أيها القارئ الكريم.. بل ابقَ معي في الحلقة المقبلة من السلسلة لنتحدث بمشيئة الله تعالى عن الزاوية الأخرى من حكايات بيوتنا.
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، مفاتيح للخير مغاليق للشر..
آمين.

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa