هل يُصبح الاقتصاد الأمريكي على موعد مع الركود في 2019؟

وسط ضعف معدلات نمو الاقتصاد العالمي..
هل يُصبح الاقتصاد الأمريكي على موعد مع الركود في 2019؟

تستمر معدلات نمو الاقتصاد العالمي، خاصةً الاقتصادات المتقدمة، في اتجاهها نحو الانخفاض. ومع استمرار هبوط الإنتاجية في مناطق كثيرة حول العالم وسط ضعف قطاعات التصنيع، قد تُصبح الأسواق على موعد مع الركود أقرب من أي وقت مضى.

وبنهاية عام 2018، بدت معظم الاقتصادات الرئيسة في العالم أضعف مما كانت عليه قبل 12 شهرًا؛ إذ نمت بريطانيا بنسبة 0.2٪ فقط في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018، وكذلك تدنت مؤشرات النمو في منطقة اليورو. وإيطاليا تعاني من الركود الخامس في عقدين من الزمن.

وبالنسبة إلى البلدان التي تعتمد بشدة على الصادرات كمصدر للنمو (الصين وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية) فإن انخفاض الطلب على سلعها يعد من العوامل السلبية التي تحد من نموها الاقتصادي خلال العام الجاري.

الركود الأمريكي
ورغم تأخر الإحصاءات الرسمية في الولايات المتحدة نتيجة إغلاق الحكومة الفيدرالية؛ من المتوقع أن ينضم أكبر اقتصاد في العالم إلى منطقة التباطؤ التي تؤثر بالفعل في أوروبا والصين وعدد كبير من الدول الأخرى المهمة استراتيجيًّا.

وكان إنفاق المستهلكين الأمريكيين في شهر ديسمبر ضعيفًا، لكن ربما كان الأمر الأهم هو التراجع الحاد في نشاط التصنيع في يناير الماضي، الذي يتماشى مع انخفاض إنتاج المصانع في أماكن أخرى.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في شتاء عام 2008، كان انهيار الإنتاج الصناعي والانكماش في التدفقات التجارية، علامتين على عمق الركود الاقتصادي العالمي. وبشكل سيئ، كلاهما ضعيف مرة أخرى في الوقت الحالي.

وتوقع الاقتصادي الكرواتي حائز جائزة نوبل بول كروجمان، أن يكون في الولايات المُتحدة ركود في الوقت الذي يتقدم فيه دونالد ترامب لإعادة انتخابه في نهاية عام 2020.

ووفقًا للمتابعة الفورية للمؤشرات الاقتصادية، فإن احتمالية «التوسع القوي» -التي تفوق نمو الاتجاه العالمي- في الولايات المتحدة هذا العام، قد انخفضت من 80% إلى 20% فقط مع تباطؤ الاقتصاد في الآونة الأخيرة. 

عوامل ضعف
وتأثر النمو الاقتصادي بانخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري في النصف الثاني من عام 2018، كما ضعفت سوق الإسكان وسط ارتفاع معدلات الرهن العقاري وارتفاع تكاليف المواد والعمالة.

وحسب تقرير السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي المنشور خلال فبراير الجاري؛ يعكس تراجع ثقة المستهلك وقطاع الأعمال منذ الخريف الماضي، تقلبات الأسواق المالية، وزيادة المخاوف بشأن التوقعات العالمية.

وبناءً عليه، خفض الاحتياطي الفيدرالي ميزانيته العمومية من خلال عدم إعادة استثمار بعض سندات الخزينة والسندات المدعومة بالرهن العقاري؛ ما أدى إلى انخفاض إجمالي أصول الاحتياطي الفيدرالي إلى نحو 260 مليار دولار منذ منتصف العام الماضي، لتُنهي عام 2018 عند 4 تريليونات دولار.

وهناك مشكلة أكبر يتعرض لها الاقتصاد الأمريكي؛ فعلى الرغم من أن النمو استفاد في الغالب من الأثرياء الأمريكيين، فإن العمال العاديين بالكاد يشهدون نمو رواتبهم. حتى إنجازات السياسة الاقتصادية التي أقرها الحزب الجمهوري -وهي قانون تخفيضات الضرائب والوظائف- لم تفعل سوى القليل لتعزيز الأجور الحقيقية للعمال.

وقال بنك الاحتياطي الفيدرالي إن الاتجاهات الاقتصادية الأوسع نطاقًا -مثل التحول المستمر الذي كان يفضل العمال الذين يتمتعون بمزيد من التعليم- قد أدى إلى تخلف المناطق الريفية عن الركب الأمريكي المُتقدم.

ويعتقد نصف الأمريكيين تقريبًا (48%) في يناير الماضي، أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءًا، بزيادة من 45% في ديسمبر و36% في نوفمبر الماضي، وفقًا لاستطلاع أجرته جالوب، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن.

سياسة نقدية متذبذبة
ويعتقد العديد من الاقتصاديين من القطاع الخاص أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يرفع أسعار الفائدة مرة واحدة فقط في وقت متأخر من العام الجاري. ويتنبأ بعض المحللين بأن الخطوة التالية ستكون تخفيض أسعار الفائدة؛ حيث يواجه الاقتصاد الأمريكي تباطؤًا في معدلات النمو.

وفي اجتماعه الأخير في يناير، ترك بنك الاحتياطي الفيدرالي، أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوى 2.25% إلى 2.5%، وأشار إلى أنه ينوي أن يكون «صبورًا» في تحديد موعد رفع أسعار الفائدة مرة أخرى.

وأكد العديد من المسؤولين الفيدراليين -منهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول- ضرورة إجراء هذا التغيير في السياسة النقدية في اجتماع 29-30 يناير الماضي.

وقال التقرير النقدي: «شهية المشاركين في السوق المالية للمخاطرة تدهورت تدهورًا ملحوظًا في الربع الأخير من العام الماضي وسط مخاوف المستثمرين من مخاطر الهبوط بتوقعات النمو وتزايد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وكندا والصين».

وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد رفع أسعار الفائدة أربع مرات في عام 2018، وأعلن في ديسمبر الماضي أنه يتوقع رفع معدلات الفائدة مرتين أخريين في عام 2019.

مرحلة «جولديلوكس»
ولا تزال أمريكا في حالة من التذبذب غير العادي في تبني سياسة نقدية واضحة المعالم من قبل قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي؛ ففي منتصف ديسمبر الماضي، اقترحت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، رفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس. وبحلول نهاية يناير الماضي، حذفت اللجنة توجيهاتها بشأن زيادة سعر الفائدة.

وعادةً، لا يحدث هذا التحول في الأداء إلا أثناء بداية الركود. ومع ذلك، تعمل الأسواق الأمريكية على افتراض أن مخاطر الركود لا تزال منخفضة جدًّا، مع احتمال عودة النمو إلى الاتجاه.

وكثيرًا ما توصف هذه المرحلة من الدورة بأنها منطقة «جولديلوكس»؛ حيث النمو ليس جيد جدًّا وليس شديد السوء. وفي هذه المرحلة، قد تكون الأخبار السيئة عن النمو أخبارًا جيدة للأسواق، في ظل حالة الركود التي يواجهها الاقتصاد العالمي.

والوجود داخل هذه المنطقة يمكن أن يدوم عدة سنوات. ولكن البيانات تحتاج إلى مراقبة دقيقة، لا سيما في حين أن الوضع في العديد من الاقتصادات الكبرى لا يزال مُتدهورًا. وهنا يُمكن أن تحدث انتكاسة النمو من جانب أو أكثر من العوامل السلبية التي يتأثر بها الاقتصاد في الوقت الراهن وهي: الركود، وعدم الاستقرار المالي أو التضخم.
 

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa