خيمة الضرار

خيمة الضرار

الحديث عن تسريبات خيمة القذافي والتسجيلات التي انتشرت عن لقاءاته ببعض رموز الإخوانجية، يدعونا للعودة إلى الظروف التي سُجِّلت فيها هذه المحادثات؛ حيث كانت هناك خطة لخلافة سيف الإسلام لوالده وإيصاله للحكم في ليبيا.

والخطة تتمحور في أساسها على التقارب مع ما يسمى بجماعات الإسلام السياسي واستخدامها كوسيلةٍ لتلميع صورة سيف الإسلام، وبخاصَّة أنَّ اسمه مناسب لمثل هذه التوجهات. طبعًا الاسم لم يكن سببًا لهذه الخطة، وهذه الإضافة من عندي.

الأب وبخبرته السياسيّة كان معارضًا لهذا التوجه وخصوصًا بعد (هوشاته) الدامية مع هذه التيارات ويعرف كثيرًا من خباياها. أما الابن المراهق فكان متحمسًا ويعتبر أن الأب (دقة قديمة) ولا يعرف نبض الشارع وتوجهات جيل الشباب التي يمثلها حسب الخطة هذا الفارس المغوار سيف الإسلام، وناصر الدين، والمعتز بالله، وحامي الإسلام.

ولا نحتاج إلى كثير من الذكاء حتى نقول: إن قيادات (الإخوانج) التقطت هذه الإشارات بمكرها المعهود، وهي جاهزة دائمًا وأبدًا (حسب الأوردر). ولذلك، قابلت الجماعة هذا الغزل القذافي الفاحش، بغزل (إخوانجي عفيف) على أسس وضوابط حسن البنا وسيد قطب.

وبدأت الوفود تنهال من كل حدب وصوب، وهب (الإخوانج) إلى النفير، فبعضهم استلّ قلمه ومشلحه ودفتر شيكاته، والبعض الآخر لم يتمكن حتى من تطيب مشلحه وكي شماغه، وتوجه الجميع على وجه السرعة إلى مطار طرابلس: أرض الميعاد، والجهاد المقدس، ومقر القذافي (قدس شوشته)، وعرين سيف الإسلام (الخليفة المنتظر)، وخيمة (الأربعين حرامي)، وهذا الوصف الأخير لا يهم حسب المصلحة السياسية. وتحولت طرابلس إلى سوق للمزايدات السياسية، والشعارات الدينية، والتبرعات غير الخيرية، ويوجد أيضًا كشك لجمع الزكاة والصدقة وخدمات أخرى لتجار الدين والمتسوقين (واللي ما يشتري يتفرج).

وبخصوص خليفة الغفلة وفارس الإخوانجية فإنه تخيل نفسه بسبب كثرة المديح (في وجهه) والخطب العصماء التي ترن (في صلعته)، بأنه سيصبح الخليفة السادس عشر من الخلفاء الراشدين. يذكرني ذلك بحاكم خليجي (متقاعد ومحال على المعاش) ومازال يحلم.

نكمل قصة الابن المراهق الذي دخل، تحت وطأة أحلام اليقظة، ودون أن يشعر، إلى عش الدبابير رغم تحذيرات والده المتكررة، ونشوب خلاف بين الأب وابنه حول هذه المخططات وخطورة هذه الجماعات، وتحدث عن هذا الخلاف بعض من عاشر تلك الظروف، ولكن الأمور انتهت إلى تساهل الأب ودعمه ابنه، تعرفون الأبناء، ودلع الأبناء (الله يصلحهم).

ولكن الأب ظل حذرًا، وكان أذكى من كل هذه المظاهر الخدَّاعة، وبدأ يأخذ احتياطاته وكل شخص يأتي لزيارة ابنه كان يستضيفه في الخيمة الشهيرة ويقوم بتسجيل المقابلات كعادته، وهذا الأرشيف الأسود يعتبر الشيء الوحيد الذي يحسب للقذافي (سود الله وجهه). والذي تسرب الآن وسمعه الجميع ما هو إلا جزء يسير من أرشيف الخيانة الذي أراد القذافي أن يؤمن به نفسه وابنه من خطر هذه الجماعة المتلونة، وهي التي لا يثق بها أحد سوى ابنه المراهق ومراهق آخر (خليجي) يسير في نفس الاتجاه، أصلحهم الله جميعًا.

ومن الجدير بالذكر، أنَّ الخطة كانت تحبو بشكل جيد ومطار طرابلس (يخزي العين) أصبح ينافس مطار الدوحة: استقبل وودع، هذا مشلح طاير وهذا مشلح هابط. ومع كل زيارة يزداد الابن انغماسًا في أحلام اليقظة ويتخيل نفسه وهو على كرسي الحكم ومشايخ الإخوانج الأوفياء من حوله (يصلون على طرف ثوبه) من شدة الإعجاب. ولم يعكر أحلام الابن، إلا أحداث تونس والبوعزيزي (المقرود) الذي (لخبط) معمر، وابن معمر، وجيران معمر، وهدّم كل ما تعمر.

الخليفة المنتظر استغاث بأصدقائه من الإخوانج وطلب منهم التدخل ولو بكليمة مديح (صغنونة يعني) وليس بالضرورة أن يكون المديح (عرمرمًا) كما هو في السابق. يكفي الآن وبسبب هذه الظروف، أي كلمة، ولو جبر خاطر، من أجل تهدئة الجماهير. ولكن القذافي الصغير لا يعرف: أن المستجير (بالإخوانج) عند كربتهِ، كالمستجير من الرمضاء بالنارِ .

ولا يعرف أيضًا، أنّ هذه الجماعة هي أشطر من يركب الموجه، ويتشمَّمون الفرص السياسية من مسافات بعيدة مثل حيوانات الجمارك عندما تبحث عن المخدرات كي تسكن المها وشغفها على الحكم. هذه الحيوانات السياسية وجدت أن مصلحتها في شنطة الثورة ولذلك باعوا الخليفة على الرصيف وحملوا الشنطة وركبوا السفينة.

وليتهم تركوا الخليفة في حاله كي يواجه مصيره المنتظر مع والده المقهور، والشيء بالشيء يذكر، تذكرون كلام معمر عندما كان يصرخ مقهورًا (هذه نهايتها) نعم يا كابتن معمر هذه نهايتها، وماذا تتوقع غير ذلك أنت وابنك الأصلع. ولكن صدق معمر من ناحية الخيانة التعيسة التي واجهها هو ابنه على يد الإخوانج لأن من أضعف الوفاء أن يتركوه وابنه بدون تجريح، وذلك لما كان بينهم من ود ووئام، وعيش وملح، وحليب نياق بالخيمة.

الذي حصل على العكس من ذلك تمامًا، رد عليه أحدهم بعد أن اتصل به سيف الإسلام مستغيثًا، الحقني يا شيخ ! ولكن فضيلته رد على المكالمة بهذه الكلمة: (خسئت) !! أي والله بهذه الكلمة على حد وصف الشيخ نفسه، ولا نعلم صدقه من كذبه. وبغض النظر عن صدق راويته، تخيلوا معي (خشة) سيف الإسلام وهذه الكلمة تنزل عليه مثل الصاعقة. أبلغ وصف لحالة سيف الاسلام هي قول الشاعر: عزي لمن جاله ورى (الإخوانج) حاجة ،، يا عنك ما حده زمانه على خير .

ليس هذا فقط، بل إن هذا الشيخ وهو للأسف (من بلدياتي) لم يكتفِ بالرد عليه من خلال الهاتف، بل نفض مشلحهُ غاضبًا وألقى خطبة بتراء وتصريحات نارية يتبرأ بها من صديقه القديم وهذه هي عادتهم، وأخذ يتفاخر ويتباهى برده (خسئت) على صديق الأمس. وأخذ يعدد بطولاته الوهمية في الرد على القذافي. وهو في الحقيقة مجرّد (...) وهذه التصريحات تثبت ذلك أكثر. وعلى قولة البدو: (إذا طاح الجمل كثرة سكاكينه).

لهذا السبب، أتوقع أن التسريبات الأخيرة، وبعد مرور عشر سنوات تقريبًا، سيكتشف أن من وقف خلفها هو سيف الإسلام القذافي وذلك من باب الانتقام من جماعة الفتنة ومشالح المكر والخيانة. وهذا مجرد توقع، ولكن لا يهم من يقف خلف هذه التسريبات، المهم هو ظهور حقيقة هؤلاء وخطورة التعامل مع عش الدبابير (جماعة الاخوان السياسيين).

وهذه نصيحة موجهة للمراهق الآخر وشلته (أصلحهم الله) ألا تعتبروا من كل ما يدور حولكم من عبر وأحداث، أما زِلْتم على غيِّكم في الوثوق بعش الدبابير. وبالمناسبة، إذا تخلت عنكم هذه الجماعة وباقي شلة حسب الله، وهذا هو المؤكد وليس المتوقع. فلسنا بحاجة إلى تسريباتكم مستقبلًا. فنحن نعرفهم دون تسريبات.

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa