الاكتئاب المكتئب!

الاكتئاب المكتئب!

يقول النبي محمد –صلى الله عليه وسلم–: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

فلنلقِ نظرة على التشبيه البلاغي الذي يصف تأثر كامل الجسد حين يشتكي منه عضو واحد متألم، ولنتخيل حال الجسد حين تشتكي فيه الروح من الألم والخوف معًا.

الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية أشد فتكًا بالإنسان من بعض الأمراض العضوية التي يستشعرها المرء، ويضع يده عليها ويشير إليها ويصف ألمها. 

أما الاضطرابات النفسية والعقلية فهي الألم الذي لا يوصف، والمصيبة التي تخطف الحياة من الروح.

وهذا الأمر ليس بالجديد على الإنسان؛ فالاضطرابات النفسية والعقلية توجد بوجود الإنسان، وما دامت الروح لم تفارق البدن، فإن الإنسان سيعيش تجربة الاضطراب النفسي –من حزن أو همٍ أو خوف– على الأقل مرة واحدة في حياته.

ومع ذلك، تظل لدى الشعوب عامةً، وخاصةً العربية منها، مشكلة طلب العلاج النفسي والحصول عليه. فالمصاب باضطراب نفسي أو عقلي يجابه ما لا يُعَد ولا يحصى من العقبات التي يجب أن يتجاوزها كي يطالب أخيرًا بعلاج مناسب. 

أولى تلك العقبات هي البرمجة الاجتماعية التي تربينا عليها، وهي ثقافة العار من التصاق وصمة الجنون بكل من يبادر أو يفكر في علاج روحه ونفسه المنهكة. وقد يجد من يعاني أنه سيضطر إلى إقناع أقرب الناس إليه في منزله بالموافقة على السماح له بطلب العلاج الصحيح عن طريق المعالج النفسي المختص.

وما إن يجد هذه الفرصة السانحة له، حتى يفاجأ بأنه يبحث عن عيادة نفسية جيدة من بين القليل المتوافر في المدينة الواحدة. فإن كان ذا مال، فحظه بزيارة طبيب في عيادة خاصة هو الأوفر، لكنه يواجه ما يواجه من غلاء في سعر الكشف ثم سعر دواء أو اثنين أو ثلاثة يشتريها كل شهر لمدة لا تقل عن ستة أشهر. وهذا الوضع يحتاج ميزانية مالية خاصة.

وإن لم يكن ذا حظ وفير ومال كثير، فسيضطر إلى زيارة طبيب نفسي في مستشفى حكومي ويقابل طبيبًا منهكًا من كثرة المراجعين، وقد يكتب له –كما يكتب للجميع– مضادًّا الاكتئاب، أو يكتفي «بشراء دماغه» ويخبره أنه لا علاج له، وسيظل على حالته هذه طوال عمره.

وهنا يصاب الاكتئاب بالاكتئاب، ويعود الحزين إلى منزله حاملًا همًّا فاق همه الذي خرج يعالجه؛ فهل من وقفة جدية لتصحيح وضع العلاج النفسي وجعله أولوية لنضمن جودة حياة صحية تبدأ بالنفس وتنتهي بالبدن؟!

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa