أكَّد مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله بن يحيى المعلمي، أنَّ بلاده اعتمدت نهجًا شموليًا لا يقتصر على الإجراءات التقليدية للتصدي للإرهاب ومكافحته، بل يمتدّ هذا النهج ليعالج أيضًا القضايا المتعلقة بالمجال السيبراني، من خلال الاستعانة بهيئات حكومية رائدة ومراكز عالمية مهمة تؤدّي أدوارًا حيوية في المراقبة والكشف والمكافحة، وأيضًا تفنيد الفكر المتطرف ونشر مبادئ التسامح والاعتدال والسعي لتوطيد قيم السلام والوئام.
وأعرب السفير المعلمي، في كلمة المملكة خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة للمناقشة حول "التصدي لتحديات مكافحة الإرهاب الجديدة والمتطورة خلال العقد الجديد"، عن سعادته بالمشاركة في هذه المناقشة الهامة التي تتناول أحد التهديدات المحدقة التي تواجه العالم بأسره، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى الوتيرة المتسارعة للتطورات التكنولوجية والرقمية التي يشهدها عالمنا اليوم، فقد بات من الضروري التصدي للتحديات الناجمة عن إساءة استخدام هذه التكنولوجيا من قبل الإرهابيين.
وأشار إلى أنَّ هذا التهديد ازداد واتَّسعت دائرته خلال جائحة كوفيد-19 التي فرضت على العالم الانخراط أكثر في العالم الافتراضي، ما جعل العديد من المجتمعات في جميع أنحاء العالم، عرضة للتحريض على الكراهية والتجنيد والتمويل وارتكاب الأعمال الإرهابية، سواء من قبل الجماعات الإرهابية أو حتى الذئاب المنفردة التي تستلهم العنف من أيديولوجيات متطرفة.
وشدَّد على أنه من المهم استكشاف أفضل الممارسات والمناهج، وكذلك تبادل المعلومات من أجل مواجهة التحديات والتهديدات الناشئة التي لا يمكن التصدي لها دون التعاون على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، مشيرًا إلى أن الهيئات الحكومية الرائدة والمراكز العالمية التي استعانت بها المملكة تشمل على سبيل المثال لا الحصر الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، ومركز الحرب الأيديولوجية (Feker) والمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال).
وقال: واصلت المملكة، وبرغم جائحة كوفيد-19، التعاون والتنسيق على المستوى الوطني بين الحكومة والقطاع الخاص وكذلك هيئات المجتمع المدني، بل امتدَّ التعاون ليشمل الصعيد الدولي لفهم التهديدات والتحديات التي تطرحها المنظمات الإرهابية وتحليلها ووضع إستراتيجيات لها.
وأفاد أنَّ المملكة وضعت مجموعة من القوانين والسياسات والبرامج والمبادرات المختلفة والمتنوعة التي تصب جميعها في مكافحة الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة التي تفضي إلى الإرهاب عبر الإنترنت، بهدف مواجهة جميع أشكال التحريض والتجنيد والتمويل أو حتى محاولة تمجيد الأعمال الإرهابية أو الدفاع عنها.
وأضاف قائلًا: لطالما أبدت المملكة التزامها المستمر بمكافحة الإرهاب من خلال التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة، بحيث تعد المملكة أكبر مساهم في مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب منذ إنشائه، وهي تترأس مجلسه الاستشاري، وتدعم سعي المركز للتميز في دوره كأحد بيوت الخبرة من خلال دعم بناء قدرات الدول الأعضاء في تدابيرها لتنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.
وأبان معاليه، أنَّه بنفس روح تعزيز التعاون الدولي، وقع المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) هذا العام مذكرة تفاهم مع مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بغية إطلاق مشاريع وبرامج مشتركة وكذلك تنظيم أنشطة في مجال منع ومكافحة الإرهاب والمساعدة في تنفيذ الركائز الأربع لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب وخطة العمل العالمية للأمم المتحدة لمنع التطرف العنيف.
وجدَّد التأكيد على أن التنوع الديني والثقافي بين المجتمعات والأفراد يجب ألا يغذي الانقسامات، مشددًا على ضرورة تعزيز الحوار بين الأديان من أجل الوصول إلى السلم والأمن الدوليين، مشيرًا إلى أن أفضل طريقة لمواجهة الإرهاب ورسائل الكراهية والعنف المصاحبة له هي عبر نشر قيم السلام والمحبة والدعوة للتعايش بين الأديان والمعتقدات المختلفة.
وأردف المعلمي يقول: في هذا الإطار، تعهدت المملكة بدعم تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ويأتي ذلك انطلاقًا من إيمان المملكة القوي بالدور المهم للأمم المتحدة في تكريس ثقافة السلام والتسامح، مبينًا أن المملكة تعتبر أيضًا داعمًا فعالًا لخطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية من خلال طرح توصيات ملموسة لدعم الدول الأعضاء في جهودها لضمان سلامة المواقع الدينية، وممارسة المؤمنين لطقوسهم في سلام، فضلًا عن تعزيز قيم التعاطف والتسامح على الصعيد العالمي.
ومضى يقول: تدرك المملكة أهمية إعلان برنامج ثقافة السلام والذي يعتبر بمثابة تفويض للمجتمع الدولي، ذلك أن مثل هذه البرامج والمبادرات التي تروّج لثقافة السلام تتماشى مع المقاصد والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبخاصة الحق في حرية الفكر والمعتقد والدين والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وشدَّد السفير المعلمي في ختام الكلمة، على أنَّ المملكة العربية السعودية أخذت زمام المبادرة في إطلاق القرار 75/258 بتاريخ 21 يناير 2021 الخاص بثقافة السلام والتسامح، مشيرًا إلى أنَّ التعاون في محاربة الإرهاب يدفع المملكة لمشاركة تجربتها الثرية في هذا المجال وتبادل أفضل الممارسات في مواجهة التحديات المتسارعة.