أكد العالم الفرنسي المتخصص في علم الآثار الدكتور جيروم رومر، أن المنطقة الشرقية بالمملكة كانت عبر العصور القديمة مركزًا تجاريًا وثقافيًا، وموطنًا للحضارات والممالك التجارية القوية والمتطورة.
وقال د. جيروم رومر: «في العصور القديمة، تمامًا مثل اليوم، كانت شرقي الجزيرة العربية مركزًا تجاريًا وثقافيًا، وتقع على مفترق طرق الحضارات العظيمة في ذلك الوقت، جنوبي الجزيرة العربية وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين والهند، واستضافت مدنها القوافل الغنية والممالك التجارية القوية».
وأفاد رئيس البعثة السعودية الفرنسية للتنقيب الأثري في موقع ثاج بالمنطقة الشرقية بأن موقع ثاج الأثري يقع على بعد 90 كم غربي مدينة الجبيل ويتميز ببقايا مدينة قديمة واسعة بشكل استثنائي.
وأوضح أن مشروع التنقيب في موقع ثاج الأثري أظهر أن ثاج كانت مركزًا حضريًا رئيسًا في القرون الأخيرة قبل الميلاد والقرون الأولى بعد الميلاد.
وذكر أن التنقيب عن هذه المدينة يلقي الضوء على فصل جديد من تاريخ الجزيرة العربية، مشيرًا إلى أن المواسم الثلاثة للتنقيب في الموقع من 2016 حتى 2018 كشفت أن ثاج تعد الموقع الوحيد الذي يعد مدينة على الساحل الشرقي في الجزيرة العربية وأحد الممالك العربية في فترة ما قبل الإسلام.
وتشير المعلومات التاريخية والأثرية إلى أن الاستيطان في منطقة ثاج يعود إلى العصور الحجرية، وازدهر الاستيطان في ثاج خلال الفترة الهللنستية التي تمتد من ظهور الإسكندر الأكبر في الشرق عام 332ق.م تقريبًا، وحتى القرن الأول الميلادي، واستمر الاستيطان خلال الفترة البارثية المتأخرة والساسانية التي تمتد من القرن الأول الميلادي تقريبًا وحتى القضاء على الدولة الساسانية عام 640 ميلادي.
تقع المدينة داخل سور بطول 2535 مترًا وعرض المتبقي من هذا السور يصل إلى مترين و30 سم. ويقع داخل هذا السور ما يُسمى بـ «التلال السكنية» يفصل بينها ممرّات يتراوح عرضها بين الخمسة والستة أمتار. وقد كشفت الحفريات التي أجريت في الموقع الأثري عن أقدم فرن للفخار في المنطقة الشرقية، كما كشف عن طفلة بكامل مرافقاتها الجنائزية تعود إلى القرن الأول الميلادي.
يشار إلى أن البعثة السعودية الفرنسية المشتركة للتنقيب في موقع ثاج نفذت خلال ثلاثة مواسم من التنقيب في الموقع العديد من الأعمال ومنها: مسح المنطقة الأثرية والمنطقة المجاورة بالإضافة إلى التنقيب داخل المنطقة الأثرية تم خلالها تسجيل وحصر عدد من المواقع الأثرية والكتابات والرسومات والنقوش الحسائية، والمسح والتنقيب في عدد من المدافن والتلال المحيطة بموقع ثاج، إضافة إلى تنفيذ مسح جيولوجي للموقع والتضاريس المحيطة به جمع خلاله عيّنات لبعض الصخور والتربة من السبخة الشمالية ودراسة منسوب ومكونات المياه بالآبار، وأيضًا تم فتح مجسات اختبارية بطرف السبخة الشمالية لثاج ووسطها لدراسة الترسبات التراكمية للسبخة.
كما شملت أعمال التنقيب في موقع ثاج الأثري منطقتين: الأولى على السور الجنوبي للمدينة الأثرية والبالغ عرضه 4 أمتار، حيث كشف عن بوابة ترتبط ببعض التفاصيل المعمارية، أما المنطقة الأخرى فكانت جنوبي سور المدينة؛ اكتشف فيها العديد من الوحدات المعمارية التي ضمّت إحداها فرنًا ربما استخدم لإنتاج الفخار.