"العلا" .. حلم علماء الآثار الذي شهد على امبراطورية روما وتحول الخط النبطي إلى العربية

حجر زاوية في خطط دعم السياحة بالمملكة
"العلا" .. حلم علماء الآثار الذي شهد على امبراطورية روما وتحول الخط النبطي إلى العربية

"العلا".. اسمٌ على مسمى؛ فهي أرض سعودية شكّلت ملتقى للحضارات، وحملت تاريخًا ثقافيًّا وحضاريًا، جعلتها محط أنظار الملايين ليس فقط في المملكة بل حول العالم أيضًا.

تعد "العلا" من أهم مواقع التراث الثقافي والحضاري عبر التاريخ في المملكة، وتحوي آثارًا عظيمة، بعضها ظاهر والآخر مدفون تحت الأرض، وفيها آثار موغلة في القِدَم كآثار قوم ثمود ومدائن صالح والحجر، وهي محافظة سياحية متكاملة، وتتطلع قيادات المملكة من خلال الاهتمام بها جعلها أهم مزار في الشرق الأوسط، حيث تستهدف استقبال أكثر من مليون سائح من داخل المملكة وخارجها.

وأصبحت العلا إحدى الوجهات السياحية الجديدة التي سلطت عليها الأضواء خلال السنوات الأخيرة، تجلّت عندما تمّ الكشف عن وصول حدود الحضارة الرومانية إليها، لتثبت هذه الأرض السعودية أنها كانت وبحق ملتقى الحضارات.

تحتوي المحافظة على إرث تاريخي عظيم وطبيعة جبلية ساحرة وطقس مثالي خاصةً في فصل الشتاء، كما تحتضن وادي القرى؛ وهو وادٍ خصب يجري في منتصف المحافظة، التي تقع على بعد 300 كيلومتر إلى الشمال من المدينة المنورة؛ يجتمع بين ثنايا دروبها تراث أصيل وعراقة تاريخية لا مثيل لها.

"لم يكن هناك أحد".. هذا ما قالته ليلى نيهمي، الباحثة البارزة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، في حديثها عن العمل في الموقع قبل 16 عامًا، لكنّها أضافت: "الموقع ينمو.. إنّه حلم لعلم الآثار".

وعلى مدى تلك الفترة (الـ16 سنة)، أثبتت ليلى ومساعدوها من علماء الآثار أن هذه المنطقة كانت أعلى نقطة استيطانية في أقصى الجنوب في الإمبراطورية الرومانية، ما وسّع حدود الإمبراطورية بنحو 320 كيلومترًا، من خلال دراسة 150 نقشًا في المنطقة؛ يرجع تاريخها إلى القرن الثالث، ووجدوا دليلًا على تحوّل الخط النبطي إلى العربية.

تاريخيًّا، لعبت "العلا" دورًا كبيرًا كملتقى للحضارات والثقافات، وكانت محطة مهمة على طرق التجارة العالمية بداية من القرن الأول قبل الميلاد، حيث على طريق التجارة القديم "طريق البخور" الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية بشمالها وبالحضارات التاريخية المجاورة في كل من مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين، وكانت مدنها وواحاتها؛ بمثابة محطات عالمية للتبادل التجاري لمختلف السلع.

أشهر معالم الجذب هي المقبرة النبطية مدائن صالح، وهي محافظة شقيقة لمدينة البتراء في المملكة الأردنية الهاشمية، وتتكون من أكثر من 130 مقبرة ذات واجهات أعمدة محفورة في الصخر.

كما تحتوي المنطقة المحيطة بمدن صالح على مقابر العصر البرونزي أو العاصمة القديمة "ديدان"، وهي دليل على الموقع الأمامي الجنوبي للإمبراطورية الرومانية.

وقال أحمد الإمام، وهو مرشد سياحي من "العلا" الذي عاشت عائلته أجيالًا في المنطقة؛ التي هي مكان غني بالثقافة: "كنا نعلم دائمًا أن لدينا موقعًا تاريخيًّا مهمًا.. لكن لا أحد يعرف عنّا.. نأمل في المزيد من الفرص".

واتساقًا مع أهمية هذا الموقع، أصدر خادم الحرمين الشريفين، العام الماضي، أمرًا ملكيًّا بإنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وشكّلها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وضمّت ستة أعضاء ومحافظًا ورئيسًا لمجلس الإدارة.

وكان الهدف من إنشاء الهيئة الملكية بأمر ملكي، أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تسريع المشروعات وإنهائها في الوقت المحدد، والتغلب على أية إجراءات إدارية، والاستفادة من المحافظة اقتصاديًّا وسياحيًّا واستغلال الموارد الموجودة في المحافظة؛ تماشيًا مع رؤية 2030.

وتحظى "العلا" باهتمام خاص من قبل سمو ولي العهد، الذي يحرص على تطوير المواقع التاريخية والتراثية والسياحية بالمملكة للحفاظ عليها؛ لتقديم خدمات مميزة بها.

كما أن المشروعات الجديدة التي وافق عليها سمو ولي العهد؛ ومنها مشروعا البحر الأحمر ونيوم، تسمح باستكشاف موقع العلا ومدائن صالح التاريخية.

وذهابًا وإيابًا، ينتقل المهندس عمرو مدني، رئيس الهيئة الملكية للمحافظة، وهو الداعم بلا كلل للعلا، عدة مرات في الشهر مع كتيبة من المساعدين والمطورين، وأول الزائرين الذين يأمل في جذبهم، هم المواطنون السعوديون والمغتربون المقيمون والزائرون العرب. 

وموقع محافظة العلا الاستراتيجي وطبيعة مكانها، هو سبب الأمر الملكي في إنشاء الهيئة؛ وذلك لوجود جدوى اقتصادية وتسويقية لخدمات المشروع في المحافظة، ما يعتبر توجهًا لتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط من خلال استغلال السياحة والاستثمار فيها.

ويجري التخطيط لمنتجعات يتلقى المقيمون فيها تدريبًا للعمل مع السياح، وتقوم فرقٌ من علماء الآثار والباحثين بإجراء مسوحات للمواقع التاريخية والميزات البيئية، على مساحة تُقدر بنحو 23300 كيلومتر مربع، هذا بالإضافة إلى مهرجان شتاء طنطورة الذي انطلق في المحافظة؛ بدءًا من 20 ديسمبر الماضي ويستمر حتى التاسع من فبراير المقبل.

ويضيف مدني رئيس الهيئة: "يمكن أن نكون متحمسين للتراث والطبيعة، لكن الصفقة الحقيقية هي التنويع الاقتصادي، ومن الممكن أن تنتج المنطقة التمر أو الزيوت النباتية الطبيعية"، لافتًا إلى أن الحكومة تقدم منحًا دراسية لأكثر من 160 طالبًا؛ لدراسة السياحة والضيافة في محاولة لخلق وظائف محلية.

كما صرحت ربيكا فوت، مديرة عام الآثار والمحافظة على التراث الثقافي في الهيئة: "في العلا، نتشجع بما نجد.. أريد أن أعرف كل شيء عن فترة في مكان ما، وأن أحصل على الموارد والدعم من أجل القيام بذلك على هذا النطاق، أعتقد أنّ ذلك لا مثيل له".

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa