عمرة العمر

عمرة العمر

«لا أريد العودة إلى فرنسا.. أريد أن أبقى معكم بالقرب من مكة والمدينة.. هذه أول عمرة لي منذ أن أسلمت، قضيت فيها أجمل أيام حياتي».. بهذه الكلمات وقف المسلم الفرنسي باسكال، الذي جاء إلى السعودية لأداء مناسك العمرة لأول مرة في حياته.. وقف متحدّثًا شارقًا بدمعه، متوقّفًا تارّة ومواصلًا حديثه تارة أخرى من كثرة البكاء وهو بكامل هيئته السعودية؛ حيث أصرّ أن يتوشّح بعلم المملكة، وأن يرتدي الثوب والشماغ والعقال، بينما ساد بين الحضور الصمت وأزيز البكاء.. ولوعة الفراق. لقد أمضى باسكال وصحبه أسبوعين كاملين في برنامج "عمرة العالم" الذي تقيمه مؤسسة المهيدب لخدمة المجتمع، واختتم أعماله يوم أمس الإثنين 30/12/201‪  بجدة، ويسر الله لي حضور حفله الختاميّ، فأذهلني حجم الإنجاز، علاوة على ما أذهلني به "الفرنسي" باسكال.

حقيقة، تفاجأت بأن عمر البرنامج عشر سنوات، ويقام هذا العام بمشاركة ١٢٣ مسلمًا جديدًا من ٣٣ دولة، وتحت إشراف وزارة الحج والعمرة، ويتم تنفيذه برعاية وتمويل من مؤسسة المهيدب لخدمة المجتمع، والتي غمرنا رئيسها الشيخ عماد بن عبدالقادر المهيدب بتواضعه الجمّ ومشاعره النبيلة، التي جعلته قريبًا من الجميع، خصوصًا المسلمين الجدد. بينما شارك في الحفل ممثلون عن وزارة الحج والعمرة، ومؤسسة ''حياة جميل"، التابعة لمجموعة عبداللطيف جميل، والأمين العامّ لمؤسسة عبدالقادر المهيدب الخيرية م. أحمد بن صالح الرماح، والذي كان يشرف بنفسه على جميع تفاصيل البرنامج.. وعدد من الوجّهاء والمهتمّين.

وقد ازداد إعجابي وأنا أتابع نماذج من القصص الملهمة للمسلمين الجدد، ممن قدِموا من شتى بقاع العالم لأداء مناسك العمرة وقضاء أجمل أيام العمر، ضمن برنامج إثرائي تعرفوا من خلاله على أبرز معالم المملكة وأخلاق أهلها وكرمهم، وجهود الدولة السعودية المباركة في خدمة الإسلام والمسلمين.
 
والحق أنه يطيب لي أن أصف هذا البرنامج بـ"الرائد"، فكم فيه من دروس يأتي على رأسها درس "الهداية" إلى طريق الإسلام، وقد قال عنه أحد المشاركين -وهو مسلم أمريكي سابق أطلق على نفسه اسم ''سامي الجداوي"- قال: كنت قسًّا مسيحيًّا، وكانت لديّ خطط كثيرة في أمريكا، ولكن خطتي في جدة مع الله أعظم؛ حيث تركت منصبي كأمين للبلدية هناك وبقيت في جدة بالقرب من الحرم المكي الشريف لمساعدة الناس على الهداية.

 

كان الحضور من دول أمريكا وروسيا وأوروبا وإفريقيا وشرق آسيا، يتحدثون عن الإسلام بفرح وفخر واعتزاز قلّ أن أجد له مثيلًا بيننا، فخرٌ تشعر معه بالخجل إزاء تقصيرك وقِلة تعظيمك أحيانًا لشعائر هذا الدين العظيم.

ومن بين تلك الدروس أيضًا درس "النفي والإثبات"؛ حيث غالبًا ما تكون بداية كل مسلم جديد بنفي حقائق الإسلام، ثم إثبات عكس ذلك، لينتهي به المطاف إلى "التحول العظيم" في حياته، ولينتقل بعدها من حياة التيه والظلام إلى حياة الإسلام والطمأنينة ونور الإيمان وكوثره العذب الذي يغسل الله به فؤاده، فتراه معظّمًا لدين الله {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج/32.
في هذا التجمّع الجميل في جدة، أخذتني الغبطة حين رأيت أعين أولئك الجدد تتلألأ فرحًا بالإسلام الذي أنعم الله به علينا، فألفناه أنا وأولادي، واستيقظ تعظيمه في قلبي حين رأيت هؤلاء "الجدد".

دروس وقصص أتمنى من القائمين على البرنامج أن يقوموا بتوثيقها بعدة لغات عبر منصة إلكترونية واحدة وكتاب صغير يحمل تلك القبسات المضيئة لكل العالمين.

أخيرًا.. كل الشكر لمجموعة المهيدب التي أكملت هذا العام تحقيق حلم أكثر من ١٠٠٠ مسلم جديد حول العالم بأداء مناسك العمرة وزيارة المدينة المنورة، ضمن برنامج إبداعيّ ثريّ حافل بزيارة عديد من المواقع والمعالم السعودية.. والشكر موصول لرئاسة شؤون الحرمين الشريفين ومطار الملك عبدالعزيز وهيئة تطوير جدة التاريخية.

وأخيرًا أدعو الإخوة بمكتب تحقيق الرؤية بوزارة الحج والعمرة إلى النظر بإضافة هذا البرنامج بامتياز إلى برامج التحول الوطني ورؤية المملكة ٢٠٣٠ استثمارًا لهذه الفعالية القيمة وتطويرها لإيصال رسالة المملكة والإسلام المعتدل الذي تحمله إلى العالم أجمع.

أسأل الله أن يجعلني وذريتي سببًا في دخول الناس إلى دينه أفواجًا.. 
اللهم اشرح صدورنا للإسلام وثبّتنا على دينك.

خالد الحسينان
كاتب وإعلاميّ
عضو مجلس إدارة صحيفة عاجل

 

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa