أعاد الرئيس التركي، رجب أردوغان اللعب بملف «الحماية المؤقتة»، المعروفة بـ«كيمليك»، وهو تصريح تمنحه السلطات التركية لمواطني البلدان التي تعاني من الحروب أو الكوارث الطبيعية، وبدون التصريح المذكور، يتعرض آلاف اللاجئين السوريين لأهوال، بعلم الحكومة التركية نفسها، حيث يتم إيقافهم واعتقالهم، ويطلب منهم التوقيع على أوراق يتم بموجبها إعادتهم تباعًا إلى مناطق القتال الحالية في شمال غربي سوريا.
وتسارعت التحركات التركية التى يقودها وزير الداخلية، سليمان صويلو، ومدير جهاز الاستخبارات، هاكان فيدان، لتحويل عدد كبير من السوريين الموجودين على الأراضي التركية، إلى مرتزقة يقاتلون لصالح أردوغان في «المنطقة الآمنة»، التى يخطط من خلالها في احتلال مساحة بعمق 40 كيلومترًا داخل الحدود السورية.
وكشف القيادي المقرب من أردوغان، مليح كوكجك، عن المخطط الذى تتبناه الحكومة التركية، عبر تسليحهم وإعادتهم إلى سوريا مجددًا، مشيرًا إلى أن المخطط يستهدف الشباب السوري، الأقل من 35 عامًا، قائلًا: «لا ينبغي أن نحارب لأجلهم بينما هم يجلسون على المقاهي والشواطئ في بلادنا».
وقالت منظمات دولية، تتصدرها «هيومان رايتس ووتش»، إن «تركيا تزعم مساعدة السوريين على العودة إلى بلادهم طواعية، لكن خلال مدة سجنهم يتم إجبارهم على توقيع نماذج العودة، ثم إلقائهم في منطقة حرب، وهذا ليس أمرًا طوعيًّا أو قانونيًّا...»، ويتعامل أردوغان وحكومته مع اللاجئين السوريين الذين توافدوا على تركيا منذ عام 2011، بموجب وضع «الحماية المؤقتة»، لكنها لا تطبق هذا النظام على أصحاب رؤوس الأموال من السوريين.
وتم منح أصحاب رؤوس الأموال من السوريين «تصاريح إقامة»، ومعظمهم من جماعة الإخوان الذين يتصدر رجال الأعمال الإخوان من أصل سوري على قائمة الأكثر استثمارًا في تركيا عبر تسجيل أكثر من 6500 شركة، تشكل نحو 14% من إجمال رأس المال الأجنبي، بينما تبلغ جملة استثماراتهم نحو 360 مليون دولار في تركيا.
ووفقًا لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، حصل 92 ألفًا و280 شخصًا على الجنسية، أغلبيتهم من جماعة الإخوان، وقد سبقت هذه الخطوة تكليف الوزير بتصفية ملف اللاجئين السوريين، عبر اختلاق عشرات الحجج والمزاعم من خلال وضع عدد كبير منهم على قوائم «الهجرة غير الشرعية.. انتهاك قوانين الدخول.. عدم صلاحية تأشيرة الدخول الممنوحة»، رغم أن الوضع السياسي المتأزم الذى يعيشه حزب العدالة والتنمية، الحاكم، وتراجع شعبية أردوغان على نحو غير مسبوق، تم الاستعانة بنحو 30 ألفًا من السوريين المنتمين لجماعة الإخوان بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، بعد منحهم الجنسية.
وباستثناء الـ500 ألف الذين يقيمون في إسطنبول، والذين يستغلهم أردوغان ورقة ابتزاز في تهديد الحدود الأوروبية، تنتشر معسكرات السوريين -مراكز الإقامة المؤقتة- على أطراف المناطق التركية: «شانلي أورفا، وأضنة، وكلس، وقهرمان مرعش، وهاتاي، وعثمانية، وغازي عنتاب...»، بينما يشكل تنقل اللاجئين السوريين بين المدن مخاطرة كبرى، لاسيما الحاصلين على «بطاقة دخول أولية».
ودخل على خط التوظيف السياسي لملف اللاجئين السوريين، مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، مهاجمًا إياهم، ومؤكدًا أن «عددهم زاد في إسطنبول بشكل كبير، وأنهم يمارسون أعمالهم بشكل عشوائي وهذا أصبح واضحًا للشعب التركي...»، وكأنها كانت كلمة السر في انطلاق عمليات ممنهجة من الاعتداء على محالات وأعمال بعض اللاجئين السوريين في إسطنبول.
«أقطاي»، الذى يستخدمه أردوغان في الترويج للمواقف المشبوهة وتسويق الحملات الإعلامية التى يتم تجهيزها بالدائرة الإعلامية لجهاز المخابرات التركي، استهدف بتصريحاته التحريضية، إلقاء كرة لهب مشتعلة في وجه عمدة إسطنبول عن حزب «الشعب الجمهوري»، أكرم إمام أوغلو، الذي يطالب بـ«حل إنساني»، لأزمة السوريين، يتوافق مع رغبة الأتراك أنفسهم.
وفي سياق سياسة التضييق، أعلن أردوغان، أن حكومته «ستتخذ خطوات جديدة تجاه السوريين في تركيا، تتضمن تشجيعهم على العودة إلى بلادهم، وترحيل مرتكبي الجرائم، وتحميلهم ضريبة العلاج في المستشفيات التركية...»، فيما تعمد وزير الداخلية الإدلاء بتصريحات تلطيفية بعد تسريب مشاهد مأساوية لسوريين معتقلين داخل باصات، بينما أيديهم مقيدة، مع تعرضهم للضرب، بعد إجبارهم على توقيع وثائق بمغادرة البلاد.
وتطرقت صحيفة «الإندبندنت»، البريطانية، لأحوال السوريين في تركيا، بعدما أصبحوا مستهدفين من قبِل النظام التركي الذي خدعهم وأوهمهم بأنه يستضيفهم وأن تركيا بلادهم يستطيعون البقاء بها متى أرادوا، إلا أنه فور انتهاء دورهم قرر ترحيلهم وطردهم، ونقلت عن أحد اللاجئين السوريين: «الوضع جنون.. ماعدا حدا قادر يتحرك.. الجروبات بس عم تحكي عن أماكن الحواجز التركية وتطلب من الناس ما يتحركوا.. عم يضربوا الناس بالشارع ويطلعوهم على الباصات.. اليوم أكثر من أي يوم».
يحدث هذا بالرغم من أن ترحيل اللاجئين السوريين قسريا من تركيا واستخدام العنف معهم، يتعارض مع المعايير الحقوقية الدولية، التي تُلزم الدولة المُضيفة بإتباع القواعد والضوابط الدولية في التعامل مع اللاجئين، وتحديدًا الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 يوليو 1952 والموقعة من 139 دولة، متضمنة مجموعة حقوق أساسية أن تكون المعاملة معادلة للحقوق والحريات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب.
وتكفل الاتفاقية حقوق اللاجئين وترفض ترحيلهم إلى بلدهم في حال كانت الأوضاع تشكل تهديدًا لهم، بينما تنص المادة 33 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، على: «أنه لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية...».