كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن وجود ما يزيد على 20 ألف مقاتل من القوات المرتزقة الأجنبية داخل ليبيا، تقاتل إلى جانب أطراف الصراع المختلفة، وصلت جميعها بمساعدة عديد من الدول على رأسها تركيا وروسيا.
وذكرت الصحيفة، في تحقيق نشرته اليوم الأحد (ترجمته عاجل)، أن آلاف المقاتلين الأجانب في ليبيا ينحدرون من روسيا، مقاتلي «فاجنر»، وسوريا وتشاد وتركيا والسودان، وصلوا جميعًا إلى البلاد عبر رحلات جوية وبحرية.
ومدت كل من روسيا وتركيا جسر جوي مباشر إلى ليبيا لنقل آلاف المقاتلين والأسلحة والعتاد العسكري في مئات الرحلات الجوية؛ ما فاقم الحرب الأهلية المستعرة داخل البلاد منذ ما يقرب من عشر سنوات.
وشملت الأسلحة التي أدخلتها موسكو وأنقرة إلى ليبيا طائرات مقاتلة وطائرات مسيرة بدون طيار مسلحة وصواريخ أرض جو ومركبات مدرعة ومئات الشحنات من الذخيرة، إلى جانب الألغام الأرضية.
ورغم المناشدات الأممية والدولية المتكررة، فإن أطراف الصراع في ليبيا تجاهلت الإطار الزمني الموضوع لإخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا؛ ما يمثل تهديدًا جديدًا للسلطة التنفيذية المختارة من قبل أعضاء منتدى الحوار السياسي في جنيف.
تدخل يفوق التصورات
ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي، لم تذكر اسمه، أن «التدخل الأجنبي في ليبيا الآن يفوق كل التصورات. أصبح الليبيون أنفسهم يدركون جيدًا الخطر الوجودي الذي يمثله ذلك. ويحاولون التصرف قبل فوات الأوان».
وتعد روسيا وتركيا، حسب الصحيفة الأمريكية، صاحبتي النفوذ الأكبر داخل ليبيا، ويتجادلون فيما بينهما الآن لتوزيع حصص ثروات النفط والغاز الهائلة في ليبيا، وإمكانية الوصول إلى القواعد العسكرية على المدى الطويل، ويتنافسان للتأثير والهيمنة على تشكيل أي حكومة مستقبلية.
وحذرت «واشنطن بوست» أنه «إذا تحققت هذه الطموحات، فإن روسيا وتركيا لديهما القدرة على تقسيم ليبيا إلى اثنين، وتحويل خطوط القتال في الصراع إلى انقسام دائم».
ويخشى كثير من المراقبين من فشل مساعي تفادي هذا السيناريو، ويقرون بأن ليبيا تفتر القوة اللازمة لإفشال هذه الطموحات. وقال محمد الدايري، وزير الخارجية السابق لحكومة ليبيا المؤقتة، إن «ليبيا ستكون بحاجة إلى مساعدة أكبر من أوروبا والولايات المتحدة للضعط على روسيا وتركيا لإخراج مقاتليهم من البلاد».
وأضاف، في حوار مع «واشنطن بوست»: «يغير ذلك، سيواصل المرتزقة والقوى الأجنبية، التي تملك اليد العليا في ليبيا، مخططاتهم، وسيبقي الوضع القائم كما هو.. الوضع القائم مع كل المآسي المصاحبة له».
غياب أمريكي وطموحات روسية في ليبيا
انتقدت «واشنطن بوست»غياب أي دبلوماسية رسمية للإدارات الأمريكية السابقة صوب ليبيا أو وجود رسمي، لا سيما بعد أحداث عام 2012 والهجوم على مجمع السفارة الأمريكية في بنغازي وقتل السفير وقتها.
وسمح هذا الغياب لروسيا، المتلهفة لإظهار الهيمنة في الشؤون الدولية، بالاستفادة من الغياب الأمريكي وتعويضه بمزيد من التورط في الشؤون الداخلية الليبية، أضف إلى ذلك «توق خليفة حفتر للسلطة».
ولم تخفِ موسكو هذه الطموحات، بل أكدتها تصريحات لوزير الخارجية، سيرجي لافروف، ديسمبر الماضي، قال فيها إن «بلاده يحق لها الآن المساعدة في تحديد مخرجات الحرب. ولإنهاء الصراع، يجب احترام مصالح جميع الأطراف الأجنبية».
ولم تظهر إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة ما إذا ستكون ليبيا من بين أولوياتها، لكن وزير الخارجية، انتوني بلينكن، قال، في تصريحات الشهر الماضي، إن «إدارة أوباما أساءت الحكم على حجم الضرر الذي خلفه معمر القذافي في مؤسسات الدولة.. كانت هناك خطة، لكن النتيجة هي خلق مساحة أكبر للمجموعة المتشددة والقوى الأجنبية التي ملأت الفراغ».
حرب الـ«درون» بسماء ليبيا
انتشرت الطائرات المسيرة التركية في سماء طرابلس، دعمًا لقوات المعسكر الغربي، وألحقت أضرارًا جسيمة بقوات الجيش الليبي على الأرض.
ولم تحاول أنقرة إخفاء وجودها العسكري في الحرب الليبية، بل ظهرت فرقاطاتها حاملة صواريخ وطوربيدات وطائرات هليكوبتر قبالة سواحل طرابلس، وزعمت أن «تدخلها ساعد في وقف القتال وإنقاذ محادثات السلام».
وسبق وأعلن مسؤولون بالأمم المتحدة أن ليبيا أصبحت «المسرح الأكبر في العالم لاستعراض تكنولوجيا الطائرات المسيرة».
وإلى جانب الطائرات المسيرة، أمدت تركيا القوات الموالية لها في غرب ليبيا بصواريخ أرض جو وبنادق مضادة للطائرات وحاملات مدرعة وأنظمة إلكترونية معقدة للتجسس على اتصالات قوات حفتر.
كما بدأت تركيا في جلب مقاتلين سوريين في جسر جوي نافس حجم الجسر الجوي الروسي، ووصلت 145 رحلة شحن تركية على الأقل إلى ليبيا في 2020 وحدها.