محللون يرصدون أسباب وتداعيات التقلبات الأخيرة في أسعار النفط

محللون يرصدون أسباب وتداعيات التقلبات الأخيرة في أسعار النفط

بينها محاصرة الأسواق باضطرابات سياسية واقتصادية

فشلت أسواق النفط في الحفاظ على الاتجاه الصعودي الذي بدا واضحًا منذ بداية العام الجاري، وقد تستمر التوقعات الضعيفة للنمو العالمي في الضغط على الأسعار وسط النزاع التجاري المستمر بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر مستهلكين من النفط الخام على مستوى العالم.

وتتراجع أسواق النفط والأسهم العالمية في الوقت الذي تتجه فيه أوروبا إلى صناديق الاقتراع وسط كآبة اقتصادية جديدة، في ضوء اندلاع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة مُجددًا وتأخر صفقة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

يقول المحلل في سبريديكس، كونور كامبل: إن «الأسواق محاصرة في عاصفة كاملة من الاضطرابات السياسية في المملكة المتحدة وحروب التجارة بين الولايات المتحدة والصين والهشاشة الاقتصادية الأوروبية».

مسارات غير مُستقرة

وأغلقت العقود الآجلة للنفط في الولايات المتحدة على ارتفاع، يوم الجمعة، مستبدلة بعض الخسائر التي حققتها في اليوم السابق عندما استقرت عند أدنى مستوى في أكثر من شهرين. ومع ذلك، سجلت الأسعار أسوأ انخفاض أسبوعي لها حتى الآن.

 ويستمر التجار في قياس خطر تباطؤ الطلب على الطاقة؛ حيث تواصل الولايات المتحدة والصين مواجهة نزاعهما حول التجارة، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط 1.83% بما يعادل 1.06 دولار ليستقر عند مستوى 58.97 دولارًا للبرميل في بورصة نيويورك التجارية. بعد انخفاض بنسبة 5.7٪ يوم الخميس، في حين فقدت أسعار العقود الشهرية 6.8٪ لهذا الأسبوع.

وفي المقابل، سارت تداولات خامي غرب تكساس الوسيط وبرنت على مسار أسوأ انخفاضات يومية وأسبوعية خلال ستة أشهر؛ حيث تأثرت أسواق النفط والأسهم بشدة يوم الخميس بسبب التوتر المتزايد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما زاد من قلق المستثمرين بشأن حالة الاقتصاد العالمي، وذلك بعد يوم من إعلان إدارة معلومات الطاقة عن زيادة في مخزونات الخام الأمريكية.

وسجلت أسعار النفط أقوى هبوط أسبوعي هذا العام مع تزايد القلق من أن الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين سوف يتصاعد، مما يهدد الطلب العالمي على النفط الخام، وذلك بالتزامن مع وصول المخزونات الأمريكية إلى أعلى مستوى لها بشكل غير متوقع منذ يوليو 2017، مما أدى إلى ارتفاع الإمدادات في ظل عدم اليقين الموجود بالأسواق.

وانخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون مستوى 60 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ نهاية شهر مارس الماضي، فيما انخفضت أسعار خام برنت إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ أوائل أبريل.

وعانى النفط الخام الأمريكي، الذي بدأ تداولات يوم الخميس فوق 61 دولارًا، من أسوأ أيامه منذ انهيار عشية عيد الميلاد في وول ستريت، متراجعاً بنسبة 6٪ تقريبًا إلى 57.91 دولارًا للبرميل، ومتراجعاً بنحو 13٪ منذ أن أغلق عند مستوى 66.30 دولارًا للبرميل قبل شهر.

وألقى المحللون باللوم على عمليات البيع الحادة، وقال ريان فيتزموريس، استراتيجي الطاقة في رابوبنك: «بدأت المخزونات النفطية تتراكم مع المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وقد أصبح السوق في وضع عدم المجازفة في الوقت الحالي».

ومن المرجح أن يرتبط الانخفاض إلى ما دون مستوى الدعم التالي المتوقع عند 56 دولارًا- بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط- بمزيد من الانخفاض في الأسهم والذي سيكون مرتبطًا بشكل كبير بقضايا التجارة التي لم يتم حلها بين الولايات المتحدة والصين.

لماذا تراجعت الأسعار؟

وقال مارشال ستيفز، محلل أسواق الطاقة في شركة إنفورما إيكونوميكس، إن يوم الخميس الماضي كان «يومًا محفوفًا بالمخاطر» مع هبوط أسواق الأسهم العالمية، مُشيراً إلى أن عدم اليقين حول المفاوضات التجارية يؤثر سلبًا على الأسواق المالية من جميع الأنواع بما في ذلك الأسهم وبالتأكيد العقود المستقبلية للنفط.

وقال المشاركون في السوق إن تصاعد التوترات التجارية بين أكبر الاقتصادات في العالم، الولايات المتحدة والصين، أثارت الشكوك حول الرغبة في شراء النفط الخام على المدى القريب إذا ظل نزاع التعريفة الجمركية دون حل لفترة طويلة. ويخشى المستثمرون في السلع الأساسية من أن تؤدي التوترات الجمركية إلى تكثيف تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يبدو أنه أصبح ممكناً بالفعل في أوروبا.

وتراجعت مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية ومؤشر داو جونز الصناعي بنسبة -1.11٪ ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 SPX بنسبة -1.19٪ بشكل حاد يوم الخميس، في حين تراجعت الأسهم أيضاً في أوروبا وآسيا.

وقال جيمس هاتزيجيانيس، أحد كبار منتجي السلع الأساسية في مجموعة Long Leaf Trading Group: «إن الحرب التجارية، ما لم يتم حلها أو إحراز تقدم واعد، ستبقي أسعار النفط منخفضة»، مُشيراً إلى أنه إذا لم تحدث اضطرابات أخرى في الإمدادات في الشرق الأوسط، فمن المؤكد أن خام غرب تكساس الوسيط يمكن أن يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأمريكية فوق متوسط الخمس سنوات.

وعلى جانب العرض، تراجعت أسعار النفط منذ تداولات يوم الأربعاء الماضي، بعدما ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إمدادات النفط الخام الأمريكية ارتفعت بمقدار 4.7 ملايين برميل للأسبوع المنتهي في 17 مايو الجاري، مسجلة ثاني ارتفاع أسبوعي على التوالي، وأثار ذلك احتمال تكوين وفرة أخرى في أسواق النفط، مثل تلك التي تسببت في سقوط النفط الخام في السوق الهابطة في أواخر العام الماضي.

وأظهرت بيانات حكومية أن المخزونات في مركز كوشينغ بولاية أوكلاهوما، مركز تسليم العقود الآجلة للخام الأمريكي، بلغت أعلى مستوياتها منذ ديسمبر 2017.

تطورات الحرب التجارية

وتأثرت أسعار النفط، التي ارتفعت يوم الجمعة بعد هبوطها يوم الخميس، تماشياً مع أجزاء أخرى من أسواق الأسهم، بعد أن وضعت وزارة التجارة الأمريكية شركة Huawei Technologies، أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم، في قائمة ما يسمى بالقائمة السوداء.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، إن الشكاوى الأمريكية ضد شركة Huawei قد يتم حلها في إطار صفقة تجارية أمريكية-صينية متوقعة، كما وصف ترامب عملاق الاتصالات الصيني بأنه «خطير للغاية».

وفرض المسؤولون الأمريكيون بالفعل قيودًا تجارية تمنع الشركات الأمريكية فعلًا من التعامل مع شركة Huawei، أكبر شركة في العالم لصناعة معدات شبكات الاتصالات، في ظل مزيد من المخاوف المتعلقة بالأمن القومي.

وفي يوم الخميس أيضا، دعا المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، قاو فنغ، إلى بيئة تجارية عادلة بعد فرض عقوبات جديدة على 10 شركات صينية، وحث الولايات المتحدة على تغيير سياساتها، ونقل تقرير سي إن بي سي عن فنغ قوله في وقت مبكر يوم الخميس: «إن الحملة الأمريكية لا تلحق أضرارا جسيمة بالتعاون التجاري الطبيعي بين البلدين فقط، ولكنها تشكل أيضاً تهديداً كبيراً لأمن سلسلة التوريد الصناعية والصناعية العالمية».

وبعد أسابيع من المفاوضات غير المثمرة والمزيد من التعريفات الانتقامية التي فرضها أكبر اقتصادين في العالم على بعضهما البعض، قالت الصين، إن المحادثات حول حل النزاع التجاري لا يمكن استئنافها حتى تعالج الولايات المتحدة «أفعالها الخاطئة»، وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية: «إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في الاستمرار في التفاوض، فيجب عليها، بإخلاص، ضبط تصرفاتها الخاطئة.

وكتب لويس ألكساندر كبير الاقتصاديين في نومورا في مذكرة موجهة إلى العملاء: «يبدو أن الرئيس ترامب قد استنتج أن الإبقاء على موقف متشدد ضد الصين أفضل من التوصل إلى صفقة سريعة وضيقة»، وأضاف لويس أن هناك تعريفة «خطر متزايد» ستظل سارية المفعول حتى نهاية عام 2020. وحتى قبل فرض التعريفة الجمركية الجديدة، فإن التعريفات الحالية قد قللت بالفعل من النمو الاقتصادي العالمي.

مخاطر النمو

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، خلال الأسبوع الماضي، إن النمو الاقتصادي العالمي استقر لكنه ظل ضعيفًا بعد «انخفاض» في معدل الزيادة في تجارة السلع والخدمات، مما يبرز الخلاف بين الولايات المتحدة والصين باعتباره أحد أكبر المخاطر على الاقتصاد العالمي.

 وأشارت المنظمة، التي تتوقع نموًا عالميًا بنسبة 3.2٪ في عام 2019، وهو ثاني أدنى مستوى منذ عام 2012، و 3.4٪ في العام المقبل، في توقعاتها الاقتصادية أن نمو التجارة في الربع الأول كان الأضعف- وظل بالكاد في المنطقة الإيجابية- منذ الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016.

وعلى الرغم من أن الأرباح والبيانات الاقتصادية حتى الآن من العام الجاري لم تكن بالسوء المتوقع، إلا أن المحللون يتوقع حدوث الأسوأ. وأدى تراجع نمو الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة لشهر مايو الجاري، والذي أظهر أضعف وتيرة نمو منذ ما يقرب من عقد من الزمان، إلى زيادة القلق العام في الأسواق، وهو ما أسهم في تراجع مؤشر داو جونز بنحو 400 نقطة خلال تداولات الخميس.

وأظهرت بيانات IHS Markit، صدرت الخميس، أن النشاط التجاري «تباطأ بشكل حاد» في مايو الجاري بسبب مخاوف الحرب التجارية. وانخفض مؤشر النشاط التجاري للشركات في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى خلال ثلاث سنوات وكذلك تراجعت الطلبيات الجديدة للتصنيع لأول مرة منذ أغسطس 2009.

وقد يتعرض سوق الطاقة لمزيد من الضغط إذا استمرت الحرب التجارية في التصاعد، وحذر تشيتان أهيا كبير الاقتصاديين في مورجان ستانلي، في تقرير نُشر يوم الاثنين الماضي، من أن «الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود» إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفة بنسبة 25٪ على جميع الواردات الأمريكية من الصين.

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa