«الكنز الضائع».. مصطلح أطلقته المعارضة التركية على الـ128 مليار دولار احتياطي البنك المركزي التركي، والتي اختفت من المصرف.
القصة تعود إلى ستة أشهر خلت، حين استقال بيرات ألبيرق وزير المالية السابق وصهر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بشكل مفاجئ وبطريقة غير مألوفة داخليًّا وحتى خارجيًّا.
المسؤول التركي السابق اختفى أثره بعد بيان غامض عبر تطبيق إنستغرام أنهى فيه كل شيء، وأغلق حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأثارت الاستقالة في ذلك الوقت جدلًا واسعًا وعلامات استفهام لم تجب الحكومة التركية عنها كاملة حتى الآن، ولعل أبرزها ما طرحته أحزاب المعارضة بشكل فوري بالتزامن مع قضية ألبيرق، وجاء بصيغة أين 128 مليار دولار احتياطي البنك المركزي التركي؟، بحسب قناة «الحرة».
ووصفت المعارضة التركية الـ(128 مليار دولار) بـ«الكنز الضائع»، وربطت اختفاء ألبيرق عن الأنظار باختفائها من احتياطي البنك المركزي، في قضية تحولت مع توالي الأشهر إلى مواجهة حادة بين طرفين، الأول هو أحزاب المعارضة والثاني الحكومة التركية، وعلى رأسها أردوغان.
وتفاعل الشارع التركي مع هذه المواجهة الحادة، بين من أكد الاتهامات المتعلقة بمليارات الدولارات، وقسم آخر اتجه لحملات مضادة، تعلقت أيضًا بملفات فساد لمسؤولين محسوبين على حزب الشعب الجمهوري، بينهم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى.
يأتي ذلك في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية، ألقت بتداعياتها مؤخرًا على سعر صرف الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية، وما رافق ذلك من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، في ظل ضبابية تشوب تفاصيل مستقبل تركيا الاقتصادي في المرحلة المقبلة، خاصة مع استمرار إجراءات الإغلاق بفعل تفشي فيروس كورونا في ذروته الثالثة.
ومنذ اليوم الأول لفتح قضية الـ(128 مليار المفقودة)، خاصة في ديسمبر 2020 اتجهت أحزاب المعارضة، في مقدمتها حزب الشعب الجمهوري لإثارتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بموجب حملات منظمة اتخذت زخمًا كبيرًا.
وشارك في تلك الحملات مسؤولون كبار بينهم كمال كلشدار أوغلو، بالإضافة إلى نظيريه في حزب الجيد، ميرال أكشنار وحزب المستقبل، أحمد داوود أوغلو، وآخرون من الصف الثاني المحسوب على تلك الأحزاب.
في المقابل التزمت الحكومة التركية والحزب الحاكم (العدالة والتنمية) بعدم إبداء أي تعليق على الاتهامات الموجهة بشأن قضية الكنز الضائع، ما أثار شكوكًا عن الأسباب التي تقف وراء عدم تقديم أي توضيحات، لاسيما أن الأمر يتعلق بمبالغ كبيرة محسوبة من خزينة الدولة.
وبالتوازي مع الحملة المتعلقة بالمبالغ الضائعة حسب اتهامات أحزاب المعارضة، كانت هناك حملة أخرى بدأت تنشط بشكل أساسي بين شهري يناير وفبراير الماضيين، واستهدفت شخص بيرات ألبيرق بالتحديد.
وطالبت المعارضة في تلك الحملة ألبيرق بالظهور والكشف عن نفسه وعن مصير مليارات الدولارات، الأمر الذي دفع الأخير لإصدار بيان بشكل غير مباشر تداولته وسائل إعلام مقربة من الحكومة التركية.
ونفى ألبيرق مزاعم خروجه من لبلاد، واعتبر أن المبالغ التي صرفت كانت وفق أصول تعاملات المصرف المركزي للسيطرة على الأسعار، في وقت شهدت فيه الليرة التركية انهيارا كبيرا بقيمتها أمام العملات الأجنبية، وخاصة في عام 2018.
المعارضة التركية وسعت إطار الحملة من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشوارع والساحات العامة، بعد عدم صدور أي تعليق رسمي من جانب الحكومة التركية.
ونشر حزب الشعب الجمهوري لافتات طرقية في مدينة إسطنبول ومناطق أخرى في العاصمة التركية أنقرة، وحملت سؤال أين 128 مليار دولار المفقودة؟
وأثار ذلك غضب السلطات التركية، التي اتجهت لتمزيق اللافتات بعد ساعات من تعليقها في الشوارع والساحات العامة. وهي تطورات وثقها ناشطون أتراك بالصور والتسجيلات المصورة عبر مواقع التواصل.
وبالتزامن مع حملة حزب الشعب وزّع حزب الجيد 10 آلاف كمامة طبية في مدينة إسطنبول، الأسبوع الماضي، كتب عليها: أين الـ128 مليار دولار؟.
وتظهر أرقام المصرف المركزي التركي في نشرة صادرة في فبراير الماضي أن احتياطياته تجاوزت 95 مليار دولار، وأن قرابة نصفها هي احتياطيات من الذهب (بواقع 53 مليار دولار عملة، وقرابة 41 مليار دولار ذهبًا).
وكانت الحكومة التركية قد عملت على شراء الذهب بكثافة اعتبارًا من عام 2018 للتقليل من خسائر انهيار العملة المحلية أمام الدولار.
وبعد جدل وأسئلة لم تنقطع على مدار ستة أشهر مضت جاء الرد متأخرًا في الأيام الأربعة الماضية من قبل مسؤولين بارزين في حكومة أردوغان، بينهم لطفي علوان وزير المالية الذي حل مكان ألبيرق بعد استقالته.
وفي تصريحات له الإثنين رفض علوان الجدل المثار حول اختفاء 128 مليار دولار من احتياطي البنك المركزي التركي، وقال في لقاء مع قناة "إن تي في" إن البنك يستخدم الاحتياطيات المطلوبة ومعاملات الصرف الأجنبي من وقت لآخر لضمان الاستقرار المالي وتشغيل آلية التحويل النقدي بشكل أكثر فعالية.
وأضاف علوان: تم الإعلان عن مزادات بيع وشراء العملات الأجنبية الخاصة بالبنك المركزي مسبقا، وتم تنفيذ تدخلات الشراء أو البيع المباشر عندما كانت هناك تقلبات غير عادية وتم تقاسم النتائج مع الجمهور.
من جانبه قال شهاب كافجي أوغلو محافظ البنك المركزي الجديد إن الاحتياطات استخدمت بموجب بروتوكول 2017 مع وزارة الخزانة لمنع تشكيلات الأسعار غير الصحية، والحفاظ على توازن العرض والطلب في الأسواق المالية.
كما علق نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، حمزة داغ على الجدل المثار، لافتًا إلى أن الأموال لم تطر في الهواء، بل إنها موجودة في خزانة الدولة.
الرد السابق حول قضية (128 مليار دولار) وصل في آخر تطوراته إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والذي خرج بتصريحات الأربعاء اعتبر فيها أن الرقم الذي طرحته أحزاب المعارضة غير صحيح.
وقال في اجتماع لحزبه: لا الرقم صحيح ولا المعنى الذي يحمله الرقم صحيح، ولا الحملة التي أثارتها المعارضة صحيحة.
وأضاف أردوغان أن قضية الـ128 مليار دولار يتشبث بها حزب الشعب الجمهوري ومن تبعوه، كأنهم وجدوا كنزًا.