تقنية البناء في السعودية.. رحلة طويلة تدخل مرحلة جديدة ( ٢ / ٨ )

تقنية البناء في السعودية.. رحلة طويلة تدخل مرحلة جديدة ( ٢ / ٨ )

استعرضنا في الحلقة الماضية رحلة البناء عبر الأزمان، وهي رحلة طويلة ضاربة في عمق التاريخ، ولكن في سياق الحديث عن تطور البناء، لا بد أن نتوقف عند الأسمنت؛ إذ أدَّى دخوله مجال البناء إلى تغيير شامل وحديث في مفهوم العقار والمنزل، ونقل المسكن من المرحلة البدائية التي كانت تعتمد على الطوب اللبن والحجارة والأسقف الخشبية، إلى مرحلة الخرسانة المسلحة التي تستخدم الهياكل الخرسانية؛ كأساس للمبنى وحوائط من الطوب المحروق يثبّتها الأسمنت ويقويها.

كان هذا هو الجيل الأول من البناء، الذي تلا الشكل البدائي أو القديم. ورغم استقرار هذا الشكل لسنوات طويلة؛ بحيث سيطر على قطاع العقار في مختلف أرجاء العالم، فإنه سرعان ما تطوَّر في العقود الأخيرة؛ مدفوعًا بثورة تقنية ضخمة وهائلة نقلته عدة مراحل بين فترة وجيزة جدًا؛ حيث ناطحات السحاب، فالمنزل التقني، ثم المنزل الترفيهي الجاهز، ثم المنزل المطبوع بتقنية الـ3d.

وخلال تاريخها العريق، كانت المملكة العربية السعودية مركزًا للنمو العمراني والتوسع الكبير، الذي مرَّ بتحديثات هائلة على مر العقود الأخيرة؛ حيث انتقل من الشعبي القديم المكوّن من الطين والقش والخشب، ثم دخول الخرسانة المسلحة لعالم العقارات، حتى الجيل الأخير الذي بدأ يستخدم تقنيات البناء، التي تتوسع في العالم المتطور والمتقدم.

وشهدت المملكة، قبل عقود، بداية تقنية البناء بصورة محدودة في عدة مشاريع حكومية، مثل: مشروع الإسكان الذي نفّذته جامعة الملك سعود، ومساكن شركة أرامكو بالظهران ومدينة ينبع، ومباني الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وغيرها من المشاريع التي لم ترقَ لكونها نمطًا معتمدًا لاستخدام هذه التقنية في تنفيذ المشاريع السكنية الجديدة، ويوفر حلولًا للمواطنين.

وفي الفترة الأخير وضمن «رؤية 2030»، بدأت المملكة تستلهم هذه التقنية لتكون توجهًا جديدًا في تغيير مفهوم السكن، وتقدم حلولًا عصرية للمواطن.

فتقنية البناء الحديث تقوم بالأساس على إعداد مكونات المسكن وجدرانه وأسقفه بمصانع متخصصة، ثم يتم نقلها إلى الموقع لتركيبها فيما بعد بواسطة متخصصين على الهيكل الخرساني أو الحديدي؛ لاختصار وقت بناء المنزل إلى أقل من نصف الوقت، الذي يستغرقه بناء المنزل بطريقة تقليدية.

وتستهدف المملكة أن يتملك نحو 60% من المواطنين منازلهم، فكان التوجه لاستخدام التقنية أمرًا مهمًا وضروريًا، من خلال إطلاق العديد من المبادرات التي تعمل على توفير السكن للمواطن، وكان أبرزها «مبادرة تحفيز تقنية البناء»؛ كواحدة من مبادرات القطاع الخاص الرائدة في مجال تطوير البناء وتقنياته، وتتخذ من عبارة «البناء يتحول» شعارًا لها.

 وتهدف المبادرة، التي يعمل على تنفيذها برنامج الإسكان وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، إلى تسليط الضوء على تقنيات البناء، وفق «رؤية 2030» التي تهدف إلى جذب الاستثمارات المحلية والدولية، وتوطين صناعة تقنية البناء محليًا لتوفير مساكن حديثة وعصرية للمواطن السعودي، وكذلك دعم المطورين والمقاولين وحثّهم على استخدام هذه التقنيات.

وتعدُّ زيادة الطاقة الإنتاجية لمصانع تقنية البناء، من خلال تطوير هذه الصناعة وزيادة سرعة التنفيذ لرفع قدرة البناء السنوية، وخفض تكلفة البناء لضمان بناء وحدات سكنية ميسرة، والمساهمة في خلق فرص وظيفية للسعوديين والسعوديات على رأس أولويات المبادرة.


وشهدت المملكة، أخيرًا، تجربة بناء أول منزل بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لأول مرة في الشرق الأوسط، تلتها تجربة أخرى لبناء منزل خلال 48 ساعة، بالإضافة إلى عرض ثلاثة نماذج لوحدات سكنية تمَّ استخدام تقنيات مختلفة في إنشائها، تمثلت في البناء بطريقة الخرسانة الرغوية، والهيكل الحديدي، والحديد المجلفن، وذلك في مشروع العيينة السكني.

هذه التجارب سلطت الضوء على تقنية البناء، وشجَّعت قطاع العقارات للتعرف على هذه التقنيات والعمل على إدخالها بقوة في السوق السعودية.

وفي ديسمبر من العام الماضي، نُفذت تجربة أخرى باستخدام تقنيات Modular Concrete ، وتمَّ إنجاز البيت بالكامل في يومين بفريق مكون من 4 مهندسين سعوديين واستشاريين أجنبيين فقط.


وفي أبريل 2019، تمَّ عرض ثلاثة نماذج لوحدات سكنية بتقنيات البناء في العيينة، الذي جاء مشاركة بين وزارة الإسكان والمبادرة، ويبلغ عدد الوحدات السكنية  المستهدف بناؤها بأساليب تقنية البناء المتنوعة 192 وحدة توزع عن طريق وزارة الإسكان، على أن تتولى المبادرة تحفيز المصنعين والمستثمرين، وتشجيع المواطنين الراغبين بالبناء الذاتي على استخدام العديد من أساليب البناء الحديثة.


ومن تقنيات البناء المتاحة حاليًا، عالميًا ومحليًا، البناء بنظام الخرسانة الخلوية مسبقة الصب، وهو واحد من النماذج التي أصبحت متاحة أمام الراغبين في البناء الذاتي باستخدام أساليب البناء الحديثة، ويتميز بعزل صوتي وحراري عالٍ وسرعة في إنجاز المنزل.

والنموذج الثاني هو البناء بتقنية الهيكل الحديدي، وأهم ما يميزه التحمل والاستدامة، والقدرة على التعديل، والقابلية لتغيير القواطع، والمرونة في التصميم الداخلي، ويمكن استخدامه في المباني المتعددة الأدوار؛ حيث يتكون المبنى من أركان عمودية وأفقية توفر المتانة للأسقف والأرضيات. ثم يأتي الحديد المجلفن الخفيف، كثالث هذه النماذج، ويتميز بسرعة الإنجاز (تنفيذ المنزل من 3 إلى 6 أشهر)، وتمَّ استخدامه من قبل العديد من الشركات العاملة في نفس المجال، وهو ما سنستعرضه في الحلقة المقبلة، وكيف أسهمت التجارب الدولية في مواجهة أزمة الانفجار السكاني.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa