«الصحوة من الصحوة»

«الصحوة من الصحوة»

الحمدلله أما بعد:

فقبل أن ترد إلينا موائد المُغرضين وأفكار المعرضين وعقول المخرّبين كانت بلادنا في مأمن عن الفتنة وفي معزل عن البلاء والمِحنة، والتي بدأت منذ أول استيراد للعقول المهاجرة للسعودية ، ولم يكن يدور في خلد كثير من القادة العظماء على عظيم شوكتهم وعزيمة شكيمتهم واتساع عقولهم أن يكونوا قد أحسنوا ضيافة أعداء كانوا ينفثون سمومهم في البلاد ويغرون فيها الحاضر والباد.

لقد كانت الغيرة الدينية عند المؤمنين الصادقين من قبلُ إنكارًا لا يتصل بجماعة أو يؤمن بفكرة وإنما باعثه حب الخير للغير والقيام بواجب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان بعضهم قد حصل منه شدة في الإنكار وخطأ في التغيير إلا أنهم لا يتخذون حزبا أو جماعة أو فئة، بل كانوا لا يعدُون قدرهم ويعرفون لولاة الأمر مكانتهم وقدرهم.

وأما العقول المهاجرة المتحزّبة فقد كانت متيّمة بالجماعات مسارعة للخلافات والاختلافات، وقد بقيت العقول المهاجرة تفرّخ وتعشعش في كل مكان، وغاب عن الأذهان ما يخطط له المُغرضون فبدأت الفتنة بجماعة واحدة وانتهت بجماعات وأحزاب، وبعد ذلك خرجت علينا «الجماعة السلفية المحتسبة» وكان سبب نشأتها ردة فعل يزعم أتباعها أنهم يصححون مسار من افتتن بالجماعات كـ«الإخوان» و«التبليغ» ، والحقيقة أنهم فُتنوا كما فتن الذين من قبلهم، وهذه الجماعة السلفية المحتسبة والتي منها  «جهيمان» قد التقت بفئة من جماعة «الهجرة والتكفير» فتحوّل مسارها من دعوة سلفية مزعومة إلى دعوة ثورية محمومة مسمومة.

وفي يوم من الأيام وقد حام الباطل ودام ، أقبل «جهيمان» في زمرته للمسجد الحرام.

ولم يكن ذلك محض صدفة وإنّما هو مكرٌ بالليل والنّهار، وتخطيط جعله الله على شفا جرف هار، وصدّق عليهم إبليس ظنّه فاتبعوه، وجمعوا لذلك الأموال وخططوا الأعمال، وكان هذا منهم بمثابة الإنكار للأخطاء ومعالجة المُنكر وتغيير الحال والمآل، وسرعان ما أعانهم الشيطان على مكرهم فرأوا لذلك أكثر من ستين حُلُما يصدّق خداعهم في المهدي المنتظر الذي يظهر على أيديهم!

لم أكن شاهدا لهذا الحدث والمَكر الكُبّار ولكن حدثني من عاصر الأحداث بأنّ الحدث كان كابوسًا رهيبًا نشر الرعب والفزع في النفوس.

وقد مكن الله ﷻ من قُطّاع الطريق وجعلهم على شرّ مضيق وإلى الله ترجع الأمور.

لقد بدأ «جهيمان» وزمرته العمل بطريق ظاهرها الطُهرُ وباطنها المَكر، وقد تكون نوايا هذه الزمرة في بادئ الأمر إصلاحا واحتسابا وطلبا للخير واكتسابا ووافقهم من وافقهم من علماء أجلاء على هذا المبدأ، وسرعان ما انحرف هذا المسلك إلى شرّ ومهلك،  لأنهم كوّنوا وأسّسوا جماعة من تلقاء أنفسهم وعهدوا لأنفسهم بالتغيير فحصل الأمر الخطير بعد تبرير ثم تحضير...

ولم تكن حادثة جهيمان بداية للـ«الصحوة» كما يظن البعض بقدر ما كانت محفّزة لذلك، فالناس كانوا وقتها يعيشون الدين دون وصاية، وإنما كان مبعثهم على الطاعة مخافة الله ﷻ وحده لا شريك له وكان فيهم بعض القُصور الذي لا يخرجهم من دائرة التوبة والأوبة....

غير أن يقظة الناس إلى دينهم ومرضاة ربّهم يجب أن تكون لله ﷻ وحده لا يقودها أشخاص أو أحزاب حتى تكون خالية من الانحراف الفكري والعقدي على المدى البعيد.

وقد عايشت وعايش غيري مثل هذه الصحوة المدخولة وربما تحمسنا لبعض ما جاءت ببراءة وحُسن نيّة ولم ندرك أننا كنا في غمرة هذه الصحوة التي ظاهرها الخير غير أن في باطنها  مداخل غير موفّقة للفكر الثوريّ رغم صلاح كثير من القلوب وصدق كثير من المنتمين فيها، حتى أذن الله لكثير من الأحداث المؤلمة أن تبين وتستبين فقد مزّقت هذه الصحوة المذمومة الصفّ وسلطت الأعداء وباعدت الأصدقاء، وهذه الأمور لا يفطن لألغازها إلا قليل من قليل، فقد غابت عن الكبراء والخبراء فمن كان دونهم من عامّة الناس من باب أولى.

ومن هنا ندرك الفرق الجوهري ببن الصحوة التي تحدّث عنها ملوك وأمراء كخادم الحرمين الملك فهد رحمه الله وعلماء كـالإمام ابن باز والتي تحدثت عن عودة الناس لربهم ومرضاته ومتابعة سنة النبي ﷺ ....

وبين «الصحوة» المشؤومة المذمومة التي تحدّث عنها وليّ العهد «محمّد بن سلمان» وهذه الصحوة المذمومة قد ارتبطت  بأشخاص معيّنين وبجماعات تعمل في الخفاء ويتبعها العامة من العقلاء والغوغاء.

وكذلك من هنا ندرك الفرق الجوهري بين صحوة تعظّمُ قدر الأمراء والولاة وتعرف لهم حقهم وتصون أمرهم مع يقظة في الرجوع للدين والصلاح والاستقامة ، وبين صحوة تستعمل التثوير في إنكار المنكر وتضع لذلك الجماعات والأحزاب والانتماءات الكثيرة....

والواجب علينا حينئذٍ أن نصحو من هذه الصحوة ونعود لسابق العهد بالقرآن والسنة دون جماعة أو حزب أو انتماء وأن نحذر من نشوة التبعية والانتماء لغير ولي الأمر الذي له السمع والطاعة في المنشط والمكره وأثرة علينا، وعلينا ألا ننخدع بمن جعلوا الصحوة المشؤومة أساس الإسلام وقوام الدّين وأن الدولة السعودية وفقها الله تريد أن تحارب الدين وتحارب العلماء!

متناسين دور الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة في تثبيت العقيدة وترسيخ التّوحيد ومحاربة الشرك ومظاهره...

فالحذر الحذر من كيد المبطلين وشرّ المفسدين حمانا الله وبلادنا من شر الأشرار والفجّار ومكر الليل والنهار وجعلنا هادين مهديين وبنبينا وصحبه مقتدين وأن يجعلنا على الهدى يقظين صاحين ويكفينا شرّ من ضلالهم مخفين أو ضاحين حتى أصبحوا فاضحين ...

اللهم أرنا الحق وحقًا وارزقنا اتباعه

وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

Related Stories

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa