بعد مرور نحو أسبوع منذ أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد البرلمان لمدة 30 يومًا، ورفع الحصانة عن أعضائه، وإقالة رئيس الوزراء، قال ستيفن كوك المحلل الأمريكي إنَّ الاستعداد للاستغناء عن المكاسب التي تمّ الحصول عليها بصعوبة بعد عقد من التحول الديمقراطي جزء لا يتجزأ من الثقافة السياسية الخاصة لتونس.
ووفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة «إمرود كونسلتينج» في الفترة بين 26 و28 الشهر الجاري حول موقف التونسيين من قرارات قيس سعيد، والذي شمل 900 شخص ينتمون إلى 24 ولاية، بما فيها المدن والأرياف، أيد 87 % من التونسيين قرارات الرئيس، ورفضها 3%.
وقال ستيفن كوك، المحلل وكبير الباحثين في دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إنَّ الرئيس التونسي رفض وصف راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة الإسلامية، لما حدث بأنه «انقلاب».
وأكَّد قيس سعيد أنَّ هذه الخطوات اتخذت وفقًا للمادة 80 من الدستور التونسي التي تعطيه الحق للقيام بذلك في ظل الظروف الراهنة.
وانتقد كوك في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي القول إنّه سواء كان ما حدث انقلابًا أو ليس انقلابًا، كان يفترض ألا يحدث في تونس، وإن تونس هي (أو كانت) «قصة النجاح الوحيدة» للربيع العربي.
وأكد أن هذه النوعية من «الكليشيهات» التي استخدمتها وسائل الإعلام الدولية مرارا وتكرارا طوال عقد من الزمان، كانت في حد ذاتها تمثل مشكلة دائما، فقد وضعت السياسة التونسية في إطار أغلق الباب أمام الاحتمالات الأخرى، مثل حدوث تراجع.
وعندما وصفت المقالات الافتتاحية اللاهثة ما تم من انتقال سلمي للسلطة إلى ديمقراطية حقيقية في عام 2011 تجاهلت تعقيدات السياسة التونسية بوجه خاص، والتحولات إلى الديمقراطية بوجه أكثر عمومية.
ويضيف كوك أنه ليس من الواضح ما إذا كان قيام قيس سعيد بالتحكم في السلطة يشكل نهاية تحول تونس إلى الديمقراطية، التي كانت على وشك أن تحققها من قبل، بما في ذلك أثناء فترة جمود سياسي ممتدة في عام 2013 .
ويرى كوك أن من الأمور التي تستحق الإشادة عدم انزلاق تونس إلى العنف في ذلك العام، وأنه تم في عام 2015 تشكيل حكومة ائتلافية ناجحة، وكان هناك انتقال سلمي للسلطة بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في عام 2019- رغم أن أيًا من هذه الإنجازات لم يكن يعني بالضرورة أن تونس سوف تواصل التقدم.
وأوضح كوك أنّ المحللين الجادين كانوا يعرفون ذلك لأنهم يتفهمون التحديات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، والحنين إلى النظام القديم بين النخب، وعدم قدرة البرلمان على تحقيق وعود ثورة يناير 2011. والغريب أن بعض هؤلاء الخبراء والمراقبين واصلوا ببساطة وصف تونس بأنها تمثل نجاحا – وبذلك خلقوا توقعا غير مكتوب أو معترف به بأن تقدم البلاد أمر مؤكد.
وكان هذا أمرا غريبا بوجه خاص، في ضوء ما شهده العقد الماضي من تدهور مستمر للمؤسسات الديمقراطية في دول تعتبر ديمقراطيات راسخة، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ويقول كوك إن الأيام القليلة الماضية شهدت مظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة لقرارات قيس سعيد. والمظاهرات المؤيدة هي الأكثر أهمية. والرسائل القادمة من تونس توضح أن أولئك الذين يؤيدون الرئيس شهدوا ما يكفي من سوء الحكم، والافتقار لفرصة اقتصادية.
ومن بين المشكلات التي واجهتها البلاد حقيقة أن موجة أخيرة من جائحة كوفيد-19 أدَّت إلى تدمير نظام الرعاية الصحية في البلاد، وكثيرون من التونسيين يحبذون وجود شخص سلطوي يمكن أن يجعل حياتهم أفضل بامتلاكه للمزيد من السلطات غير المحدودة.
وأكَّد كوك أنه يبدو أن الاستعداد للاستغناء عن المكاسب التي تم الحصول عليها بصعوبة بعد عقد من التحول الديمقراطي جزء لا يتجزأ من الثقافة السياسية الخاصة لتونس.
ويريد المحللون والصحفيون ونشطاء المجتمع المدني الذين يميل الغربيون إلى التفاعل معهم في تونس تشكيل مجتمع أكثر عدلًا وديمقراطية.
ولكن ماذا عن التونسيين على نطاق أوسع؟. يبدو أن علاقة الكثيرين- أو على الأقل من كانوا في الشوارع خلال الأيام القليلة الماضية - بالديمقراطية متأرجحة، إذ يبدو أنهم يريدون دولة أكثر فعالية، يمكن أن توفر لهم فرص العمل وشبكة سلامة اجتماعية بغض النظر عن الطابع السياسي للنظام.
ومن الممكن أن يكون الافتقار إلى الرخاء بعد عقد تمتع فيه التونسيون بمزيد من الحريات الشخصية، قد أدى إلى دفع عدد كبير منهم إلى أن يكونوا أكثر استعدادا لإعطاء فرصة ثانية لنسخة أخرى من السلطوية.
اقرأ أيضًا: