ظهرت نتائج أول موقع أشولي مؤرخ في المملكة "النسيم" في صحراء النفود بمنطقة حائل "شمال المملكة"، أدلة بيئية على وجود بحيرةٍ عميقة ربما كانت عذبة المياه، مع أدلة معالم بيئية قديمة وما ارتبط بها من مواد أثرية تعود إلى عصر البلايستوسين الأوسط.
وضمن مقال نشر مؤخرًا في المجلة العالمية Nature Scientific Reports تحت عنوان (انتشار الإنسان في العصر الأشولي بصحراء النفود بشمالي المملكة)، أكدت النتائج الأخيرة لمشروعات المسح البيئي والأثري لمشروع الجزيرة العربية الخضراء الذي بدأ منذ 10 سنوات، أن الجزيرة العربية مرّت بتغيرات مناخية خلال عصر البلايستوسين فأضحت أجواؤها أكثر رطوبة، وأثر ذلك على انتشار الإنسان فيها وفي القارات الأخرى، وينطبق هذا على الجماعات البشرية في الفترة الأشولية، الذين كان ارتباطهم أشد بمصادر المياه فيما يبدو أكثر من غيرهم في العصر الحجري الأوسط.
ويمثل موقع النسيم حاليًا أقدم المواقع الأشولية الموثقة حتى الآن في المملكة، ويكشف الستار على المستوى الإقليمي عن أنواعٍ من مجاميعٍ لأدوات حجرية استخدمها الإنسان في عصر البلايستوسين الأوسط، ومن المرجح أنها تشير إلى تكرار عودة الإنسان إلى الجزيرة العربية عندما كانت مروجًا وأنهارًا؛ إذ يحتوي الموقع على حوض عميق يبرز في وسطه رواسب عثر فيها على مواد أثرية من العصر الحجري الأسفل، وقد تم جمع ما يقارب من 354 قطعة فأسٍ حجري، ورقائق حجرية مختلفة. واتضح من خلال المسح وجود ارتباط شديد بين المواد الأثرية والبحيرة الجافة.
وأشار المقال إلى تشابه أدوات الحجارة المكتشفة مع تلك التي سبق العثور عليها في المواقع الأشولية في صحراء النفود، ودلّت بعض القطع على جلب مواد الخام إلى الموقع لصناعة الأدوات، وطرح بعضها بعد اختبار جودتها، وشكّلت بعض القطع قبل نبذها.
وتدل المسوحات الموسعة للمشروع ضمن نطاق صحراء النفود على أن مادة الكوارتزيت المحلي استخدمت في كثيرٍ من الأحيان لصنع أدوات حجرية أخرى ضمن الفترة الأشولية لم يتم تأريخها بعد، تشمل الفؤوس بأشكالٍ مختلفة منها بيضاوية وقلبية ومثلثة، بالإضافة إلى اختلاف أحجامها كما هو الحال في المواقع الأشولية الأخرى في صحراء النفود.
وتبيّن تلك الأدوات الحجرية الأشولية بموقع النسيم أنها تعود إلى أواخر عصر البليستوسين الأوسط في حدود (350,000 إلى 250,000 عام) أي ما يتوافق على الأرجح مع مرحلة النظير البحري التاسع حين ذاب الجليد فيها وتشكلت بحيرات في صحراء النفود.
ويدل التشابه بين المواد الأشولية بموقع النسيم والمواقع الأشولية الأخرى غير المؤرخة في صحراء النفود، على أن المياه العذبة العميقة المستقرة في صحراء النفود كموقع النسيم أسهمت في سهولة انتشار الإنسان وتنقله نظير ما وجده من مياه عذبة ووفرةٍ في الصيد حولها. ويدل تنوع الثدييات كبيرها وصغيرها على وجود بحيرات تكونت إبان فترات ذوبان الجليد بمنطقة النفود، ما يدل على انتشار الحيوانات في المنطقة خلال المراحل الرطبة ووفرتها حول المياه مصدرًا لعيش الإنسان.
وتعكف هيئة التراث بمشاركة مجموعة من الخبراء السعوديين على استكمال المشروع العلمي (الجزيرة العربية الخضراء) بالتعاون مع نظرائهم الدوليين من معهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان، الذي يركز على تتبع ودراسة التغييرات المناخية التي تعرضت لها شبه الجزية العربية على مر العصور، وبين بداية الاستيطان البشري في البلاد وهجرة البشر إليها عبر قارات العالم القديم، وقد كشفت نتائج الدراسات السابقة للمشروع عن أدلة لوجود آلاف البحيرات، والأنهار، والغابات، والكائنات في أنحاء الجزيرة، التي نشأت حولها العديد من الحضارات المتعاقبة بسبب المناخ المعتدل لشبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت.
اقرأ أيضًا: