بقيادة السعودية.. قمة مجموعة العشرين هل تُنقذ الاقتصاد العالمي من كورونا؟

«عاجل» ترصد الخسائر الأولية والتداعيات المأساوية وتحركات الإنقاذ
بقيادة السعودية.. قمة مجموعة العشرين هل تُنقذ الاقتصاد العالمي من كورونا؟
تم النشر في

تؤكد مصادر سياسية ودبلوماسية وخبراء اقتصاد، أن المملكة العربية السعودية تركز خلال رئاستها الحالية لمجموعة دول العشرين، على معالجة عدة ملفات شديدة الحساسية، وهى التحركات التى تبدت بوضوح بعد تفشى فيروس كورونا عالميًا، وسط جهود سعودية مع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين لاتخاذ حزمة إجراءات اقتصادية وصحية واجتماعية، من أجل استعادة الثقة في الأسواق العالمية، بعدما تأثرت أسواق المال والأعمال والتجارة العالمية بجائحة كورونا.

ونبَّه خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، اليوم الخميس، (خلال كلمته في افتتاح القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة دول مجموعة العشرين (G20) ، إلى أن آثار جائحة كورونا تمتد إلى الاقتصاد وأسواق المال والتجارة العالمية، وأن مسؤوليات قادة أكبر اقتصادات عالمية تتطلب منا اتخاذ تدابير حازمة على مختلف الأصعدة، في ظل تأثير هذه الجائحة وتوسعها ليشمل الاقتصادات والأسواق المالية والتجارة وسلاسل الإمداد العالمية، مما تسبب في عرقلة عجلة التنمية والنمو، والتأثير سلباً على المكاسب التي تحققت في الأعوام الماضية.

وأضاف: «على الصعيد الاقتصادي، وفي ظل تباطؤ معدلات النمو واضطراب الأسواق المالية، فإن لمجموعة العشرين دوراً محورياً في التصدي للآثار الاقتصادية لهذه الجائحة. لذلك، لا بد لنا من تنسيق استجابة موحدة لمواجهتها وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي. وترحب المملكة بالسياسات والتدابير المتخذة من الدول لإنعاش اقتصادها، وما يشمله ذلك من حزم تحفيزية، وتدابير احترازية، وسياسات قطاعية، وإجراءات لحماية الوظائف.

ومما يؤكد عمق الأزمة، التى أشار إليها خادم الحرمين الشريفين فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإعلان حالة طوارئ وطنية للتصدي لجائحة كورونا، بعد تعرض الاقتصاد الأمريكي لخسائر حادة، عبر عنها مؤشرات البورصات الرئيسية: «ستاندرد أند بورز.. داو جونز الصناعي.. ناسداك»؛ بالتزامن مع تأكيدات وزارة الخزانة بأن الحكومة الأمريكية سجلت عجزًا قدره 235 مليار دولار في الميزانية خلال فبراير الماضي.

وبلغ إجمالي العجز خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة المالية (تبدأ مطلع أكتوبر، سنويًا) نحو 625 مليار دولار، مقارنة بـ544 مليار دولار خلال الفترة نفسها من السنة المالية السابقة، فقد بلغ إجمالي المصروفات الأمريكية في فبراير الماضي (بعد الإعلان عن تسجيل إصابات بكورونا فى الداخل الأمريكي) نحو 423 مليار دولار، بزيادة 5% عن الشهر نفسه من عام 2019.

وقال «بنك أوف أمريكا»، إن المستثمرين تخارجوا من السندات والأسهم وجميع بقية فئات الأصول الكبرى، وأن الانهيار في الأسواق يشير إلى مخاوف ركود اقتصادي وحالات تخلف عن سداد الديون، مما يؤدي إلى عمليات تسييل إجبارية في وول ستريت وانعدام كفاءة السياسات، وأن المستثمرين ضخوا أموالًا في أدوات النقد في أسبوع مضطرب للأسواق شهد محو تريليونات الدولارات، في ظل تصاعد مخاوف الركود؛ بسبب تفشي وباء كورونا.

وقال محللون، إن أسواق النقد سجلت دخول تدفقات بقيمة 136.9 مليار دولار هي الأكبر على الإطلاق، وتم سحب تدفقات قياسية بلغت 25.9 مليار دولار من صناديق السندات، مؤخرًا، فيما أكدت مديرة صندوق النقد، كريستالينا جورجيفا، أن تفشي فيروس كورونا سيبقي على النمو العالمي دون معدل 2019 البالغ 2.9%، لكنها لم تقدم توقعات أكثر تفصيلًا.. ما زال هناك الكثير من الضبابية.

واعترفت الشؤون الاقتصادية في المفوضية الأوروبية، بأنه من المرجح أن يصبح الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو في حالة ركود اقتصادي هذا العام بسبب تفشي كورونا، وأن النمو ككل قد يهبط إلى تحت الصفر هذا العام، فيما أظهرت معلومات أن ثقة المستثمرين في منطقة اليورو تراجعت في مارس لأقل مستوى منذ أبريل 2013، وأن المستثمرين يتأهبون لفترة ضعف اقتصادي طويلة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوربية، أورسولا فون دير لاين: إنها صدمة كبيرة للعالم وللاقتصاد الأوروبي.. يتعين علينا العمل على أن تكون الصدمة قصيرة ومحدودة قدر الإمكان.. سنعلن صندوقًا استثماريًا للاتحاد بقيمة 25 مليار يورو- 28 مليار دولار- للتغلب على الأزمة الاقتصادية.. الأموال ستخصص لأنظمة الرعاية الصحية والشركات الصغيرة وسوق العمل.، وقبل الأزمة، كانت أحدث توقعات اقتصادية رسمية للاتحاد الأوروبي تشير إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيكون بمعدل 1.4% في عام 2020.

أسواق الأسهم تتلقى ضربات موجعة بسبب كورونا 

وهوت الأسهم الأوروبية، لاسيما الإيطالية، وتلقت أسهم البنوك وشركات السيارات والتأمين والطيران (إير فرانس كيه.ال.ام ولوفتهانزا وآي.ايه.جي، مالكة الخطوط البريطانية) أشد الضربات بعد أن قيدت الولايات المتحدة حركة السفر القادمة إليها من أوروبا، في حين تأثرت أسهم البنوك بالمؤشرات المتزايدة على مصاعب للشركات، وعاودت أسهم البنوك التراجع إلى مستويات قياسية منخفضة، ضمن الأزمة العالمية التى عصفت بالأصول عالية المخاطر في أنحاء العالم ماحية أكثر من 15 تريليون دولار من قيمتها، على أقل تقدير.

الأزمة المالية العالمية أشد خطرًا من 2008

وشددت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على أن الموقف الحالي الناجم عن انتشار كورونا أشد خطرًا من الأزمة المالية العالمية في 2008.. نحن في وضع غير عادي بكل المقاييس.. وضع أشد خطرًا من فترة أزمة البنوك العالمية.. العالم يتعامل، الآن، مع تحدٍ صحي لا يملك له العلم ولا الطب إجابة.. المهمة تتمثل الآن في إنقاذ حياة البشر، والحفاظ على الاقتصاد مستمر في طريقه.. هذا يعني تدخلًا جراحيًا يتطلب منا الكثير والكثير.

بدوره، خفض بنك إنجلترا المركزي أسعار الفائدة نصف نقطة مئوية إلى 0.25%، وأعلن إجراءات لدعم الإقراض المصرفي، وبهذا تعود سعر الفائدة الحالي للمستويات المتدنية، التي كان عليها بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعلى الجانب الآخر من المحيط، تدرس الحكومة الكندية حزمة مساعدة بمليارات الدولارات للقطاعات الأشد تضررًا؛ جراء تفشي كورونا (السياحة والضيافة...) وستساعد الحزمة المقاطعات الكندية العشر على بدء إجراءات لمساعدة الأسر والعمال وأرباب العمل.

أيضًا، تراجعت ثروات أغنى أغنياء العالم بأكثر من 38 مليار دولار، حسب موقع «فوربس»، وكان الخاسر الأكبر الملياردير الفرنسي برنارد أرنو، الذي فقد 6 مليارات دولار؛ لتصبح 92.6 مليار دولار، وخسر مؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس، 5.6 مليار دولار وانخفضت ثروة الملياردير الأمريكي، وارن بافيت، 5.4 مليار دولار، وخسر الملياردير المكسيكي كارلوس سليم 5 مليارات دولارات، وتراجعت ثروة الملياردير الإسباني، زارا أمانسيو أورتيجا، نحو 4 مليارات دولار، وخسر مؤسس فيس بوك، مارك زوكربيرغ 4.2 مليار دولار، وخسر الشريك السابق المؤسس لجوجل، لاري بيج 3.3 مليار دولار، وخسر رئيس مايكروسوفت، بيل جيتس 3.8 مليار دولار.

وتؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابعة للأمم المتحدة، أن الفيروس يشكل خطرًا على الاقتصاد العالمي الذي أضعفته التوترات التجارية والسياسية، بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة إنه «خلال أوقات التوتر والاختبار، ظل يشعر بالقلق من احتمال حدوث انكسار وتفكك كبير مع تقسيم الاقتصاديين الأكبر في العالم- الصيني- الأمريكي، لأن لكل منهما هيمنته الخاصة، وعُملته وقواعده التجارية والمالية وشبكة إنترنت وقدرات ذكاء اصطناعي خاصة به، واستراتيجياته الجيوسياسية والعسكرية الصفرية المنفصلة».

رحلات الأعمال تفقد إيرادات بـ820 مليار دولار

وتوقع الاتحاد العالمي لرحلات الأعمال، أن القطاع قد يفقد إيرادات بنحو 820 مليار دولار، نصفها من الصين، مع تقليص الشركات خطط السفر في أعقاب تفشي كورونا، وأظهر مسح أجراه الاتحاد أن رحلات العمل لآسيا كانت المتضرر الأكبر؛ حيث أعلنت ثلاث شركات على الأقل من كل أربع إلغاء جميع أو معظم رحلات العمل إلى الصين وهونج كونج وتايوان وبلدان أخرى في آسيا والمحيط الهادي، وقال الاتحاد إن إيرادات قطاعي الطيران والضيافة، وهما عادة أكبر المستفيدين من إنفاق الشركات، تضررت كثيرًا مع استمرار انتشار الفيروس.

وألغت نحو 70 شركة طيران عالمية جميع رحلاتها إلى الصين المتّجهة من وإلى البر الرئيسي للصين، وقالت منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) التابعة للأمم المتحدة، إن الربع الأول من عام 2020 سجل انخفاضًا بنسبة تتراوح بين 39% و41% في سعة الركاب، وقطاع الطيران واحد من أكثر القطاعات تأثرًا بأزمة فيروس كورونا المشتعلة منذ يناير الماضي، خاصة في ظل القيود التي تفرضها دول العالم مثل وقف الرحلات الجوية وحظر دخول رعايا دول أخرى.

وأوضح مجلس الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أن نقص المكونات والقطع الصناعية من الصين؛ بسبب تفشي فيروس كورونا تسبب في تراجع صادرات دول أخرى حول العالم بقيمة 47 مليار دولار في فبراير الماضي، وأثر بدوره على انكماش إمدادات صناعات السيارات والكيماويات والاتصالات وصناعات أخرى، وهو ما قلص بدوره قدراتها التصديرية، فيما حذَّرت رئيس الهيئة الدولية للنقل الجوي (إياتا) من أن قطاع النقل الجوي قد يتكبد خسائر تصل إلى 113 مليار دولار في العائدات؛ بسبب تداعيات فيروس كورونا.

توقعات بتزايد الديون وموجة إفلاس

وأكَّد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، أن فقدان ثقة المستهلك والمستثمر هي أكثر النتائج المباشرة لانتشار العدوى، محذرًا من مزيج من انخفاض أسعار الأصول، وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون، وتفاقم توزيع الدخل، ولم تستبعد الدراسة الإفلاس واسع النطاق، وانهيار مفاجئ لقيم الأصول التي تمثل نهاية مرحلة النمو في هذه الدورة، فيما يرى محللون أن انهيار سعر النفط أصبح العامل المساهم للشعور بالذعر وعدم الراحة، ولهذا السبب من الصعب التنبؤ بحركة الأسواق، هذه الحركة تشير إلى عالم شديد القلق، وهذه الدرجة من القلق تتجاوز المخاوف الصحية وهي خطيرة ومثيرة للقلق، ولكن التداعيات الاقتصادية تتسبب بقلق كبير».

ويري سيناريو «الأونكتاد»، أن أكثر الدول تضرراً هي الدول المصدّرة للنفط، وغيرها من الدول المصدّرة للسلع، هذه الدول ستخسر أكثر من 1% من نموها، إضافة إلى تلك التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع الدول، التي ستتأثر قبل غيرها بالصدمة الاقتصادية، وستشهد كندا والمكسيك وأمريكا الوسطى، ودول مثل شرق وجنوب آسيا والاتحاد الأوروبي تباطؤًا في النمو بين 0.7% و0.9%، وفي أمريكا اللاتينية، ستعاني الأرجنتين أكثر من غيرها من الآثار المترتبة على هذه الأزمة. ولن تكون الدول النامية التي تعتمد على تصدير المواد الأولية بعيدة عن الأزمة؛ بسبب الديون وضعف العوائد التصديرية بسبب الدولار القوي. 

علاج الأزمة الاقتصادية يتطلب عدة خطوات

وأشارت «الأونكتاد»، إلى أنه لا يمكن للبنوك المركزية أن تحل الأزمة وحدها، هناك حاجة إلى سلسلة من الاستجابات السياسية والإصلاحات المؤسساتية لمنع الفزع الصحي المحلي في سوق المواد الغذائية في وسط الصين من التحول إلى انهيار اقتصادي عالمي، وأنه «على الحكومات أن تنفق في هذه المرحلة للحيلولة؛ دون وقوع انهيار قد يُحدث أضرارًا أكبر من تلك المتوقعة أن تحدث خلال هذا العام».

وحثَّ صندوق النقد الدولي، جميع دول العالم، على العمل سويًا في مواجهة تفشي فيروس كورونا سريع الانتشار، ودعا إلى مزيد من التبرعات لمساعدة البلدان الأشد فقرًا على التعامل مع الجائحة المتصاعدة، وقال المتحدث باسم الصندوق، جيري رايس، إنه من السابق لأوانه تقييم أثر التراجع الحاد في أسعار النفط على الاقتصاد العالمي، لكن صندوق النقد سيصدر توقعات أدق فيما يتعلق بذلك التطور وما تصفه منظمة الصحة العالمية بالجائحة الفيروسية خلال الشهر المقبل.

وحسب خبراء، فإن التدابير الطارئة التي تتخذ للتخفيف من آثار فيروس كورونا على الاقتصاد، تفرض على الحكومات تقديم المزيد، وتعزيز الإنفاق الحكومي، وخفض الضرائب على العمال في المؤسسات، وتوفير المزيد من الأموال في أيدي المستهلكين، ويتعين على الحكومات أن تعمل فورًا لاحتواء الوباء، ودعم نظام الرعاية الصحية، وحماية الناس، ودعم الطلب وتوفير حبل إنقاذ مالي للأسر والشركات الأكثر تضررًا.

خادم الحرمين يطرح معالجة للأزمة الاقتصادية

بدوره، طرح خادم الحرمين الشريفين، اليوم الخميس، خلال كلمته الافتتاحية لقمة قادة مجموعة العشرين (عبر تقنية الفيديو) حلولًا للأزمة، عندما أكد ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق في كل جوانب السياسات الاقتصادية المتخذة، وأنه يتوجب على مجموعة العشرين إرسال إشارة قوية لإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي، من خلال استعادة التدفق الطبيعي للسلع والخدمات، في أسرع وقت ممكن، خاصة الإمدادات الطبية الأساسية.

  وقال إن «مسؤوليتنا تقتضى مد يد العون للدول النامية والأقل نموًا لبناء قدراتهم وتحسين جاهزية البنية التحتية لديهم لتجاوز هذه الأزمة وتبعاتها، لقد أثبتت مجموعة العشرين من قبل فاعليتها في التخفيف من حدة الأزمة المالية العالمية وقدرتها على تجاوزها. واليوم، بتعاوننا المشترك، نحن على ثقة بأننا سنتمكن معًا من تجاوز هذه الأزمة والمضي قدمًا نحو مستقبل ينعم فيه الجميع بالرخاء والصحة والازدهار».

اقرأ أيضا:

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa