«كورونا» سلاح أردوغان لتشديد الخناق على المعارضة التركية

وفقًا لباحثة متخصصة في الديمقراطية والسياسة بكلية لندن
«كورونا» سلاح أردوغان لتشديد الخناق على المعارضة التركية

لطالما استغلت السُلطات التركية الاستبدادية بقيادة حزب العدالة والتنمية، الأزمات بدرجة كبيرة؛ لإحكام قبضتها على مقاليد الحُكم، فإن جائحة فيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19)، لم تكن استثناءً من ذلك.

وسرعان ما استغل النِظام الحاكم الجائحة؛ لقمع المُعارضة، وكبح جماح فعاليتها؛ بينما كان يُحاول إضفاء مزيد من الشَّرعية على حُكم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي طالت فترة ولايته، حسبما رأت بلقي بيجومان بيحان، الباحثة المتخصصة في الديمقراطية والسياسة المقارنة لدى كلية لندن الجامعية.

وقالت الباحثة في مقالها الذي نشره موقع "ذا كونفرزيشن"، الأمريكي، قامت "عاجل" بترجمته، إنَّه منذ إعادة انتخاب حزب (العدالة والتنمية) في عام 2007م، كانت هناك عمليات قمع مستمرة ضد خصوم أردوغان، والتي اشتدت بعد محاولة الانقلاب عام 2016م. لقد وفرت أزمة تفشي فيروس كورونا المُستجد ما يحتاجه النظام من مُبررات لممارسة سياسة القمع بحق المُعارضة.. لقد وفرت أزمة الفيروس التاجي للنظام الآن زاوية جديدة يبرر بها القمع.

• تشديد الخِناق على وسائل التَّواصل الاجتماعي

وأفادت «بيحان» أنَّه خلال الوباء، كانت إحدى استراتيجيات النظام تعزيز حملات القمع ضد وسائل التواصل الاجتماعي المنصة الوحيدة حاليًا للمعارضين للتعبير عن آرائهم. قد أصبح هذا ممكنًا بحجة القوانين القائمة التي تسمح للحكومة بالتحقيق مع شخص ما بتهمة إثارة "الذعر والخوف"، أو حث الناَّس على "عصيان القانون"، أو "الكراهية والعداء".

وأشارت الباحثة البريطانية إلى أنه منذ بداية الجائحة، تم اعتقال أكثر من 500 شخص بموجب هذه الأحكام، كان الاتهام الأكثر شيوعًا هو انتقاد إدارة الحكومة لأزمة تفشي مرض (كوفيد-19) على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولفتت إلى أنَّ المستهدفين هم من خلفيات مختلفة، بداية من المواطنين العاديين إلى الصحفيين والسياسيين. وفقًا لمنظمة (العفو الدولية)، تم اعتقال (مالك يلماز)، سائق الشاحنة واستجوابه (على الرغم من إطلاق سراحه لاحقًا)؛ لمجرد مشاركته مقطع فيديو أعلن فيه قائلًا: "إنَّ الفيروس عاجز عن قتلي؛ ولكن نظامك هو الذي يقتلني."، تزامنًا مع ذلك، يتم التحقيق مع (فاتح بورتاكال)، المُذيع الإخباري؛ لنشره تغريدة على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تنتقد فيها سياسات الحُكومة الاقتصادية المُتعلقة بالفيروس.

وأوضحت «بيجان» أنَّه لا تزال منصات وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من المنافذ القليلة في تركيا؛ حيث يستطيع الناس التعبير عن انتقاداتهم؛ إذ تخضع وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة الرئيسية بشكل كبير لنفوذ النظام. حتى قبل حدوث الوباء، كانت هناك جهود من قبل الحكومة للحد من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل رئيسي من خلال الترهيب.

وتابعت القول إنَّه في عامي 2018م، و 2019م، حققت وزارة الداخلية في أكثر من 96 ألف حساب على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة؛ لتشجيع الرقابة الذاتية. على الرغم من أن هذا كان فعالًا إلى حد ما؛ إلا أنه لا يزال هناك قدر كبير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت أنَّه في إبريل، تضمن مشروع قانون بشأن الإجراءات الاقتصادية؛ لمعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، مقالات تهدف إلى زيادة سيطرة النظام على منصات وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من حذف المقالات في نهاية المطاف، لم يتخل النظام عن فكرة وجود قبضة أكثر إحكامًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

في أوائل شهر يوليو، أعلن أردوغان عن رغبته في "إغلاق منصات التواصل الاجتماعي أو السيطرة عليها تمامًا"؛ معللًا ذلك بأنَّها "لا تناسب هذا البلد وشعبنا". في الـ21 من يوليو، قدَّمت الحكومة تشريعًا مقترحًا إلى البرلمان يهدف إلى زيادة سيطرة الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي. إذا تم تمريره فستضطر شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود ممثلين في تركيا، والرد خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة على طلبات حذف المحتوى "المُسيء".

• تقويض المُعارضة

وأوضحت الباحثة البريطانية أنَّ تركيا تحتل المركز الخامس عشر في العالم من حيث عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19)، إذ بلغ عدد المُصابين 221,500 حالة، بينما بلغ عدد الوفيات 5,500 مريض. على الرغم من تباطؤ معدل الإصابة بعد الذروة في إبريل؛ إلا أن الفيروس انتشر على نطاق واسع؛ حيث أبلغت جميع المحافظات التركية الـ81 عن حالات إصابة.

ورأت الباحثة «بيجان» أنَّ حزب (العدالة والتنمية) يبدو حريص على المطالبة بالثناء على جهود السلطات التركية وحدها في إدارة أزمة كورونا. تم فرض حظر على عديد من حملات التبرع المحلية التي تديرها المعارضة، ووقف النشطاء الذين أطلقوا برامج مستقلة للإغاثة من الأزمات. أعلن النظام أن هذه الحملات بحاجة إلى موافقة مسبقة من الحكومة المركزية، بينما تغض الطرف عن حملات مماثلة من قبل البلديات التي يديرها حزب العدالة والتنمية.

يبدو أن سياسة منع المساعدات محاولة لتقويض المعارضة، لا سيما في بلديات مثل إسطنبول التي خضعت لسيطرة حزب الشعب الجمهوري، في الانتخابات المحلية في إبريل 2019م. يُنظر إلى عمدة إسطنبول الجديد (إكرام إمام أوغلو) على أنه أمر خطير يُهدد وجود (أردوغان).

إلَّا أنَّها رأت أن جهود (أردوغان لم تأت بثمارها المرجوة أمام مواصلة (إكرام إمام أوغلو) تنظيم حملات المساعدة في إسطنبول؛ على الرَّغم من الحظر، مشيرةً إلى مواجهة (أوغلو) الآن تحقيقًا مستمرًّا من قبل وزارة الداخلية. مع ذلك، يبدو أنَّ جهود حزب (العدالة والتنمية) جاءت بنتائج عكسية، وزادت شعبية (إمام أوغلو) بشكل أكبر وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة.

• البحث عن الشَّرعية

قالت الباحثة إنَّ الوباء مكَّن (أردوغان) من تحسين سمعة تركيا الدولية المحطمة، وتعزيز شرعية نظامه في الخارج. إنَّ التوزيع الواسع النطاق للحكومة للمساعدات الإنسانية؛ على الرغم من احتمال حدوث نقص داخل البلاد، سمح للنظام بإصلاح العلاقات مع الولايات المُتَّحدة، وأوروبا.

كما استخدمت الدولة المساعدات لدعم موقعها في البلقان، وتحسين علاقاتها مع الخصوم الإقليميين. تُكسب هذه الإجراءات تركيا حلفاء تشتد الحاجة إليهم، ما يخفف الانتقادات الدولية لتدخلات أردوغان العسكرية في سوريا وليبيا.

على الصعيد المحلي، تُحاول حكومة (أردوغان) في التستر في عباءة الإنسانية؛ بعد الإجراءات القمعية تجاه خصومها؛ ومن ثمَّة دعم شرعيتها في أعين الجمهور. من خلال القيام بذلك، يأخذ (أردوغان) صفحة من كتاب اللعب للمؤلفين في جميع أنحاء العالم من خلال السعي للترويج لصورته بوصفه الحاكم الرشيد.

اقرأ أيضًا

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa