نجح الاقتصاد الروسي حتى الآن في تقديم أداء جيد بشكل عام، رغم العقوبات الغربية القاسية المفروضة بحق موسكو؛ بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، كما أصبحت عملة الروبل الروسية العملة الأفضل أداء هذا العام.
وأثبتت أسعار النفط المرتفعة من جديد أنها عامل دعم حيوي للاقتصاد الروسي المعتمد على النفط. ومع ذلك، فإن نقص الإمدادات في بعض قطاعات الاقتصاد الروسي بدأت تظهر خسائر فادحة، حسب تقرير لقناة «فرانس 24».
وسجلت العملة الروسية ارتفاعًا إلى المستوى الأعلى منذ سبع سنوات أمام الدولار، خلال تداولات الإثنين، وتجاوزت التوقعات بأن تصبح العملة الأفضل في العالم من حيث الأداء هذا العام، بعد أن خسرت نصف قيمتها تقريبًا، بعد أيام من انطلاق العمليات العسكرية في أوكرانيا.
وركز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشكل خاص على أداء العملة الروسية، وذلك خلال كلمته أمام المنتدى الاقتصادي الدولي المنعقد في مدينة سانت بطسبرج منذ أيام، معتبرًا أن العقوبات الغربية بحق بلده غبية ولم تنجح.
ورغم الصمود الذي أبداه الاقتصاد الروسي حتى الآن، إلا أن محللين يرون أن السيناريو الأسوأ لم يحل بعد بالنسبة إلى موسكو.
ويرى محللون أن العقوبات الغربية القاسية تحرم روسيا من تدفق احتياطات العملة الأجنبية، وبالتالي تحرمها من السبل الأساسية للحفاظ على قيمة عملتها المحلية.
وتعامل البنك المركزي الروسي مع هذا السيناريو برفع أسعار الفائدة إلى 20%، وفرض قيود صارمة على رأس المال والشركات والمواطنين على حد السواء. ويبدو أن خطة المركزي الروسي قد نجحت، وهو ما عكسه ارتفاع الروبل.
وقال المحلل الاقتصادي الفرنسي، جوليان فيركويل: «قيمة العملة المرتفعة هي نعمة لا يمكن إنكارها. في بداية الحرب، خشيت روسيا من ذعر مالي قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، والقضاء على الثقة في العملة الروسية».
وتابع: «على صعيد آخر، القيمة الحالية للروبل عالية جدًا لدرجة أن المنتجات روسية الصنع غير قادرة على المنافسة ضد المنافسين الأجانب من حيث السعر. قد يعقد ذلك سياسة استبدال الواردات التي دعا إليها بوتين».
لعبت أسعار النفط المرتفعة عالميا لصالح الاقتصاد الروسي حتى الآن. ولاتزال المنتجات البترولية تمثل 60% من الصادرات الروسية إلى الخارج.
ومع ارتفاع الأسعار، بلغت إيرادات موسكو من صادرات الوقود الحفري حوالي 93 مليار يورو، خلال المئة يوم الأولى من الحرب في أوكرانيا، كما كشفت بيانات رسمية.
ورغم الحديث الصاخب في العواصم الأوروبية، والضغوط التي تمارسها أوكرانيا، إلا أن 61% من الصادرات البترولية الروسية اتجهت إلى أوروبا، بعائدات بلغت 57 مليار يورو.
ومع ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي فرض حظر تدريجي على واردات الغاز والنفط الروسية، في جولة سادسة من العقوبات فُرضت، بداية يونيو الجاري، على أن يتم تخفيض الواردات الروسية بنسبة 90% بحلول العام 2023
وفيما يتعلق بأداء القطاعات الخدمية المالية في روسيا تحت مغبة العقوبات الغربية، يشير التقرير إلى أن قطاع الخدمات المالية خفف حتى الآن من تأثير العقوبات الغربية.
لكن في الوقت نفسه تأثرت القطاعات الصناعية بشدة بسبب العقوبات، خصوصا صناعة السيارات، التي شهدت تراجع بنسبة 78.5% في مبيعات السيارات على أساس سنوي.
كان هذا نتيجة مغادرة عملاقة تصنيع السيارات في العالم لروسيا، مثل «مرسيدس بنز» و«رينو» و«فولكسفاجن» وغيرها.
في مواجهة اضطرابات الإمداد، اضطرت صناعة الطيران الروسية أيضًا إلى التعامل مع قرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية، مما أدى إلى تعطيل السفر الجوي إلى حد كبير مع ارتفاع أسعار التذاكر الروسية بشكل كبير.
وإلى جانب قطاعات مثل النفط والتعدين، التي أظهرت أداء جيد نسبيا، رغم تسجيل انخفاض ضئيل في الإنتاج بلغ على أساس سنوي بنسبة 1.6% و2.1%على التوالي، إلا أن قطاعات مقل صناعات الأدوية والمشروبات الصناعات سجلت نموًا هي الأخرى.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو هل يستطيع الاقتصاد الروسي الحفاظ على هذا الأداء لفترة طويلة.
فحتى الآن، أظهر الاقتصاد الروسي قدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية، مع تراجع طفيف في الإنتاج. لكن على المدى المتوسط إلى الطويل، سيكون للعزلة الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا عواقب وخيمة على مستويات المعيشة بشكل عام.
ورغم أن العلاقات الروسية القائمة مع الحلفاء في آسيا قد تمتص بعض الضرر، لكن مراقبين يستبعدون أن تنجح في إزال الضرر بشكل كامل، أو تعويض ما تسلبه العقوبات الغربية.