أخبار فنية

الرائد المسرحي عمر الجاسر في حوار شامل مع" عاجل": أخيرًا ..عدنا مجتمعًا طبيعيًا !

تحدث عن مشروعه القادم و تصوره لمستقبل الفن السعودي

فريق التحرير

كشف الرائد المسرحي عمر الجاسر عن خطوة مهمة يشارك فيها عدد من الفنانين والمثقفين والإعلاميين  للارتقاء بمختلف الفنون بمنطقة مكة المكرمة، في ظل التطور الكبير الذي تشهده المملكة في إطار تنفيذ "رؤية 2030"، التي أعادت السعودية إلى طبيعتها بعد ثلاثة عقود مما وصفه بـ"الغفوة".

ولم يفصح الجاسر عن تفاصيل هذه الخطوة، واكتفى بالإشارة إلى أنها تسعى لتلبية قدر من الاحتياج الثقافي والفني للمجتمع السعودي، لافتًا إلى أن قائمة المساهمين معه تضم أسماء بارزة من مختلف الأجيال، أملًا في الاستفادة من خبرات وطاقات الجميع.

ويحفل السجل الفني للجاسر بالكثير من المساهمات المهمة على امتداد نحو 40 عامًا، فهو مؤسس أول فرقة مسرحية خاصة في المملكة، كما أنه صاحب مبادرة إنشاء أول مسرح سعودي في العقود الأخيرة، فضلًا عن تأسيس أول فرقة مسرحية للطفل، وقيامه بتأليف وإخراج عشرات النصوص المسرحية التي عرضت في مهرجان الجنادرية و المهرجانات العربية والدولية.

وبتقدير الجاسم، فإن عودة المجتمع السعودي لطبيعته المعروفة ستتيح لجموع الفنانين والمبدعين أن يقدموا مساهماتهم في إطار رؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز. 

وقال الجاسر في حوار مع" عاجل" إنه يتوقع من الجميع أن يقوم بواجبه لصالح المجتمع السعودي، الذي عاد مع ولي العهد إلى سماته الحقيقية وأهمها الانفتاح والتسامح والبساطة، مضيفًا أن الرغبات الدفينة لدى عموم السعوديين باتت معلنة، بعد أن كانت تتردد "همسًا" وفي نطاق ضيق.

ونوه الجاسر إلى الدور المحوري الذي تؤديه وزارة الثقافة في التأسيس لعودة الحياة الفنية إلى ربوع المملكة،  مشيرًا إلى أهمية توفير بنية أساسية تواكب التطورات القادمة، خاصة مع دخول جيل جديد من السعوديين والسعوديات المؤهلين أكاديميًا للعمل في المسرح والسينما والدراما.

وتطرق الجاسر، خلال الحوار الذي جرى بالعاصمة المصرية، إلى عدد من القضايا الأخرى المهمة، كرؤيته لمستقبل المسرح في السعودية ودور كل من وزارة التعليم ووسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات الفاعلة في دعم وتعزز النهضة الثقافية ، التي يقودها ولي العهد ..فإلى نص الحوار:

- كيف ترى التحول الذي تشهده السعودية في إطار "رؤية2030"؟

المجتمع السعودي لا يشهد تحولًا.. هذه طبيعتنا؛ مجتمعنا  ببدوه وحضره كان - منذ نشأة المملكة- منفتحًا على الأخر ويتقبله، لكن جاءتنا مرحلة الغفوة التي أثرت علىنا بعض الشيء ..أثرت على الشكل العام و تسببت في تأخيرنا بعض الشيء.

مع ذلك؛ هناك عوامل عديدة ساعدت مجتمعنا على الحفاظ على خصوصيته المعتدلة، ومن ذلك السفر للخارج والتفاعل  مع التجارب الفنية والثقافية للمجتمعات الأخرى، سواء مصر أو غيرها. كما كان للفضائيات والانترنت دورًا في اطلاعنا على العالم، لنبدأ في تحقيق الرغبة الدفينة لدينا في مواكبة التطور في العالم، وتنمية ثقافتنا، ولكن بنوع من الحذر.
أما الفترة الحالية، والتي أسميها بـ"العصر الذهبي"، فقد أوجدتها "رؤية 2030"، التي جعلتنا نعلن أحلامنا بصوت عال، بعدما كنا نتحدث عنها بالهمس وفي نطاق محدود.. هذه الرؤية أعادتنا كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى طبيعتنا المتسامحة المنفتحة المحبة للأخر.

وتقديري، أننا قادرون – بحول الله تعالى- على تجاوز المرحلة السابقة، خاصة وأن هناك جيلًا شابًا راغب في تحقيق هذه الرؤية ومؤيد لها، وفي ذلك لابد من الإشارة إلى أهمية ما أحدثه  برنامج الابتعاث على صعيد تأهيل عدد كبير من الشباب القادر على تغيير بعض الأنماط الاجتماعية التي اكتسبناها مكرهين، وليست من ديننا ولا من عاداتنا.

في هذا الإطار أيضًا؛ بدأت المرأة تأخذ حقها الطبيعي في مختلف المجالات، وعن نفسي أحمد الله أني أدركت  هذه اللحظة في هذه السن.. لحظة عودتنا إلى المجتمع  الطبيعي الذي ولدت وعشت طفولتي  وبعضًا من شبابي فيه، عندما كانت السينما موجودة في المنازل و السفارات والفنادق ، دون وجود أي ممانعة اجتماعية.

- كيف كانت ملامح هذا المجتمع، كما سجلتها ذاكرتك؟

تحتفظ ذاكرتي بكثير من الأمور التي تؤكد أننا كنا مجتمعًا طبيعيًا. مثلًا؛ وأنا طفل، كان والدي – رحمه الله- يحضر بمجرد أن يستلم راتبه في نهاية  الشهر أحدث الأفلام السينمائية، خاصة المصرية منها، ويضعها في آلة العرض لنشاهدها داخل حوش المنزل مع جيراننا؛ رجالًا ونساءً وأطفالًا.

شاهدنا في هذه الفترة عددًا كبيرًا من كلاسيكيات السينما العربية ..كنا طبيعيين، نشاهد جميعًا الفيلم ونتفاعل معه، في وجود النساء، دون أن يثير ذلك أي مشاكل.

اليوم؛ نعود لهذا المجتمع، سمحوا بالسينما و بالمسرح. كما سمحوا للمرأة بدخول دور العرض و العمل في السينما والمسرح ..

هل يعني ذلك أن "رؤية 2030" فجرت لدى السعوديين رغبتهم في أن يكونوا طبيعيين، أم أنها مثلت استجابة لهذه الرغبة؟.

الرؤية عكست طبيعتنا التي كانت مغيبة. تخيل؛ كنا نذهب بأسرنا وأولادنا إلى مصر وغيرها من الدول لنشاهد الأفلام السينمائية والعروض المسرحية، فقط لعدم وجود دور عرض ومسارح لدينا.

إنها واحدة من المفارقات الغريبة، والأغرب أن هذا المنع كان يتم بينما توجد هذه الأفلام على الانترنت  ولا يستطيع أحد منعها.. لقد أدت هذه الحالة إلى حرماننا من الثقافة السينمائية؛ ثقافة المشاهدة والنقد ، لكنها لم تستطع منع المجتمع من المشاهدة.. إنه التناقض الذي عشناه لعقود بتأثير مرحلة "الغفوة".

في هذا الإطار، أتذكر واقعة لافتة حدثت معنا في جمعية الثقافة  والفنون وقت رئاستي لها؛ نظمنا أول دورة لتعليم السعوديات العزف على البيانو، وبالتزامن مع حفل الختام كان وزير الثقافة والإعلام موجودًا في النادي الأدبي المجاور، فأقنعناه بحضور حفل الختام، فلما علم أن بين المتخرجات ثلاث طبيبات استشاريات مخ وأعصاب أبدى إعجابه وسألهن: تتركن الطب من أجل الموسيقى، فأجابت احداهن قائلة : نحن ننتظر الإجازة الصيفية لنتعلم الموسيقى في الخارج، ونضيع على أنفسنا وعوائلنا "وقت الفسحة" المتاح لنا سنويًا للراحة. فلماذا لا أتعلمها في بلدي؟!

هذا مثال واحد على أن المجتمع مقبل على المجالات الفنية المختلفة، وإليه اضيف أننا وجدنا إقبالًا مماثلًا في عدد من الأنشطة التي نظمناها، ومنها: أول لجنة مسرح نسائي، برنامج " ساعة فن" وهو للنساء فقط، ومن خلاله كانت الفتيات يقدمن مواهبهن أمام الجمهور، ليكتسبن الثقة، مع شعور أسرهن بالفخر. في السابق؛ كانت البنت تقوم بذلك في نطاق ضيق، لا يسمح لهن بالتفاعل مع المتلقي.

تقصد أن عموم المجتمع مقبل على هذه الفنون؟

الإقبال كبير...مجتمعنا متعطش لأنه رأى العالم، خاصة أبناءنا الذين التحقوا ببرنامج الابتعاث، سواء كان ذلك في دول عربية أو أجنبية، هؤلاء عادوا متحمسين للعودة إلى المجتمع الطبيعي الذي سمعوا عنه من أجدادهم و أبائهم، ثم شاهدوا شئيًا منه في الخارج.

بتقديرك ؛ ألا يحتاج هذا التوجه إلى ثقافة مجتمعية تدعمه ؟.

الثقافة موجودة فغلًا ، بدليل أن ما كان مطربونا الكبار يغنونه بالخارج وكنا نذهب إلى عواصم العالم لسماعه، هو نفسه الذي يغنونه بالداخل.. المطربات السعوديات والعرب يغنين داخل السعودية ، الأمر صار عاديًا.
بذكر هذه الفعاليات ؛ كيف  ترى دور هيئة الترفيه؟

هيئة الترفيه قامت- ولا تزال - بدور كبير، لكنني كمحب لوطني وللهيئة لي عتب عليها  في مسألة  التركيز على "استيراد الترفيه"، دون دعم الفنانين من أبناء السعودية.

نعم؛ نحن نحتاج لمثل هذا الترفيه، سواء كان قادما من الدول العربية أو الأجنبية، لكن لا يجب أن يكون ذلك هو كل شيء.. لابد من وضع سقف لـ"الترفيه المستورد"، وتوجيه جزء من الدعم للفنانين السعوديين، خاصة في ظل وجود تمويل ضخم للفعاليات الفنية والترفيهية.

مثلًا؛ بإمكان الهيئة أن تستقطب خبراء عالميين لتدريب وتطوير الجيل الشاب من السعوديين كخطوة باتجاه صناعه ترفيه محلي  قادر على الاستمرارية والتطور ..اليوم؛ لدينا حفلات غنائية لمحمد عبده وراشد الماجد وعبدالمجيد عبالله وغيرهم من كبار المطربين السعوديين، لكن ماذا عن جيل الوسط والشباب؟. متى يحصلون على فرصتهم؟. يمكن أن نقيم لهم حفلات بأسعار دخول منخفضة ، حتى يثبتوا أقدامهم، بدلًا من غنائهم في الاستراحات والمطاعم  
في تصوري أن تعزيز ثقة هؤلاء الشباب أمر ضروري، حتى ينهضوا بالفن مستقبلا، وهنا اذكر – كمثال – تجربة فرقة رضا للفنون الشعبية في مصر، فقد تم جمع أكثر من 100 شخص من المهتمين بالفنون الشعبية وأرسلوهم إلى روسيا للتدريب والتطور، فعادوا ليحافظوا على الفلكلور المحلي و يطورونه ، قبل أن يقوموا بتصديره للخارج في مراحل تالية.

 قد يرد البعض على هذا المطلب بأن المملكة لا تتوافر على كوادر كافية للانخراط في مثل هذه الأنشطة، أو أنها لا تملك المقومات؟

اختلف مع هذا الرأي، وما أقوله هو أنه يمكننا أن نخصص 30% أو 40% من الميزانية الحالية  لـ"الترفيه المستورد"، على أن نبدأ في العمل على البنية التحتية والكوادر موجودة في كل المجالات، من الجنسين ومن كل الأجيال ..نحن ننفق  ملايين الريالات لإقامة الفعاليات، ويمكننا أن ننفق 50% من هذه الملايين على فيلم سعودي أو صناعة مسرحية  ..

الاعتماد على الترفيه الأجنبي وكبار النجوم فقط، سيؤدي إلى فقداننا الجيل الجديد ..علينا أن نجرب، وقد حاولنا عمل ذلك في جمعية الفنون بجدة من خلال تشكيل فريق لما يسمى "خواطر الظلام" من الأطفال  دون 12 عامًا ، ودعونا الجهات الرسمية لاعتماد هذا الفريق وتطويره في ظل ضعف الامكانيات المتوافرة لدينا ، وكان يمكن أن يُسجل ذلك للمملكة، باعتبارها صاحبة أول فرقة أطفال في العالم تقدم هذا الفن ،لكننا لم نجد آذانًا صاغية .

هل ما زالت الفرقة موجودة؟.

لا ..حُلت الفرقة بعد أن تركت الجمعية.

 الحديث عن فرقة الأطفال يقودنا للحديث عن دور المدارس والمناهج التعليمية في دعم التوجه لتعزيز دور الفنون في المجتمع؟

أيام جيلنا، كان لدينا في جدة مدارس حكومية تعلم الموسيقى والتمثيل .وفي مدارس "دار الحنان" التابعة للملكة عفت ( زوجة الملك فيصل رحمه الله)، كانت توجد معلمات موسيقى وتصوير وتمثيل، لكن مع مجئ "الغفوة" توقف كل ذلك ، فهزل المسرح المدرسي.

ألآن؛ خطت وزارة التعليم خطوات إيجابية، خاصة مع "رؤية 2030"، حيث اتفقت مع وزارة الإعلام وجمعية الفنون والهيئة العربية للمسرح على وضع خطة طموحة لإعادة المسرح المدرسي. كما بدأت تقيم مهرجانات وتبتعث الموجهين المدرسيين إلى مصر لأخذ دورات قصيرة  في هذه الفنون. كما بدأت الوزارة في ابتعاث الطلبة  والطالبات لدراسة  المسرح والسينما و الإخراج في الخارج...أصبح الجميع يدرك أن المسرح  المدرسي هو الركيزة للوصول إلى المستقبل..
في الجامعات أيضًا، وبعد فترة من التركيز على المسرح التجريبي، الذي كان يعني تهجير تجربتنا المسرحية للعرض بمهرجانات الخارج فقط، تحركت الأمور باتجاه العودة إلى المسرح الحقيقي،الذي كنا نقدمه فيما قبل "الغفوة"، وشمل عروض من المسرح العالمي لأشهر الأدباء و المبدعين الأجانب. اليوم؛  يوجد ترحيب بجميع المدارس المسرحية، وحسب معلوماتي ،فإن وزارة الثقافة تتجه إلى التصريح لمعاهد تجارية خاصة في مختلف مجالات  الفنون. كما أن هناك أكاديميات رسمية متخصصة ستنشئ خلال الفترة المقبلة . بدأنا نتدارك ما فاتنا.

هل هذا الإقبال يدل على أن الاستعداد كان موجودًا طوال العقود الماضية؟

ما عدا التيار المتزمت، وهو أقلية صغيرة ..أقول إن كل سعودي،  داخله فنان، ولديه طموح وأمل وإبداع  وسلام. وما ساعدنا في الانطلاقة الحالية هو القراءة والانترنت والفضائيات، حيث أنها حافظت لنا مجتمعة على ارتباطنا  بالتطور العالمي، والحق أقول إني لم أتوقع أن نكون مستعدين للحظة الانطلاق التي أحمد الله أنني عشت حتى رأيتها.. إنها لحظة عودة الأمل لمجتمعنا.

مع هذه الانطلاقة ، كيف تتوقع دور المرأة في المجال الفني، بعد اعتياد المجتمع لعقود طويلة على خطاب مضاد؟

دور المرأة السعودية قديم، ولدينا الدكتورة ملحة العبدالله من رواد المسرح السعودي، تدرس في مصر  وتلاميذها من مختلف الدول، مع العلم أنها من الجنوب .. الآن ؛ نحن  نجسد أعمالها  ونرحب بها لتساهم بما تملكه  من علم وخبرة في هذه اللحظة المهمة، لدينا أيضًا الفنانة مريم الغامدي ، وهي ممثلة ومذيعة ، تشارك في  الدراما الإذاعية و التليفزيونية، وهي أول فنانة سعودية يظهر صوتها على المسرح، وكان ذلك في عام 1988.

يومها؛ سجلت صوتها مع الفنانة جواهر بنا و أدخلتها في مسرحية  لجمعية الثقافة و الفنون استخدمت  فيها خيال الظل كي أوجد وجوها نسائية في العرض. رحب الجمهور بهذه الخطوة، وهناك أيضًا من انتقد وهاجم، لكنها مرت بحمد الله.
الآن؛ صار كل ذلك من الماضي فالمرأة اليوم تشارك في السينما و المسرح دون أي قيد . العام الماضي، خرجت جامعة عفت بجدة 30 فتاة سعودية متخصصات في التمثيل و الإخراج وكتابة السيناريو و أفلام الكرتون.
عندنا أيضا مخرجات سينمائيات معروفات، و أظن أن دور المرأة سيتسع بمجرد اكتساب الثقة .
 
برأيك ؛ كيف أثر توجه القيادة في تعزيز دور المرأة السعودية ؟

بالتأكيد ؛ دور القيادة هو الأهم، وما حدث في السنوات الأخيرة دليل على ذلك. هناك أمور كانت شبه مستحيلة، لكنها أصبحت -  مع وجود قيادة شابة طموحة ومبادرة- أمرًا طبيعيًا..

فيما يتعلق بالبنية التحتية، ما هو تصورك لها في ظل دخول شركات خاصة مجال الاستثمار في دور العرض السينمائي؟

الأمر بسيط؛ لدينا العديد من المراكز الثقافية التي تضم قاعات عرض حديثة يمكن الاستفادة بها. هناك أيضا بعض المسارح الحديثة التي تصلح للعروض السينمائية. أما المراكز والقاعات غير المؤهلة، فينبغي أن نعيد تأهيلها، حتى تستجيب لحاجة المجتمع.

لابد أيضا من بناء مراكز ثقافية شاملة تحتوي على قاعات عرض لكل الفنون، على غرار مركز الملك فهد في الرياض، الذي يمثل نموذجًا في هذا المضمار. وتقديري أننا بمثل هذه الخطوات، يمكن أن نلبي حاجة جيل سعودي متعطش للثقافة والفنون. هنا أشير إلى مركز الملك فيصل في جدة، الذي يحتوي على أحدث التقنيات ، لكنه يعمل مرة واحدة كل خمس سنوات، لماذا لا نستفيد به في دعم الأنشطة والعروض الفنية؟.

 هل يشمل ذلك  بناء مراكز ثقافية المدن الرئيسة أم عموم المملكة؟

نعم. يشمل عموم المملكة، فقد اختفى الفارق التقليدي بين المدن وبعضها البعض، وبين المدن والقرى.. اليوم؛ الشاب في القرية يملك نفس طموحات  أخيه في المدينة ، ولا بد أن نوفر له الامكانيات التي تساعده على إظهار موهبته. 

هناك من يرى أن القطاع الخاص هو الأجدر بهذه المهمة، باعتبار أن الفن سلعة ؟

اختلف مع هذا الرأي، فالفن يجمع بين الاقتصاد والإعلام  والترفيه، ودليل ذلك أن فيلمًا من 5 دقائق أو فيلم أو رواية أو أغنية يمكن ـ يمكنه تغيير مفهوم العالم عن جانب معين في المملكة ، لكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا إذا وجد المبدع دعمًا يساعده.

وكمثال؛ أذكر أنني التقيت الأمير نايف بن عبدالعزيز ( رحمه الله)، وطالبته بدعم الفنانين السعوديين، فسألني: أين هم هؤلاء الفنانون؟، فأخبرته أنهم لم يجدوا حلًا إلا العمل في قطاعات الدولة لغياب الدعم عنهم . يومها، عرضت عليه مسرحية "زراعة الشوك" التي قدمتها خلال أزمة غزو العراق للكويت، فاعتمدها وأجاز عرضها ، فكان ذلك عملًا سياسيًا وثقافيًا في نفس الوقت.

مشكلتنا دائمًا أننا تعودنا  أن يأتي كل شيء جديد من القيادة. أما الجهات الأدنى فقد اعتادت أن تكون تنفيذية فقط   ، دون أن تنتبه لأهمية المسرح وتأثيره المؤكد في حياة الناس. نحن لم نهتم بدور المسرح ولا السينما.
تأثير السينما كبير جدًا في الوجدان، بدليل أن تأثرنا بالسينما المصرية التي شاهدناها ونحن أطفال مازال باقيًا حتى اليوم.

 هل ترى أن فصل وزارة الثقافة عن الإعلام يساعد في نجاح الانطلاقة الفنية بالسعودية؟

نعم .. بالتأكيد، وتقديري أن هذه الخطوة تأخرت كثيرًا، لكن الحمد لله أنها تمت، فوجود وزارة خاصة بالثقافة سيساعد كثيرًا ، خاصة وأن الوزير أمير شاب وطموح ومتآن . ونحن نؤمل عليه كثيرًا في تحقيق نقلة موضوعية.

ما هي الخطوات أو المقترحات التي يمكن لك أن تقدمها لوزارة الثقافة؟

أعلم أن هناك جهد كبير يبذل داخل الوزارة، و أحسب أن اللجان المعنية قد وضعت يدها على الخطوات الأساسية، التي أتصور أن أولها هو وضع قاعدة بيانات شاملة للثقافة والمثقفين في المملكة، مع تدشين موقع الكتروني عالمي بكل اللغات  يترجم هذه البيانات لجميع الشعوب، الاهتمام بالبنية التحتية، دعم وتسويق الأعمال الفنية السعودية  في الداخل والخارج ، إطلاق موقع "يوتيوب" ثقافي، إعادة إطلاق القناة الثقافية.

ننتقل لدور الإعلام في دعم الحركة الفنية السعودية ، في ظل التطورات التقنية الهائلة؟

التطور التقني سيؤثر بقوة على الإعلام، فمن خلاله اتجهت الصحف إلى إطلاق مواقع الكترونية، كما أنها ستضطر مستقبلًا إلى تقليص عدد صفحاتها الورقية، بما يجعلها تكتفي بالنقد الهادف و الموضوعات الفنية الجادة.. وهذا كله من شأنه أن يدعم الفنون في السعودية.
 

بافتراض أن كل هذه الجهات قامت بأدوارها، ماذا عن المثقفين والفنانين؟

دور المثقفين والفنانين مهم جدًا من خلال تفاعلهم الإيجابي مع حركة المجتمع، وتعزيز التوجه الحالي من خلال مبادراتهم الفردية و الجماعية . وهنا أشير إلى أنني، بمشاركة عدد من الفنانين و المثقفين والإعلاميين، نجهز لخطوة أتوقع أن تؤثر بشكل كبير في مسار الحركة الثقافية السعودية ، لكننا لن نعلن عنها إلا بعد اكتمال مقوماتها. 

ما هي الملامح العامة لهذه الخطوة؟

محاولة من مجموعة من الفنانين والمثقفين و الإعلاميين الذين ينتمون لمختلف الأجيال، من الرجال والنساء لتقديم تجربة جديدة  لتقديم منتج فني يناسب المرحلة الحالية ويلبي احتياجات المواطن السعودي في منطقة مكة المكرمة.

هل ستقتصر هذه الخطوة على منطقة مكة المكرمة؟

نعم.. وقد تعمدنا ذلك، حتى نترك لزملائنا في باقي المناطق حقهم في المبادرة وتقديم جهدهم .

ما هي أبرز الاسماء المشاركة في تجربتكم الجديدة؟

كثيرون، ومعظمهم اسماء بارزة و شهيرة.

أخيرًا ؛ كيف تتوقع المشهد الفني في السعودية في عام 2030؟

أنا متفائل جدًا في ظل المعطيات الحالية، و الحقيقة أن المقدمات مبشرة جدًا.. وتقديري أنه لو تعاونت الجهات التي تحدثنا عنها وتحلت بروح الشراكة ، بدلًا من التنافس، سيكون لدينا مشهدًا فنيًا مبهرًا  بحلول عام 2030.
 

مرر للأسفل للمزيد