تعاني مجتمعات الحاسيديم في نيويورك، من عدد كبير من الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، خاصة في حي ويليامزبرغ في بروكلين.
ويظهر مقطع فيديو تم تداوله على الشبكات الاجتماعية، جنازة مكتظة بمئات من الأشخاص خلال الأسبوع الماضي في حي ببروكلين، حيث تزدحم الأرصفة برجال يرتدون ملابس سوداء وقبعات مستديرة وطويلة، وفي الخلفية، يمكن سماع صفارات إنذار سيارات الشرطة التي اقتحمت الحشد، طالبين التفرق واحترام التباعد الاجتماعي، وبينما توجه كثيرون ببطء نحو منازلهم، وتوقف آخرون في انتظار انتهاء المراسم.
وبحسب تقرير لموقع «إنفوبي» الإسباني ترجمته «عاجل»، يُنظر إلى أي تجمع اليوم على أنه مفارقة تاريخية، كشيء قديم، أولئك الذين يشيعون موتاهم المحبوبين في ذلك المشهد، لا يدركون أن وجودهم في هذا المكان المزدحم يمكن أن يجعل هذا الألم والحزن يتضاعف في غضون أيام قليلة.
وأصبحت ولاية نيويورك مركزًا لوباء فيروس كورونا في الولايات المتحدة، عشرات الآلاف من الإصابات وآلاف من الوفيات.
وخلال الأيام الأخيرة، أصبح من المعروف أن أحد القطاعات الأكثر تضررًا كان اليهود الأرثوذكس المتطرفين، في تلك المجتمعات كان هناك أكثر من 300 حالة وفاة.
ولا يبدو أن الرقم يتوقف، ففي أحياء مثل بورو بارك وكراون هايتس وميدوود، تكون الحالات الإيجابية أعلى بكثير من المتوسط في بقية الولاية، في كل منهم هناك تجمع كبير للحاسيديم.
في هذه الأحياء، عدد الإصابات مرتفع لدرجة أن هذه المناطق من بين الأكثر تضررًا في الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال مقاطعة روكلاند، هي الثانية في الترتيب بأعلى نسبة من الاختبارات الإيجابية في البلد بأكمله.
وترجع هذه المعدلات العالية للإصابة بكورونا إلى أسباب مختلفة، منها عادات وطقوس الحاسيديم القديمة المتجذرة للغاية بين معتنقيها لدرجة أنهم يجدون أنه من غير المعقول تعديلها، فالرجال لديهم ثلاث صلوات جماعية يومية، والاحتفالات في المعابد غير قابلة للإلغاء والأسر بها العديد من الأفراد، وكل عطلة يتجمع فيها جميع أفراد الطائفة، بالإضافة إلى حفلات الزفاف والجنازات وأنشطة أخرى.
في أوائل أبريل، اضطرت سيارة إطفاء في نيويورك مع العديد من الضباط، إلى قطع حفل زفاف عزفت فيه فرقة موسيقية بصوت عال أثناء رقص 200 ضيف.
كما تداولت الصحف الأمريكية ووسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لجنازة يشارك فيها مئات الرجال، وموكب به تابوت يحمله مجموعة من الشباب، وحاولت السلطات تفريقهم دون جدوى.
وحتى منتصف مارس، عندما منع حاكم نيويورك أندرو كومو، تجمع أكثر من 50 شخصًا، استمرت الطقوس والاحتفالات والتجمعات للطائفة الأرثوذكسية كالمعتاد، كما لو أن فيروس كورونا لن يقترب منهم.
ويشير العديد إلى أن بعض الحاخامات شجعوا الاجتماعات ورفضوا إغلاق المعابد، ولكن للأسبوع الثالث من مارس، حدث المتوقع وتلقت تلك الطائفة ضربة قاسية للغاية في شكل إصابات خطيرة بالفيروس، حتى الموت.
ولم يكن ما قامت به هذه الطائفة اليهودية مجرد تحدٍ أو نوع من العصيان المدني من المواطنين، بل كان الاستمرار في نمط حياتهم، ما يعتبرونه وفاءً بالمبادئ الدينية وعدم قبول الوضع الاستثنائي الذي يعاش.
وهناك العديد من الأسباب لعدم سرعة رد الفعل على حالة الطوارئ، فهذه الجماعات الدينية ترفض منذ القدم الاصطدام بين القوانين العلمانية والمبادئ الدينية، كما أن هذه العادات لها جذور قوية للغاية، وهم ينقلونها من جيل إلى جيل وهي أساس الحياة للعديد من هؤلاء، سواء في الاحتفالات والطقوس الدينية والمناسبات مثل الولادة أو الزواج أو الجنازات، والتي تشكل لهم أهمية كبيرة وتحتل مكانة مركزية في حياتهم.
ويتواصل أعضاء هذه الطائفة بشكل سيئ مع الخارج، وتسبب هذا النوع من العزلة في عدم وجود فكرة حقيقية لديهم عن خطورة الوضع، فالهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة وسائل الإعلام لا توجد بكثرة، وهذا له تفسير تاريخي في الجماعات الأرثوذكسية المتطرفة؛ حيث توجد لديهم عدم ثقة عميقة الجذور في العلم، وشكوك في السلطات العلمانية، سببها ما يصفونه بالمعاناة التاريخية لهم واضطهاد شعبهم من قبل غير اليهود.
وتسببت هذه الفجوة بينهم وبين التكنولوجيا الحالية في أنواع أخرى من الصعوبات، مثل التي يجدها أطفال هذه العائلات المكتظة في متابعة دروسهم، في مدارسهم الدينية، بعدما تقرر تسجيل الفصول صوتيًا، نتيجة نقص الأجهزة المحمولة في منازلهم، حيث يتناوب الأخوة ليتمكنوا من أداء واجباتهم المنزلية، حيث تتكون هذه العائلات من أعداد كبيرة من الأفراد، يصل بعضها إلى عشرة أطفال، حيث يعيشون في مجتمعات مغلقة تكون الأسر بكاملها قريبين ويقومون بأنشطتهم معًا.
وهذا ما جعل انتشار وباء كورونا بينهم سريعًا جدًا، إضافة إلى جانب آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو أن كبار السن لديهم، على عكس ما يحدث مع المجموعات العرقية الأخرى في الولايات المتحدة، يبقون مع أسرهم ويدمجون حياتهم ويعتني بهم أحفادهم إذا لزم الأمر.
كما أن هناك حدثًا آخر أحدث تأثيرًا حاسمًا، وهو تجمع عيد البوريم، وهو عطلة دينية تعزز بشكل طبيعي التجمعات العائلية، تحدث بين 10 و12 مارس، وتمثل ذلك في مواجهة موقف بعض الزعماء الدينيين الذين حثوا على تواصل الاجتماعات، فقد أثيرت شكاوى حول قرب وقوع الكارثة (أو مع الكارثة التي حدثت بالفعل)، كان هناك حاخامات معروفون بتأثيرهم على مجتمعهم، لم يراعوا التباعد الاجتماعي لتقليل انتشار الفيروس.
وهناك من يقول إن تدخل الحاخامات كان سيحدث تأثيرًا جيدًا بشكل فوري، حيث يتبع الحاسيديم القواعد بشكل مفرط، لكنهم لم يستخدموا منابرهم لتعزيز التباعد الاجتماعي، ولكن بشكل رئيس تجاهلوه، وكان على آفي بيركوفيتز مستشار دونالد ترامب، عقد اجتماع افتراضي مع قادة الحاسيديم الرئيسين في المنطقة لإقناعهم بتعليق أنشطتهم المجتمعية وإغلاق جميع مقار مؤسساتهم مؤقتًا.
وفي حدث مشابه، تجاهلت هذه الطائفة أيضا تحذيرًا منذ عامين مع تفشي مرض الحصبة في نفس المناطق، ولم يقم الآباء بتطعيم أطفالهم ولم تقدم المؤسسات التعليمية الدينية التقارير ذات الصلة إلى السلطات.
وما يزيد احتمالية العدوى بالفيروس بين هذه الطائفة، طقوس تطهير الجثة قبل الدفن، وهي عملية محفوفة بالمخاطر لمن يؤدونها.