حيرت الحرب الروسية الأوكرانية العالم مع دخولها الأسبوع الثالث، ما بين سيناريوهات حل الأزمة، التي قد تبدو غير مرضية لجميع الأطراف في الأزمة، وقد يكون أمرها سيناريو اللجوء إلى القوة النووية.
ومع تصاعد أزمة الحرب في أوكرانيا وتوابعها في العالم، بات الجميع ينتظر هذه السيناريوهات المختلفة لوضع نهاية لهذا المشهد المأساوي، أهمها خمس سيناريوهات تطرح باستمرار في كل التوقعات، وفقا للعربية نت.
هو السيناريو الذي يحلم به الغرب، وهو ما يسعى إليه أيضاً عبر استهداف الاقتصاد الروسي بعقوبات وضعت منذ نوفمبر، مع التخطيط لسلسلة أخرى يجري إعدادها، وذلك من أجل إضعاف موقع الرئيس، وسعياً لإسقاطه بالنهاية.
ومن الممكن أن يتوقف الجيش عن تنفيذ الأوامر، أو قد يتمرد الشعب عليه في وسط أزمة اقتصادية كبرى، أو يتخلى عنه أصحاب رؤوس الأموال الروسية بعد تجميد أصولهم أو مصادرتها في العالم.
غير أن مثل هذه الاحتمالات تبقى محاطة بشكوك كبرى، فقد شرح سامويل شاراب الباحث في مؤسسة راند في تغريدة، أنه وعلى الرغم من أن تغييرا للنظام في روسيا يبدو المخرج الوحيد من هذه المأساة لكنه قد يؤدي إلى تحسّن الوضع بقدر ما قد يتسبب بتدهوره.
بدوره، أبدى أندري كوليسنيكوف من مركز كارنيغي الشكوك ذاتها، مشيرا إلى أن بوتين ما زال يحتفظ بشعبيته وفق ما أظهرت تحليلات مستقلة، موضحاً أنه في الوقت الحاضر فإن الضغط المالي الغربي غير المسبوق حوّل الطبقة السياسية الروسية وطبقة الأوليغارشيين إلى "مؤيدين ثابتين" لرئيسهم.
هو السيناريو الذي وضعه بوتين، فالجيش الروسي متفوق على القوات الأوكرانية، وبإمكانه إرغام هذا البلد على الرضوخ.
غير أن هذا الاحتمال يواجه عقبات يرى العديدون أنه لا يمكن التغلب عليها.
فقد رأى المؤرخ البريطاني لورنس فريدمان من معهد كينغز كولدج في لندن، أنها حرب لا يمكن لفلاديمير بوتين الانتصار فيها، أيا كانت مدتها وقوتها، معتبراً أن دخول مدينة يختلف عن إبقائها تحت السيطرة، وفق تعبيره.
وعلق برونو تيرتريه مساعد مدير معهد البحث الاستراتيجي على عدة احتمالات مطروحة بالقول إن احتمال الضم هذا يكاد لا يحظى بأي فرصة بأن يتحقق، إما عن تقسيم أوكرانيا على غرار كوريا أو المانيا عام 1945، فرأى أنه أمر غير ممكن كذلك، ليبقى خيار أن تتمكن روسيا من دحر القوات الأوكرانية وتنصيب نظام دمية في كييف.
أثبت الأوكرانيون قدرة هائلة بتعبئتهم الشديدة بالرغم من الدمار الهائل والخسائر الفادحة.
وأشار دبلوماسي غربي إلى أن الدولة والجيش والإدارة لم تنهار، مشيراً إلى وجود صعوبات على الأرجح في السلسلة العسكرية الروسية، ما زال الوقت مبكرا لتوصيفها، وفق قوله.
فيما يعمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على تحفيز المقاومة.
كما بات بإمكان القوات الأوكرانية بدعم من أجهزة الاستخبارات الغربية وبفضل إمدادات بالأسلحة، أن تجر الروس إلى حرب شوارع مدمرة، تكون فيها معرفة الميدان حاسمة، خصوصاً أن التجربة أكدت أنه نادرا ما حققت دولة غريبة انتصارا في حرب شوارع.
السيناريو الرابع: توسّع النزاع
تتقاسم أوكرانيا حدودا مع 4 دول أعضاء في الحلف الأطلسي كانت سابقا جزءا من الكتلة السوفياتية.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية ووقوف بيلاروسيا إلى جانب موسكو، تواردت معلومات أن الأخيرة تتجه بأنظارها إلى مولدافيا، الدولة الصغيرة الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا، وصولا ربما إلى جورجيا على الساحل الشرقي للبحر الاسود.
ورأى برونو تيرتريه أن موسكو قد تحاول إسقاط التوازنات الأمنية الأوروبية والأطلسية من خلال إثارة حوادث على حدود أوروبا أو ربما من خلال هجمات إلكترونية.
وعن صدام مع الناتو، اعتبر مدير المعهد المتوسطي للدراسات الاستراتيجية الأميرال السابق باسكال أوسور أن هذا غير مرجح كثيرا على ضوء حرص الطرفين الشديد على تفاديه.
إلا أنه أضاف متحدثا لوكالة فرانس برس، أن دخول قوات روسية إلى أحد بلدان الحلف الأطلسي، ليتوانيا على سبيل المثال، لربط كالينينجراد (ببيلاروس) يبقى احتمالا قائما، موضحاً أنه من الممكن أيضا وقوع هفوة أو اشتباك على حدود أوكرانيا الأوروبية أو في البحر الأسود حيث تنتشر العديد من السفن والبوارج الحربية في مساحة محدودة ووسط أجواء مشحونة.
أقدم بوتين على تصعيد كبير بإعلانه الأحد الماضي وضع قوات الردع النووي في حال تأهب خاصة، في موقف مقلق، دفع الآراء للانقسام إلى فئتين، الأولى يمثلها كريستوفر تشيفيس من معهد كارنيغي الذي يرى أن روسيا قد تستخدم قنبلة قد تكون "تكتيكية" وبالتالي محدودة الوطأة، معتبراً أن تخطي العتبة النووية لن يعني بالضرورة حربا نووية فورية، لكنه سيشكل منعطفا في غاية الخطورة في تاريخ العالم، وفق قوله.
في المقابل، يبدي آخرون موقفا مطمئنا أكثر، وفي طليعتهم جوستاف جريسيل من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، الذي رأى أنه ليس هناك تحضير من الجانب الروسي لضربة نووية، معتبرا تصريحات بوتين موجهة بصورة أساسية إلى الجماهير الغربية لإثارة الخوف، لا أكثر.
يُذكر أن القوات الروسية كانت أطلقت في 24 فبراير الماضي عملية عسكرية وصفتها بالمحدودة، في مناطق شرق أوكرانيا، إلا أنها سرعان ما توسعت شمالا وجنوبا، بل وصلت إلى محيط كييف، ما استدعى توتراً غير مسبوق في أوروبا وامتعاضا دوليا واسعا، إذ فرضت العديد من الدول الغربية حزمة عقوبات واسعة على موسكو، شملت مصارف وشركات عدة، فضلا عن سياسيين ونواب وأثرياء روس، حتى إنها طالت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.
كما استدعت تلك العملية العسكرية استنفارا أمنيا بين موسكو والغرب، لاسيما دول الناتو والاتحاد الأوروبي، ما دفع العديد من الدبلوماسيين الغربيين رفيعي المستوى إلى تحذير من حرب عالمية ثالثة.
في حين تستأنف اليوم الاثنين جولة جديدة من المحادثات بين الجانبين الروسي والأوكراني، وذلك بعد لقاء كان جمع يوم الخميس الماضي، وزيري الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ونظيره الأوكراني ديميترو كوليبا في تركيا، وهو الأول على هذا المستوى منذ بداية النزاع، في 24 فبراير الماضي، بعد أن عقدت 3 جلسات من المحادثات على مستوى الوفود، الأولى على الحدود الأوكرانية البيلاروسية والجلستين التاليتين على الحدود البولندية البيلاروسية.
وعليه شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن المسؤولين الأوكرانيين الذين يتفاوضون مع نظرائهم الروس سيصرون على إجراء محادثات مباشرة بين زعيمي البلدين من أجل إحلال السلام.
وأفضت تلك اللقاءات حتى الساعة إلى وقف إطلاق مؤقت للنار في 5 مدن كبرى من ضمنها كييف، بغية إجلاء المدنيين العالقين، إلا أن تلك الهدنة المتقطعة شهدت انتهاكات عدة، فيما تقاذف الطرفان تحميل المسؤوليات.
يُشار إلى أن الكرملين كان شدد أكثر من مرة أنه لن يتراجع عن تحقيق أهداف تلك العملية المتمثلة بتجريد كييف من سلاحها النوعي، الذي تعتبره موسكو مهددا لأمنها، ووقف توسع حلف الناتو في الشرق الأوروبي، فضلا عن وقف المساعي الأوكرانية للانضمام إليه أيضا.