يأبى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا الوقوف ضد ثوابت التاريخ وحقائق الجغرافيا، وتدمير أية حلول سياسية محتملة بتصدير قضية الصراع العربي الإسرائيلي عن أنها صراع ديني، مستعيدا مفهموم «صراع الوجود» ومتجاهلا حدود الخرائط العربية المستقرة تاريخيا وسياسيا.
في ذلك السياق قفز نتنياهو على حقائق الجغرافيا والتاريخ بل أن بدأ الترويج لما يُسمى «إسرائيل الكبرى»، تلك المسميات العائدة إلى مشاريع توراتية تنبع من موروثات تلمودية، لا تعترف بحقوق الشعوب ولا بوجود الدول وتحاول اختلاق مبررات لأفعال يلفظها قانون دولي يعد الاحتلال أول رافض له، وناسفا بجميع مبادئه في سبيل أحلام التوسع والتهام أراضي الجوار.
يشمل مشروع نتنياهو المشؤوم توسعا لحدود إسرائيل لتشمل دمشق، وأراضي دول عربية تشمل سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر، كما لو كانت هذه الأراضي ميراثا لنتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف يخطط بشأنها ما يشأ في أي وقت يشاء دون حساب أو مساءلة، بل وبما يتجاوز الوعد البريطاني (وعد بلفور) الصادر كرسالة من وزير الخارجية البريطانية عام 1917م إلى اللورد ليونيل روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، والذي تضمن وعدا بإنشاء وطنا قوميا لليهود في فلسطين.
ويعود «حلم إسرائيل الكبرى» الذي يروج له نتنياهو إلى خطاب تاريخي متطرف يتحدث عن «أرض الميعاد والشعب المختار، والأرض القديمة»، ولذلك يركز المشروع المزعوم على ما يُسمى «أرض قبائل بني إسرائيل القديمة، أو المملكة الإسرائيلية، أو الأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته»، اتساقا مع نصوص مختلقة، يبرر بها الاحتلال مساعيه للسيطرة على الأراضي الفلسطينية بالكامل وعلى أراضي دول عربية مجاورة من دون اعتبار للحقوق التاريخية للشعوب.
يخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بترويج مشروعه المزعوم «إسرائيل الكبرى»، بذلك إلى محاولة تبرير فشله السياسي والعسكري في قطاع غزة باللجوء إلى مفاهيم دينية مختلقة تضمن له تحييد الأصوات المعارضة للحرب وخصوصا الصادرة من أهالي الأسرى الإسرائيليين المطالبين بتحريرهم من قطاع غزة، فضلا عن إطالة أمد الحرب وكبح مطالب محاسبته في الداخل بشأن جرائم الفساد المثارة ضده والتي يحاول محامي نتنياهو من حين إلى آخر تأجيل بت المحكمة الإسرائيلية فيها بسبب ما أسماه «التطورات الإقليمية والعالمية».
مشروع نتنياهو قوبل برفض عربي وإسلامي واسع النطاق، فأدانه بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية والأمناء العامين للجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، واعتبر البيان أن المشروع استهانة بالغة وافتئاتًا صارخًا وخطيرًا لقواعد القانون الدولي، ولأسس العلاقات الدولية المستقرة، وتشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي ولسيادة الدول، والأمن والسلم الإقليمي والدولي.
يضع رئيس وزراء الاحتلال بمشاريعه التوسعية، الشرق الأوسط برمته على المحك بعد أن أصبح استقرار المنطقة رهن اختبارات مصيرية على الأرض، فيما يتجاهل اليمين الإسرائيلي المتطرف أصوات عاقلة تحاول الأطراف الإقليمية والعربية الفاعلة من خلالها إرساء حقوق الشعب الفلسطيني ووقف الحرب الغاشمة وإقرار السلام.