مدارات عالمية

فضيحة قطرية مزدوجة.. صفقة مشبوهة للدوحة لإخفاء تورطها في تمويل حزب الله

عبر وسيط ألماني كشف التفاصيل وحجم التمويل

فريق التحرير

أزاحت صحيفة «دي تسايت» الألمانية، الستار عن فضيحة قطرية جديدة «مزدوجة» تكشف تورط مسؤولين كبار في الدوحة في دعم وتمويل حزب الله اللبناني، قبل أن تدخل الإمارة الصغيرة في مفاوضات سرية مع وسطاء ألمان يعملون في مجالات التقصي وجمع المعلومات وشركات العلاقات العامة العالمية، كانوا قد كشفوا صلتها بالتنظيم اللبناني المسلح، عارضة عليهم مبالغ ضخمة تتجاوز في جزء منها 750 ألف يورو، لأجل طمس المعلومات وإخفائها وعدم نشرها علنًا أو بيعها لآخرين.

وحصلت «دي تسايت» الألمانية على مستندات وشهادات مباشرة من عدد من الأطراف الألمانية المتورطة في تفاصيل القصة التي جرت أحداثها منذ عام 2017 بين برلين وبروكسل والدوحة، لافتة إلى أن القضية تفضح الصلات التحتية التي تربط سطوة المال بالسياسة وتجارة الأسلحة والإرهاب.

وحسب الصحيفة الألمانية المرموقة، فإن القصة برمتها تبدأ من عند جايسون ج، وهو اسم مستعار لمتعهد ألماني خاص (أقرب إلى محقق أو مخبر أمني) طالما عمل مع عدد من الأجهزة الأمنية ووكالات المخابرات، فيما يدير شركة صغيرة خاصة لجمع المعلومات والتقصي في مختلف أنحاء العالم؛ حيث يتنقل بين العديد من الدول ومنها قطر.

وتُعد قطر لاعبًا نشطًا بشكل مذهل في عالم الظل الخاص بالخدمات السرية، وقد تعرضت لانتقادات متكررة بسبب دعمها الجماعات المتطرفة. وفي الدوحة، صادف جايسون ج بعض المعلومات الحساسة التي تدين قطر؛ إذ وضع يديه على تفاصيل صفقة تتضمن أسلحة ومواد حربية قادمة من أوروبا الشرقية، بينما كان من المفترض أن يتم نقلها برعاية شركة مقرها قطر، كما كانت هناك تدفقات مالية مزعومة من العديد من القطريين الأثرياء واللبنانيين المنفيين تنتقل من الدوحة إلى حزب الله، وهو منظمة مسلحة تعتبر جزءًا من الحكومة في لبنان، لكنها محظورة دوليًّا كمنظمة إرهابية، وقد تم حظرها كذلك في ألمانيا منذ أبريل الماضي. فيما يتردد أن التبرعات القطرية لجماعة حسن نصر قد تمت تغطيتها بمعرفة مسؤولين حكوميين مؤثرين عبر منظمة خيرية في العاصمة القطرية.

وأوضحت «دي تسايت» أن الدليل الملموس على تدفق الأموال من الخليج إلى الجماعات الإرهابية سيزيد الضغط على قطر وقد يؤدي إلى فرض عقوبات عليها.

وكان جايسون ج التقى في نهاية العام 2017 محاميًا كان على اتصال جيد جدًّا بأروقة السياسة الألمانية العليا، ومن ثم قدمه بدوره إلى مستشار سياسي في برلين يدعى مايكل إيناكير، يعمل لحساب شركة WMP الاستشارية منذ عام 2014 (شركة علاقات عامة مشهورة تعمل على نطاق دولي ولها أنشطة في الشرق الأوسط)، وقد أصبح رئيسًا لمجلس إدارتها منذ عام 2015، كما سبق أن عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية الرائدة في ألمانيا.

المفاجأة أن اللقاء الذي جمع جايسون ج وإيناكير، كان لتقييم القيمة المادية التي يمكن أن تباع بها المعلومات الخطيرة التي جمعها الأول عن قطر، وقد انتهى الاجتماع بتحديد مبلغ 10 ملايين يورو ثمنًا للملف السري الخطير.

وبعيدًا عن تفاصيل عدة متضاربة بين الرجلين، حسبما تشير «دي تسايت»؛ حيث يحاول إيناكير تبرئة نفسه وشركته من التورط في صفقة مساومة بشأن معلومات تثبت تورط دولة في تمويل ودعم الإرهاب وتجارة الأسلحة المشبوهة، فإن الثابت أن الأخير ساعد جايسون ج في تقييم المبلغ المطلوب، وفي التحقق من أهمية المعلومات عبر التواصل مع عناصر أمنية ألمانية، ناهيك على المساعدة في فتح قنوات تواصل مباشرة بين المتعهد الخاص ومسؤولين قطريين، وكذا ترتيب اللقاء بين جايسون ج ودبلوماسي قطري كبير تولى بدوره إدارة الصفقة.

وفي بداية عام 2019، تناول جايسون ج وإيناكير والدبلوماسي القطري الغداء في بروكسل لمناقشة التفاصيل، وهو اللقاء الأول من أصل 6 لقاءات جمعت بين جايسون ج والمسؤول القادم من الدوحة والذي لم يكن يخفي هدفه من الصفقة المتمثل في إزالة أسماء أي شخصيات معروفة في بلاده من الملف.

وأكدت «دي تسايت» أنها تواصلت مع الدبلوماسي القطري المعني، إلا أنها لم تحصل منه على إجابة، لكن جايسون ج كشف أنه تلقى خلال تلك الاجتماعات، عدة مرات 10.000 يورو نقدًا، وفي الأشهر التالية، سلمه القطريون 100.000 يورو أخرى.

وفي بداية يوليو 2019، أبرم جايسون ج والمسؤول القطري الصفقة، وكتبا مذكرة تفاهم، اطلعت عليها «دي تسايت»، كان من أهم بنودها تلقي المتعهد 10.000 يورو شهريًّا لمدة عام كمستشار، كما يلتزم القطريون بعدم ملاحقته بأي تهمة تتعلق بالتجسس وعدم مشاركة معلوماته مع دول أخرى.

وقال جايسون ج، إنه منح المسؤول القطري أسماء المتبرعين والداعمين، بما في ذلك جنرال مؤثر كانت القوات المسلحة القطرية (الجيش القطري) على اتصال به. كما أكد محامي المتعهد في برلين، في شهادة خطية لـ«دي تسايت» أن العقد بين موكله والقطريين موجود ومدته عام واحد.

وفي أغسطس 2019، دخلت شركة جايسون ج في اتفاقية رسمية مع شركة WMP ورئيسها التنفيذي مايكل إيناكير. وقد أقرت وثيقة الاتفاق أن شركة جايسون ج «مهتمة بتطوير العلاقات التجارية في قطر. وستقوم شركة WMP بتمكين وتعزيز الاتصالات التجارية بالإضافة إلى العقود» لشركة جايسون ج. وبالنسبة إلى جميع المعاملات التي «تؤدي إلى صفقة»، ستحصل شركة WMP على عمولة بنسبة 20% من المبيعات.

وصرَّح جايسون ج، بأنه التقى إيناكير بانتظام وأعطاه حصته من مدفوعات قطر نقدًا في مظروف، كما يشير إيصال التحويل إلى قيام عنصر عسكري قطري بتحويل 15.000 يورو إلى جايسون ج في مارس الماضي وحده.

ورفض السفير القطري في برلين التعليق، واكتفى متحدث حكومي بالتصريح لـ«دي تسايت» من الدوحة، بأن قطر تلعب دورًا محوريًّا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط، وأن لدى بلاده قوانين صارمة لمنع تمويل الإرهاب، وأن أي شخص يتم القبض عليه يفعل ذلك سيعاقب بكل قسوة قانونًا.

وكان الفصل الأكثر إثارةً في الصفقة قد جرى مايو الماضي؛ حين التقى جيسون ج مرة أخرى وإيناكير وتحدثا عن العرض المقدم من الدوحة لإبرام اتفاقية سرية للتعتيم على التمويلات المتدفقة من الدوحة إلى حزب الله، وقد بلغ العرض القطري 750 ألف يورو.

في الأخير، لا تزال الخلافات كبيرة بين جيسون ج وإيناكير، ويسعى الأخير بشتى الطرق إلى التنصل من الصفقة المشبوهة، مدللًا على أن شركته انسحبت في الفترة الأخيرة من شراكات مع دول شرق أوسطية لا تراعي حقوق الإنسان. وفي المقابل عرض المتعهد الخاص خدماته على السفارة الإسرائيلية في برلين، مدعيًا أنه وافق على الصفقة في البداية فقط لأن القطريين أخبروه أنه سيساعدهم في ضرب داعمي حزب الله.

وحتى الآن، غير مؤكد ما إذا كان أي من أطراف الصفقة قد خرق أي قانون أمني أو جنائي في ألمانيا، وخاصةً أن شركات الاستخبارات وجمع المعلومات تعمل قانونًا وبشكل علني في الغرب، ومع ذلك فإن الأمر الوحيد الواضح أن الدوحة كانت طرفًا في صفقة مثيرة للجدل وحساسة جمعت بين دعم تنظيمات إرهابية وتهريب أسلحة وتقديم تمويلات، ثم فيما بعد محاولة إزالة أي دلائل تدينها على التورط في مثل تلك الأمور المشبوهة.

مرر للأسفل للمزيد