مدارات عالمية

بالوثائق.. قطر تغزو أوروبا بالتبرعات لدعم المتطرفين وجماعة الإخوان

عرضت في وثائقي فرنسي استغرق إعداده 3 أعوام

فريق التحرير

كشفت قناة «آر تي» الفرنسية – الألمانية، دور قطر في تمويل شبكة كبيرة من الجمعيات القريبة من إيديولوجية الإخوان المسلمين في أنحاء أوروبا، في إطار مشروع الدوحة لدعم المتطرفين.

وقالت القناة في فيلم وثائقي بعنوان «قطر: حرب التأثير على إسلام أوروبا»، متاح عبر موقعها الإلكتروني من 17 سبتمبر لحد 22 نوفمبر، إن الدوحة تستخدم منظمة «قطر الخيرية»، كذراع لها لتمويل تلك المشروعات المشبوهة في جميع أنحاء أوروبا، إلا أن إيطاليا كانت صاحبة نصيب الأسد من تلك المشروعات.

وجاء وثائقي «آر تي»، ليسقط قناع قطر الزائف ويبطل ادعاءاتها المضللة، ويؤيد موقف دول المقاطعة (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، والتي بدأت منذ عام 2014، باتهام الدوحة بتمويل جماعات متطرفة، والإخوان المسلمين بشكل خاص، تحت غطاء المساعدات الإنسانية عبر «قطر الخيرية»

كما كشف التحقيق الذي قامت به القناة الفرنسية على مدى عامين في أوروبا بالاشتراك مع  «Flach film production» تفاصيل التمويل القطري لمشاريع في عدد من الدول، الأمر الذي لم تنفه «قطر الخيرية» نفسها والتي أكدت عبر موقعها الإلكتروني، أنها دفعت أكثر من 120 مليون يورو لتمويل 140 مشروعاً تابعاً لجمعيات قريبة من الإخوان المسلمين في أوروبا تركز معظمهما في بعض الدول، إذ شملت 47 مشروعاً في إيطاليا و22 في فرنسا و11 مشروعاً في كل من إسبانيا وبريطانيا وعشرة مشاريع في ألمانيا؛ لـ«تعزيز الثقافة الإسلامية في الغرب خصوصاً وفي العالم».

ومن أبرز المتبرّعين للمنظّمة، وفق لائحة بأسماء هؤلاء، عدد من أبناء أسرة آل ثاني القطرية الحاكمة، بمن فيهم محمد بن حمد وسعود جاسم أحمد وخالد بن حمد بن عبدالله وجاسم بن سعود عبدالرحمن، إضافة إلى الديوان الأميري لحاكم قطر تميم بن حمد آل ثاني، طبقًا لآلاف الوثائق السرية والتحويلات المصرفية والرسائل الإلكترونية (email) التي جاءت في التقرير الوثائقي.

وفي فرنسا، أثبتت الوثائق التي حازتها القناة من المخبر الذي رفض الكشف عن اسمه، أن «قطر الخيرية» موّلت 22 مشروعاً واستثمرت فيها عشرات الملايين، ونفّذتها كلها «الجمعية الإسلامية في فرنسا»، المعروفة سابقاً باسم «اتحاد المنظّمات الإسلامية في فرنسا» والقريبة من إيديولوجية الإخوان المسلمين.

وتفصّل الوثائق دعم «قطر الخيرية» لإنشاء «مركز النور» في منطقة ميلوز شرق فرنسا، على مقربة من الحدود مع سويسرا وألمانيا، وفي فيديو يهدف لجذب المتبرّعين، قال رئيس جمعية مسلمي الألزاس ناصر القاضي للقناة، إن قطر الخيرية دفعت نسبة كبيرة من التمويلات اللازمة لإتمام المشروع، من دون فرض شروط، الأمر الذي شكك فيه عنصر في الاستخبارات الفرنسية.

وشرح المسؤول الفرنسي الذي رفض الكشف عن هويته، لـ«آر تي» تفاصيل التمويل القطري لمركز النور عبر الوثائق، والذي بلغ نحو 5 ملايين يورو في العام 2017 تضاف إلى نحو 5 ملايين أخرى في العام 2016، مؤكدًا ارتباط مركز النور بالإخوان المسلمين.

وأثار هذا المشروع، الذي تأمنت نصف تكلفته عبر شبكة قانونية مدعومة من «قطر الخيرية» من خلال صندوق هبات يحمل اسم «Passerelles» ، قلق المسؤولين الفرنسيين الذين بدأوا التحقيق في مصادر تمويله وشرعيّتها.

وشكل هذا الصندوق منذ عام 2017، محلّ نزاع مع الدولة، الأمر الذي ظهر في رسالة من ميشال كادو محافظ «إيل دو فرانس»، قال فيها «جزء من النشاطات المموّلة من الصندوق تشكّل بوضوح نشاطات اقتصادية تنافسية، تحديداً عبر بناء مساحات تجارية في مشروع النور»، طالباً «إيقاف العمليات الخارجة كلها عن النفع العام فوراً (..) المزج بين النشاطات الدينية والنشاطات التجارية في المشروع غير شرعي».

من جانبه، قال مدير «برنامج التطرّف» في جامعة جورج واشنطن لورنزو فيدينو للقناة التليفزيونية: «هناك جهود مبذولة من القطريين لتمويل شبكات الإخوان المسلمين في أوروبا بشكل كبير ومبالغ كبيرة، وهذه الوثائق دليل رسمي..  يدعمون جمعيات قريبة من الإخوان المسلمين فحسب».

ويؤكّد فيدينو وقوف الإخوان المسلمين وراء جميع المشاريع الممولة من «قطر الخيرية»، مستنداً إلى وثيقة عرضها التقرير يدعو فيها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الداعية يوسف القرضاوي إلى دعم مشروع لبناء مسجد في ميلان في إيطاليا.

وتبدو إيطاليا الدولة الأكثر استهدافاً في أوروبا من الإخوان المسلمين، إذ ينفذون فيها 47 مشروعاً مموّلةً بنحو 25 مليون يورو من «قطر الخيرية» ومنفّذة بمعظمها من قبل اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا القريب من جماعة الإخوان، استناداً إلى الوثائق المعروضة في الفيلم الوثائقي.

وأشار فيدينو إلى أن «الاستثمار الكثيف لقطر في صقلية (تمول 11 مشروعًا) أثار تساؤلات المسؤولين الإيطاليين وجهاز الاستخبارات، ويعتقدون في أحد تحليلاتهم، أن قطر الخيرية تستهدف الأماكن التي يصل إليها اللاجئون في أوروبا في إطار مشروعها لدعم التطرف والمتطرفين».

الخطاب المزدوج

ويقول عبدالرضوان الأمين العام للمسجد الكبير في روما الذي يدير غالبية المساجد في إيطاليا، في التقرير «يستخدم الإخوان المسلمون خطاباً معيناً معنا (المسلمين) وآخر أمام وسائل الإعلام، هذه استراتيجيتهم، الخطاب المزدوج (..) يستمرون في التفكير في كيفية الوصول إلى السلطة وإنشاء الخلافة. نقلق من تعزيز هذا التيار في أوروبا، لأنه يشكّل خطراً على المسلمين قبل الأوروبيين».

وفي هذا السياق، يقول الشاب محمد لويزي الذي انضم إلى الإخوان المسلمين، وأصبح عضوًا في «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» وتولى مسؤوليات محلية في منطقة فيل نوف داسك، إن أحمد محمد الحمادي، الذي وصفه لويزي بـ«حامل حقيبة قطر الخيرية إلى أوروبا»، زودته الدوحة بجواز سفر دبلوماسي ليدخل جميع الدول الأوروبية حيث يجتمع بالإخوان المسلمين في كل مدينة».

ورصد لويزي الذي غادر جماعة الإخوان بعد 15 عاماً من انضمامه في العام 2006، أحمد الحمادي في عدد من الصور في أماكن عدة من أوروبا. كما صوّر الحمادي 28 حلقة تليفزيونية في العام 2015 لصالح قناة قطرية بثتها في أوروبا، تهدف إلى حثّ القطريين والعرب على التبرّع لـ«قطر الخيرية» من أجل تنفيذ مشاريع مختلفة في القارة العجوز.

ووفق ما ذكر الوثائقي، فإن أحد هذه المشاريع ينفّذه «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» في مدينة بواتيه لبناء «مسجد بلاط الشهداء»، والذي تبرّعت المنظمة القطرية بنحو 400 ألف يورو لبنائه.

ولم تسلم ألمانيا من المساعي القطرية لدعم التطرف، بحسب مدير مكتب حماية الدستور في شمال الراين بوركارت فراير الذي قال: «نلاحظ منذ بعض الوقت في ألمانيا أن الإخوان المسلمين كثفوا نشاطاتهم، وننطلق في المبدأ من أنهم مموّلون بهبات ومن دول عربية».

ولم تغب سويسرا عن أهداف القطريين، ففي إطار المساعي الأمريكية للكشف عن ممولي هجمات 11 سبتمبر 2001، حظرت الإدارة الأمريكية أصول 62 شخصًا ومنظمة مرتبطين بشبكتين لتمويل الإرهاب، هما شبكة التقوى والبركات، حسب ما جاء في التقرير الوثائقي.

ويتخّذ مصرف التقوى من مدينة لوغانو في سويسرا مركزًا له، ويرأسه ملياردير مصري عضو في الإخوان المسلمين ولاجئ في أوروبا، وإثر عمليات التفتيش في منزله، عثر على وثائق بعنوان «المشروع» تعود للعام 1982 وتصف خطة الإخوان المسلمين لفتح بلاد الغرب عبر تمويل سري وبطريقة سلمية في الغالب بهدف إنشاء الدولة الإسلامية تدريجياً، طبقاً لما جاء في التقرير.

وأظهرت وثائق المخبر، أن ناديا كرموس، قريبة صاحب مصرف التقوى، تلقّت هبةً من «قطر الخيرية» لإنشاء «متحف حضارات الإسلام» الذي فتح أبوابه في سويسرا عام 2016. وقال التقرير إنه في العام 2014، وقّعت ناديا عقداً مع مدير «قطر الخيرية» يوسف الكواري من أجل تجديد مبنى المتحف تبعاً لبعض الشروط، مؤكدًا حصول تحويلات منتظمة إلى المؤسسة الثقافية التي تديرها ناديا، وإلى مؤسسة ثقافية أخرى في لوزان وإلى جمعية في لوغانو يديرهما زوجها محمد كرموس.

فبين عامي 2011 و2013 حوّلت «قطر الخيرية» نحو 3 ملايين فرنك سويسري، أي نحو 2.5 مليون يورو، لتمويل نشاطات الثنائي كرموس، مثلما كشف الوثائقي.

ويرأس محمد كرموس حالياً «الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية، الموجودة في نيافر في فرنسا، والتي تأسّست عام 1992 من قبل «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» لتعلّم اللغة العربية والقرآن والدين من أجل تخريج أئمة.

ويقول مدير الكلية السابق زهير محمود، الذي تلقى آلاف الدولارات كهبات من رجل «قطر الخيرية» حمادي، إنه عند تأسيس الكلية دعا القائمون عليها العديد من مشايخ المسلمين ومنهم يوسف القرضاوي، مشيراً إلى أن تبعية الكلية للإخوان المسلمين كان محطّ تساؤل، لكن «المهم في النهاية خدمة المسلمين»، وفق قوله.

كذلك في بلجيكا، أثبتت رسائل إلكترونية تبادلها مدير فرع «قطر الخيرية» في بريطانيا أيوب أبو يقين، مع كريم عازوزي رئيس «رابطة مسلمي بلجيكا»، التي تعتبرها الاستخبارات فرع الإخوان المسلمين في البلاد، طلب الأول من الثاني إعادة مبالغ مالية كانت منحتها المنظمة للرابطة من أجل مشروعين، الأول إنشاء «مركز ثقافي» في بروكسل والثاني لمصلحة استثمار في مدينة آنفير.

واكتشفت الصحافية في مجلة «لو فيف» ماري سيسيل روايان، في العام 2016، تقديم «قطر الخيرية» أكثر من مليون يورو للرابطة بعد وساطة تدخّلت فيها السفارة القطرية.

تراجع المشروع القطري

وأدت مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، إلى تخفيف الأخيرة من تمويل استراتيجيتها لدعم التطرف والمتطرفين في أوروبا، فأحد المشاريع الذي تراجعت «قطر الخيرية» عن دعمه كان مركز «منتدى ميونيخ للإسلام» بعد أن تعهّدت بتأمين كلفة شراء الأرض البالغة 5 ملايين يورو.

ومع انطلاق «ثورات الربيع العربي»، سعى الأمير القطري حمد بن خليفة آل ثاني إلى توسيع نفوذ بلاده في عدد من الدول العربية، فدعم الفرنسيين للإطاحة بالرئيس الليبي معمّر القذافي وراح يدعم الإسلاميين المتشدّدين في تونس ومصر وسوريا، فضلاً عن دعم حركة حماس في غزة، وفق الوثائقي.

غير أن المساعي الدولية لمحاربة تمويل الإرهاب، وانهيار مشروع قطر في مصر بعد الإطاحة بالرئيس المصري الإخواني محمد مرسي، دفعت حمد بن خليفة آل ثاني إلى تسليم الحكم لابنه تميم و«قطر الخيرية» لإغلاق مكتبها في لندن عام 2018. لكن الفرع لم يختفِ بل تحوّل إلى منظمة «نكتار تراست» التي لا تملك سوى صندوق بريد في محاولة لإزالة كل دليل على صلاتها بالمنظمة الأم، حسب التقرير.

وبينما قامت دول المقاطعة بدورها في تقييد المقاطعة الخليجية على التوسّع في مشروعها لدعم التطرف، هل يتحمل الغربيون مسؤولياتهم في ما يتعلّق بمشروعية الدعم المالي القطري للإخوان المسلمين في أوروبا؟، بعد تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر، التي قالت إن «قطر لا تدعم الإخوان المسلمين لكنها لا تحاربهم أيضاً (..) بإمكان قطر الإسهام في مراكز ثقافية هنا أو هناك عبر الجمعيات القانونية.

مرر للأسفل للمزيد