شهدت مدينة الفاشر في إقليم دارفور بالسودان واحدة من أعنف الكوارث الإنسانية منذ اندلاع الصراع، بعدما سقط ما يقارب 2000 قتيل خلال يومين على يد قوات الدعم السريع، وفق ما أكدت التقارير والشهود. إلا أن نقابة أطباء السودان أوضحت أن العدد الحقيقي للضحايا أكبر بكثير، مشيرة إلى أن حالة الفوضى وعمليات التعتيم وسرقة هواتف المواطنين تُعقّد من عملية الحصر، فضلاً عن اختفاء أعداد كبيرة من المدنيين.
صور الأقمار الاصطناعية التي حلّلها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأميركية كشفت جانبًا من الحقيقة، حيث أظهرت بقعًا حمراء وأجسامًا بشرية قرب السواتر الترابية المحيطة بالمدينة، وخلص التقرير إلى وجود أدلة على عمليات قتل جماعي بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، التي كانت آخر مدينة كبرى بيد الجيش في دارفور بعد حصار دام 18 شهراً.
وفي شهادات مأساوية، تحدث ممثل اليونيسف في السودان عن مشاهد "تفوق الوصف"، مؤكداً أن الأطفال والعاملين في القطاعين الصحي والإنساني يتعرضون للقتل والانتهاكات الجسيمة. وأضاف أن سكان الفاشر محاصرون منذ 600 يوم، ويواجهون الآن موجة جديدة من العنف المروّع، مشيراً إلى أن أكثر من 30 ألف شخص تمكنوا من الوصول إلى مخيم طويلة بعد رحلة محفوفة بالموت والجوع والخطر.
كما أكدت مفوضة العون الإنساني في دارفور، منى نور الدائم، أن عناصر الدعم السريع تستهدف النازحين بالقتل والخطف والاغتصاب واحتجاز النساء والأطفال كرهائن، داعية إلى تحرك دولي عاجل لوقف الجرائم. فيما ذكر المدير الإقليمي للصليب الأحمر، باتريك يوسف، أن أكثر من 250 ألف شخص نزحوا من الفاشر إلى طويلة خلال الأسابيع الماضية، وسط نقص حاد في المساعدات الإنسانية.
في المقابل، تصاعدت ردود الفعل الدولية. فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف التصعيد العسكري، بعد تقارير عن مقتل أكثر من 460 شخصاً داخل المستشفى السعودي للتوليد في الفاشر، وهو المستشفى الوحيد الذي يعمل جزئياً في المدينة. وعبّرت منظمة الصحة العالمية عن صدمتها، مؤكدة أن بعض العاملين الصحيين اختُطفوا أثناء أداء مهامهم.
كما أدان مجلس السلم والأمن الأفريقي ما وصفه بـ"الأنشطة الإجرامية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" التي ترتكبها قوات الدعم السريع، مطالباً بوقف فوري للعمليات العدائية ومحاسبة الجناة. أما الولايات المتحدة، فأكدت عبر وزارة خارجيتها أنها تعمل مع الشركاء في "المجموعة الرباعية" لتأمين هدنة إنسانية ودفع جهود الانتقال إلى حكم مدني.
ومع استمرار انقطاع الاتصالات والإنترنت عن المدينة، باستثناء الشبكات التي تتحكم بها قوات الدعم السريع عبر الأقمار الصناعية، يبقى الوصول إلى الفاشر محظوراً، ما يجعل من الصعب توثيق حقيقة ما يجري. وبينما تسيطر قوات الدعم السريع بالكامل على دارفور، تتواصل المآسي في ظل غياب ممرات إنسانية آمنة، فيما يبكي السودان جراحه على وقع صمت العالم.