تدخل العمليات الروسية في أوكرانيا، اليوم الأربعاء، شهرها السادس على التوالي، مع استمرار القصف المتبادل بين الجانبين وسقوط القتلى والجرحى، فيما يعد الحرب الأكبر التي تشهدها أوروبا منذ العام 1945 تقريبًا.
ولم تقتصر تداعيات الحرب في أوكرانيا على أوروبا بحسب، بل كانت ملموسة بشكل واضح في منطقة أبعد إلى الجنوب، هي الشرق الأوسط، كما ذكرت شبكة «سي إن إن» الأمريكية، في تقرير نشرته اليوم.
فمنطقة الشرق الأوسط، الهشة بالفعل بسبب مزيج معقد من الأزمات والمشاكل، لم تكن استثناء للاضطرابات التي سببتها الحرب في شرق أوروبا. وعانت دول المنطقة هي الأخرى من أزمة الغذاء والتضخم، ما أثار مخاوف من اندلاع اضطرابات سياسية، وسط شد وجذب محتدم بين الغرب وروسيا.
وإلى ذلك، سلط تقرير الشبكة الأمريكية الضوء على أربع نواحٍ كانت الحرب في أوكرانيا الأكثر وضوحًا بها في الشرق الأوسط:
أولًا: أزمة الغذاء والتضخم، ما يثير مخاوف من تزايد الاضطرابات. كانت منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق في العالم التي تضررت بشكل ملحوظ من اضطراب سلاسل توريد الغذاء والحبوب من أوكرانيا.
وتعتمد غالبية دول الشرق الأوسط على روسيا وأوكرانيا للحصول على النسبة الأكبر من الحبوب والواردات الغذائية. وكانت ليبيا ولبنان الأكثر تضررًا على الإطلاق، إلى جانب مصر، المستورد الأكبر للقمح في العالم.
وشهدت نهاية يوليو الماضي بادرة أمل لانفراج الأزمة، مع إبرام اتفاق بين روسيا وأوكرانيا، بوساطة أممية، لتصدير الحبوب. ومنذ وقتها، بدأت شحنات الحبوب في التحرك من الموانئ الأوكرانية لتستقر معها أسعار الغذاء. لكن غالبية دول الشرق الأوسط لا تزال تنتظر شحناتها المعطلة.
كما ضربت معدلات التضخم المرتفعة عديد من دول المنطقة، مع ارتفاع أسعار السلع في العراق وإيران، وهو ما دفع حشود من المواطنين للتظاهرات بالشوارع.
ثانيًا: تغير التحالفات الاستراتيجية. شهدت المنطقة تغيرات لافتة في التحالفات السياسية والاستراتيجية بين الدول، وهو ما كشفه مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، إذ قال في تصريحات سابقة إن «الحرب في أوكرانيا تثبت أن النظام الدولي لم يعد ثنائي القطبين، حيث تجلس الولايات المتحدة على رأسه».
وأشار قرقاش إلى أن «أبوظبي تعمل على إعادة تقييم تحالفاتها. حيث إن السيطرة الغربية على النظام العالمي وصلت أيامها الأخيرة».
وفيما تعمل دول الشرق الأوسط على إعادة تقييم تحالفاتها مع الغرب، يبدو أن العلاقات مع الصين آخذة في النمو.
ثالثًا: أرباح خيالية يحققها مصدرو النفط. دفعت الحرب في أوكرانيا أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة لم تسجلها منذ 14 عامًا على الأقل. والنتيجة كانت التضخم والانكماش الاقتصادي على مستوى العالم.
لكن بالنسبة لدول الشرق الأوسط المصدرة للنفط، كان الواقع مختلفا، إذ- حققت تلك الدول عائدات قياسية من مبيعات النفط، بعد ثمان سنوات تقريبا من ركود اقتصادي سببته أسعار النفط المنخفضة وجائحة فيروس «كورونا».
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط 1.3 تريليون دولار إضافية من عائدات النفط في السنوات الأربع المقبلة، ما يعني أن تلك الدول ستحقق فائضا بالميزانية للمرة الأولى منذ العام 2014.
كما من المتوقع أن يتسارع النمو الاقتصادي بشكل كبير. ففي الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، نما الاقتصاد السعودي بنسبة 9.9%، وهو أعلى معدل نمو خلال عشر سنوات. وفي تناقض صارخ، انكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.5%.