تجاوزت التوترات السياسية بين واشنطن وتل أبيب حواجز «الغرف المغلقة»، نظرًا لإصرار واشنطن على تبني خيارات دبلوماسية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وتحذير إسرائيل في المقابل من مغبة إبرام اتفاق جزئي، يعيد لحكومة طهران مليارات الدولارات المجمَّدة بفعل رفع العقوبات الأمريكية.
واحتدم توتر العلاقات بين الجانبين مع اقتراب استئناف المحادثات النووية، المقررة يوم الاثنين المقبل في العاصمة النمساوية فيينا. وحسب تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وصل لهيب الخلافات بين واشنطن وتل أبيب إلى أقصى مدى، وبات كل طرف يتحسب من نوايا الآخر.
وفي حين تخشى تل أبيب تبنِّي إدارة بايدن نهجًا تصالحيًا، يفضي إلى إبرام اتفاق جزئي فقط، يسمح لإيران بتمويل كافة مؤامراتها الإقليمية والدولية؛ تخشى واشنطن ما تصفه بـ«تهور إسرائيلي»، يجرها إلى مواجهة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني.
ضرورة طرح خطة بديلة
ووفقًا لمراسل الصحيفة العبرية «يارون بن يشاي»، اشتبكت الدول الضالعة في المحادثات المرتقبة على صفحات الجرائد، وذلك قبل أيام من بدء المحادثات؛ لكنه ذكَّر إسرائيل بازدواجية موقفها المعارض، الذي لا يقتصر فقط على ضرورة طرح خطة بديلة (الخطة B)، للتعامل مع إيران حال فشل المحادثات؛ وإنما يقضي بحتمية صياغة استراتيجية إسرائيلية مستقلة بذات الخصوص، بعيدًا عن الولايات المتحدة.
ووصف تقرير الصحيفة العبرية الأسبوع الذي استبق المحادثات المرتقبة بـ«الدراماتيكي»، مشيرة إلى خلافات جوهرية حول القضية الإيرانية بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، فكبار الشخصيات في البيت الأبيض تخشى تخريب المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، وفرص التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران بفعل الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية، سواء كان ذلك في سوريا، أو حتى من خلال هجمات سيبرانية داخل العمق الإيراني.
الأسوأ من ذلك، حسب «يديعوت أحرونوت»، هو قناعة واشنطن بأن الأنشطة، التي تستهدف بها إسرائيل منشآت وعلماء ذرة في إيران، سواء جرى توقيع اتفاق نووي جديد أم لا، يمكنها جر الولايات المتحدة على غير رغبة منها إلى مواجهة عسكرية مع إيران؛ لاسيما وأن هناك من طرح خلال مباحثات مغلقة في واشنطن إمكانية سعي إسرائيل إلى الضغط على حليفتها الكبرى (الولايات المتحدة)، للقيام بجزء مباشر أو غير مباشر من عمل مسلح لإحباط البرنامج النووي الإيراني.
السيناريو الكابوسي
جاء ذلك في وقت، تتطلع إدارة بايدن بكل قواها إلى التخلص نهائيًا وكليةً من عبء «الملف الإيراني»، للتفرغ تمامًا والتعامل مع الملف الأهم بالنسبة لها، وهو ملف المواجهات مع الصين وروسيا. بينما تخشى حكومة إسرائيل سلوك أمريكي متراخٍ أمام إيران؛ أما مخاوف تل أبيب الأكثر حدة حاليًا، فتكمن في غياب القدرة على التوصل إلى تسوية كاملة مع الإيرانيين، وموافقة الأمريكيين على تسوية جزئية، يتم بموجبها رفع معظم العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، مقابل تقييد مؤقت وجزئي لمكونات من برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني.
إذا تحقق هذا «السيناريو الكابوسي»، حسب وصف الصحيفة العبرية، تصبح إيران ولسنوات طويلة في وضع «العتبة النووية»، وتمتلك حينئذ مليارات الدولارات الكافية، لتمويل خططها الاستراتيجية، وتحقيق الهيمنة الإيرانية الشيعية في الشرق الأوسط؛ كما تسمح قفزات ارتفاع أسعار النفط – كما هى عليه الآن - لنظام طهران بتمويل عمليات التطوير المستمر للأسلحة النووية، وتحصين منشآته الهجومية، وتطوير وإنتاج أنظمة الصواريخ بالغة الدقة في إصابة الهدف؛ فضلًا عن تطوير منظومة المسيَّرات (UAVs)، وتمويل أذنابه في اليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان، لضمان بقائه السياسي.
تفادي عراك حتمي بين واشنطن وتل أبيب
حتى الآن، حسب المراسل العسكري الإسرائيلي «يارون بن يشاي»، ما زال الخلاف - رغم ضراوته – محدودًا بين إسرائيل والولايات المتحدة، لتفادي عراك قد يصبح حتميًا بين الإدارتين الجديدتين في واشنطن وتل أبيب، لاسيما أنهما يسعيان إلى تجنُّب التوتر الذي ساد العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما خلال العقد الماضي، لكن المحادثات مع حكومة طهران والقوى الدولية من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، ربما تدفع الطرفين الإسرائيلي والأمريكية إلى «نزع القفازات».
للإنصاف، وفقًا لتقرير الصحيفة العبرية، حوت وسائل الإعلام العبرية خلال الآونة الأخيرة العديد من المقالات والتعليقات، التي تنتقد حرص واشنطن على العودة للاتفاق النووي، دون حتى محاولة دعم الجهود الدبلوماسية لاستخدام أدوات الضغط، بما في ذلك تهديد عسكري جاد. كما انطلقت من إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية حملات انتقاد، تستنكر افتقار إدارة بايدن لخطة بديلة (الخطة B)، أو بعبارة أخرى: خطة بديلة، يمكنها منع إيران من امتلاك أسلحة نووية حال فشلت المفاوضات.
وربما ترجم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت تلك الانتقادات إلى مواقف جادة، حين أبلغ الولايات المتحدة، والدول الخمس التي لا زال توقيعها ساريًا على الاتفاق النووي (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين) أن إسرائيل لن تستجب لمطالب واشنطن، الرامية إلى منع تل أبيب من تعطيل برنامج إيران النووي العسكري، وأنها (إسرائيل) تعتزم مواصلة عمليات عرقلة الأنشطة النووية الإيرانية، سواء كان ذلك أثناء أو بعد المفاوضات؛ وبالتالي، وفقًا لتعليق الصحيفة العبرية، تعتبر إسرائيل نفسها حرة في شن هجوم وقائي على جميع مكونات البرنامج النووي والصاروخي الإيراني في أي وقت تختاره، حتى إذا جرى في فيينا التوصل إلى اتفاق، ودخل بالفعل حيز التنفيذ.