كشفت وثائق سريَّة منسوبة إلى الخارجية التركية عن تلقي قنصليات أنقرة تكليفًا بجمع بيانات المواطنين الأتراك المعارضين للرئيس رجب طيب أردوغان، ونقلها إلى الجهات القضائية في أنقرة، لتلفيق اتهامات بالعضوية في تنظيمات وأنشطة إرهابية، دون الاستناد إلى أدلة تؤكد تلك الاتهامات.
وفي حين ترفض السلطات الأمنية في أكثر من دولة تسليم ما تصفهم أنقرة بالمطلوبين الأتراك، اعتمد نظام أردوغان على عناصره الاستخباراتية في اختطاف عناصر المعارضة ونقلها إلى تركيا، لتلقى نصيبها من التنكيل والتعذيب وصولًا إلى التصفية داخل السجون.
وبحسب الوثائق نفسها، لا يُستثنى أهالي عناصر المعارضة التركية من التنكيل والتعذيب ومصادرة الممتلكات، في محاولة من أجهزة الأمن التركية للضغط على أبنائهم، وإجبارهم على العودة من الخارج، وتسليم أنفسهم، وربما الاعتراف قسرًا بالاتهامات الملفَّقة المنسوبة إليهم.
وتُظهر الوثائق التي حصل موقع «نورديك مونيتور» السويسري على نسخة منها، أن القنصلية التركية في ألمانيا قامت بتلك المهام منذ عدة سنوات. وفي الفترة ما بين 2016 إلى 2021، أشرف السفير التركي لدى برلين علي كمال أيدين على نقل ملفات بهذا الخصوص إلى أنقرة، وانتقد ألمانيا عدة مرات بسبب رفضها تسليم من وصفهم بخصوم أردوغان السياسيين، الذين فروا من عمليات قمع وتعذيب النظام في تركيا، ولجأوا إلى ألمانيا.
ووفقًا للموقع السويسري المتخصص في الملفات الأمنية، تتسلل عناصر الاستخبارات التركية، انطلاقًا من قنصليات أنقرة إلى مخيمات اللاجئين الأتراك في الخارج، متخفية في هوية لاجئين، وتجمع خلال المهمة بيانات حول عناصر المعارضة.
وتزامنًا مع إعداد ملف بهذا الخصوص، تمهيدًا لإرساله إلى أنقرة لصياغة لوائح اتهام ملفقة، يواجه معارضو أردوغان في الخارج، خاصة أعضاء حركة المعارض التركي المنفي قسرًا في الولايات المتحدة فتح الله كولين مطاردات وملاحقات وتهديدات بالقتل والاختطاف, وكثيرًا ما تواجه عناصر المعارضة حرمانًا من الخدمات القنصلية مثل التوكيل الرسمي، وتسجيل المواليد، فضلًا عن سحب جوازات سفرهم. كما يتم مصادرة ممتلكاتهم ومنازلهم في تركيا، ويواجه أفراد عائلاتهم اتهامات جنائية ملفقة.
وفي 31 مايو الماضي، قامت عناصر الاستخبارات التركية التي تتخفى في هوية كوادر دبلوماسية بقنصلية تركيا في قيرغيزستان باختطاف المُعلم التركي المعارض أورهان إيناندي، وقامت العناصر ذاتها بإعادته إلى تركيا بشكل غير قانوني في 12 يوليو، وواجه اتهامات ملفقة بالانضمام إلى تنظيم إرهابي.
وتتجسس السفارات والقنصليات التركية على المواطنين الأتراك في الخارج عند محاولة الحصول على خدمات قنصلية. وفي هذا الخصوص، تشير وثائق الخارجية التركية، الممهورة بخاتم «سري للغاية»، والتي حصل موقع «نورديك مونيتور» على نسخة منها إلى أن السفارة التركية في كوسوفو قد حددت 78 شخصًا سجلوا مهنهم كمعلمين عندما قدموا طلبات إلى القنصلية للحصول على خدمات مختلفة. ويبدو أنه تم القيام بعمل مماثل في البعثات الدبلوماسية التركية الأخرى بناءً على طلب مديرية الأمن العام التركية، وهي وكالة إنفاذ القانون الرئيسية في تركيا.
كما كشف «نورديك مونيتور» أن الخارجية التركية بعثت بقوائم أسماء وبيانات المواطنين الأتراك المحسوبين على المعارضة في الخارج إلى مكتب المدعي العام في أنقرة، والشرطة الوطنية، ووكالة الاستخبارات التركية MIT في 19 فبراير 2018، وكان ذلك عبر وثيقة رسمية، لفرض مزيد من الإجراءات الإدارية أو القانونية؛ ومعاقبة أقاربهم في تركيا ومصادرة ممتلكاتهم.
وأرسل المدعي العام التركي آدم أكينجي، بعد تلقيه وثيقة وزارة الخارجية في 23 فبراير 2018، ملفات سريَّة، تتضمن معلومات عن 4386 معارضًا لأردوغان إلى وحدة الجرائم المنظمة التابعة لإدارة شرطة أنقرة، لاتخاذ مزيد من الإجراءات، وبدورها نقلت الشرطة نتائج تحقيقاتها إلى النيابة العامة.
وفي فبراير 2020، اعترف وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بقيام البعثات الدبلوماسية التركية بالتجسس الممنهج على معارضي الحكومة التركية على الأراضي الأجنبية. وقال جاويش أوغلو إن الدبلوماسيين الأتراك المعينين في السفارات والقنصليات تلقوا تعليمات رسمية من الحكومة للقيام بمثل هذه الأنشطة في الخارج.
وأضاف أوغلو خلال مؤتمر صحفي في أعقاب فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن في 16 فبراير 2020، أن «جمع المعلومات الاستخباراتية يعد واجبًا على الدبلوماسيين، وهذا أمر معترف به وحقيقة واقعية».
اقرأ أيضًا: