عطّل متظاهرون مناهضون للحكومة في هونج كونج، خطوط مترو الأنفاق خلال ساعة الذروة الصباحية، اليوم الثلاثاء، احتجاجًا على «وحشية الشرطة خلال مظاهرات انطلقت مؤخرًا»، وقام مئات المتظاهرين بإغلاق أبواب القطارات لمنعها من التحرك في عدة محطات بالمدينة.
وتم تعليق (تأجيل) الخدمة في ثلاثة خطوط مترو رئيسية بفعل المحتجي؛ بدءًا من ساعة الذروة حتى منتصف اليوم، مما أثر على مئات الآلاف من السكان الذين يستخدمون تلك الوسيلة في التنقل كل صباح، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
وبدأت الحركة الاحتجاجية في 9 يونيو ضد مشروع لتسليم المطلوبين إلى الصين، وسرعان ما تحولت في الأسابيع التالية إلى حركة احتجاجية كبرى ضد حكومة هونج كونج، التي بادرت الجهات الأمنية فيها بمطاردة المتظاهرين، وشهدت عطلة نهاية الأسبوع موجة من الاشتباكات بين المحتجين والشرطة في المدينة، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي.
ويتجه النشطاء في المدينة إلى مزيد من تصعيد الاحتجاجات خلال شهر أغسطس المقبل، ولم ينجح مكتب شؤون هونج كونج وماكاو في بكين (أعلى سلطة في الصين مسؤولة عن المستعمرة البريطانية السابقة) في قطع الطريق على موجة الاحتجاجات، التي شهدت خلال اليومين الآخرين اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، التي استخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
يأتي هذا، في محاولات لإخلاء الآلاف من المتظاهرين من المناطق التجارية والتسويقية داخل المدينة.
وعلى الرغم من تعليق التشريع الخاص بتسليم المتهمين إلى أجل غير مسمى، واصل مئات الآلاف من المحتجين التعبير عن استيائهم من الحكومة، وضد ما يقولون إنه استخدام مفرط للقوة من قبل الشرطة.
ونقلت صحيفة «هونج كونج إكونميك جورنال»، عن ناثان لو العضو السابق في البرلمان المدينة قوله: «قد يصعد نشطاء هونج كونج من تحركاتهم، بما في ذلك الإضرابات»، فيما ذكرت تقارير أن النشطاء في المدينة قد يصعدون احتجاجاتهم خلال شهر أغسطس المقبل، في «محاولة لإجبار الحكومة على تلبية مطالبهم» في ربوع الجزيرة، التي عادت إلى السيادة الصينية عام 1997، ومنذ ذلك الحين العمل بمبدأ «دولة واحدة ونظامين».
وأعلنت الرئيسة التنفيذية لهونج كونج كاري لام (8 يوليو)، أن مشروع القانون الذي يسمح بتسليم المطلوبين إلى الصين بات «كأن لم يكن»، راضخة للضغط الشعبي والاحتجاجات الحاشدة، التي استمرت أسابيع في المركز المالي الآسيوي، حسبما أفادت وكالة أنباء «بلومبرج»، وقاومت لام دعوات سحب مشروع القانون على مدار أسابيع رغم المسيرات التاريخية والاحتجاجات العنيفة في بعض الأحيان، بما في ذلك نهب المجلس التشريعي للمدينة.
وأدان مكتب الاتصال الصيني مع هونج كونج المتظاهرين، الذين «اقتحموا وخرّبوا مكاتب حكومة هونج كونج»، وقال المكتب، في بيان: «متطرفون هاجموا مبنى المجلس التشريعي بأسلوب عنيف للغاية.. هذه الأعمال الوحشية تمثل استفزازًا كبيرًا وتضر بحكم القانون في هونج كونج؛ ما يقوّض بصورة خطيرة الاستقرار الاجتماعي بهونج كونج، وهو ما لا يمكن السكوت عليه...».
وفيما أوضح المكتب، حسب الألمانية، أن «بكين تدعم حكومة هونج كونج، وأن الشرطة بدأت التحقيق مع المتظاهرين واستعادة النظام الاجتماعي»، فقد طالبت رئيسة تايوان، تساي انج وين، حكومة هونج كونج بـ«مناقشة مخاوف المتظاهرين»، وأضافت: «أشعر بالقلق من احتمالية وقوع مواجهة أسوأ في حال الاستمرار في عدم الاستجابة لمطالب المواطنين...».
وكانت رئيسة تايوان قد انتقدت، في وقت سابق، خطة الرئيس الصيني شي جين بينج، بتطبيق مبدأ «دولة واحدة ونظامان»، على تايوان مثلما كما هو مطبق في هونج كونج، وقالت في وقت سابق: «الخطة تمثل تهديدًا لأسلوب الحياة الحر والديمقراطي» في الجزيرة ذاتية الحكم.
بدورها، انتقدت الرئيسة التنفيذية لهونج كونج كاري لام، في وقت سابق، المتظاهرين الذين لجأوا إلى العنف واقتحموا مبنى المجلس التنفيذي وخربوهن وفرقت بين «المتظاهرين الجيدين والسيئين»، وشددت على أهمية حكم القانون في هونج كونج، وقالت: إن أولئك المسؤولين عن دخول المبنى بعنف وتخريبه من الداخل سيعاقبون.
وأشارت لام إلى أن مشروع القانون المثير للجدل، الذي يسمح بتسليم المطلوبين إلى البر الرئيسي للصين، لن يطرح مجددًا، وأضافت: «تعليق مشروع القانون في هذه المرحلة ودون وجود جدول زمني أو خطة لاستئناف النقاش بشأنه في المجلس التشريعي، يعني إنه ستنتهي صلاحيته أو سيكون لاغيًّا في يوليو 2020، عندما تنتهي دورة انعقاد المجلس التشريعي الحالي».
وفيما يرى رافضو مشروع قانون تسليم المطلوبين أنه سيكون بمثابة ذراع لبكين؛ للتدخل في السياسات الداخلية لهونج كونج، فقد اقتحم متظاهرون المجلس التشريعي، أمس الإثنين، بعد تدمير الواجهة الزجاجية وأجزاء من سياج، وجُرح 13 شرطيًّا، حسبما أفاد مسؤولون.
بدورها، شنَّت صحيفة حكومية صينية (10 يونيو)، هجومًا شديدًا على «قوى أجنبية تحاول زعزعة الاستقرار في هونج كونج»، التي شهدت احتجاجات حاشدة قبل إعلان انتهائها، بعد مصادمات ومحاولة مئات المحتجين اختراق حواجز الشرطة لدخول مقر الحكومة، فيما استخدمت الأجهزة الأمنية الغاز المسيل للدموع والهراوات ضد المتظاهرين، الذين كان الكثير منهم يرتدون أقنعة الوجه الطبية، وينتمون للجماعات الطلابية المؤيدة للاستقلال.
وقالت صحيفة «تشاينا ديلي»، الحكومية الرسمية في افتتاحيتها، إن «المتظاهرين الذين يحتجون ضد التعديلات المقترحة على قانون تسليم المجرمين في هونج كونج، هم بيادق يُجرى استخدامهم من قبل المعارضة وحلفائها الأجانب؛ لتقويض مصداقية الحكومة. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الصحيفة الصينية، أن «بعض القوى الأجنبية تنتهز الفرصة لتعزيز استراتيجيتها الخاصة لإلحاق الضرر بالصين، من خلال محاولة التسبب في الفوضى في هونج كونج».
ويعارض المحتجون قانونًا جديدًا يسمح بتسليم المجرمين للصين، وفق مشروع القانون المعروض أمام المجلس التشريعي في هونج كونج، وسيسمح القانون المقترح لهونج كونج بتسليم الجناة إلى الدول، التي لم تبرم معها اتفاقية تسليم طويلة الأجل، مثل البر الرئيسي للصين، على أساس كل حالة على حدة؛ حيث أعرب المواطنون العاديون لدى الهيئات المهنية، عن مخاوفهم من إمكانية استخدام تسليم المجرمين لمقاضاة الأفراد لأسباب سياسية، وكذلك المساس بمكانة هونج كونج باعتبارها أحد أكثر الأماكن حرية في آسيا، بينما وعدت الحكومة بإدراج ضمانات وتقول، إن القانون لن يطبق إلا على الجرائم التي تستوجب عقوبة السجن لمدة سبع سنوات على الأقل.
وعبَّرت حكومات أجنبية (حسب وكالة رويترز) عن قلقها من مشروع القانون، وحذَّرت من تأثيره المحتمل على سمعة هونج كونج كمركز مالي دولي؛ إذ قد يشكِّل خطرًا على الأجانب المطلوبين في الصين أثناء وجودهم فيها، فيما أبدت جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، قلقها مرارًا من اللجوء للتعذيب والاعتقال القسري، والحصول على اعترافات تحت ضغط، ومشكلات الوصول إلى محامين في الصين.
في المقابل، دافع مسؤولون من حكومة هونج كونج مرارًا عن تعديل القانون؛ حتى مع رفع سقف الجرائم التي يمكن تسليم المتهمين بها إلى جرائم تستوجب عقوبات بالسجن سبع سنوات أو أكثر، ويقولون إن التعديلات المقترحة على القانون تشمل ضمانات مناسبة، من بينها حماية القضاة المحليين المستقلين الذين سينظرون في كل قضية قبل الموافقة على التسليم، لكن المشروع لا يتضمن تسليم من قد يتعرضون للاضطهاد السياسي، أو الديني أو التعذيب، ومن قد يعاقبون بالإعدام.