تتجه الأمم المتحدة إلى فرض عقوبات مالية على الشركات المرتبطة بجيش ميانمار، بعدما حث محققون تابعون للمنظمة الدولية زعماء العالم على هذه الخطوة المالية المستهدفة، مؤكدين أن «الشركات الأجنبية التي تتعامل معها قد تكون متورطة في جرائم دولية».
وحددت لجنة خبراء بمجال حقوق الإنسان (بحسب وكالة رويترز)، عشرات الشركات المرتبطة بالجيش الذي يسيطر على قطاعات واسعة من اقتصاد ميانمار عبر حيازة شركات والوحدات التابعة لها. وتتهم المنظمة الدولية الجيش بـ«تنفيذ حملة إبادة عرقية ضد أقلية الروهينجا».
وفرَّ أكثر من 730 ألفًا من أفراد أقلية الروهينجا المسلمة من ولاية راخين في ميانمار إلى بنجلاديش المجاورة وسط حملة بدأها الجيش في أغسطس 2017 تقول الأمم المتحدة والدول الغربية إنها شملت عمليات قتل واغتصاب جماعي.
ونددت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بالعنف في تقرير (العام الماضي) الذي دعا إلى عزل الجيش اقتصاديًّا. وقال المحققون إن الهدف من التقرير الجديد هو مساعدة الدول على قطع العلاقات المالية مع الشركات المرتبطة بالجيش.
وقال رئيس اللجنة مرزوقي داروسمان: «للمرة الأولى، يخرج هذا التقرير بوضوح عن ضلوع شركات أوروبية وآسيوية معينة، ويوضح أنه توجد في حقيقة الأمر هذه العلاقة مع الشركات التابعة لجيش ميانمار، وأنها تمثل انتهاكًا لمعاهدات الأمم المتحدة ومعاييرها».
وكانت الولايات المتحدة قد حظرت (في يوليو الماضي) دخول أربعة من قادة الجيش في ميانمار إليها بسبب «انتهاكات» لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل التي وقعت في ولاية راخين شمال البلاد ضد مسلمي الروهينجا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حينها إن «القائد العام للجيش ونائبه من بين الأربعة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، كما يشمل المنع أفراد أسرهم. وبهذا الإعلان، تكون الولايات المتحدة أول حكومة تتخذ إجراءً علنيًّا يتعلق بأعلى قيادة عسكرية للجيش البورمي».
وتابع: «حددنا هؤلاء الأفراد بناءً على معلومات موثوق بها عن تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان»، في إشارة إلى «القائد العام للجيش مين أونج هيلينج، ونائبه سوي وين، والبريجادير جنرال ثان أو، والبريجادير جنرال أونج أونج».
إلى ذلك، أعلنت الأمم المتحدة (أبريل الماضي) عن تعيين قاضٍ أمريكي ليقود جهود جمع وتحليل الأدلة على ارتكاب ميانمار جرائم ضد الإنسانية بحق أقليات عرقية خلال السنوات الثمانية الماضية. وسوف يكون نيكولاس كومجيان (القاضي المختص بشؤون القضاء الجنائي الدولي) أول رئيس لـ«آلية التحقيق المستقلة» التي تم تأسيسها في سبتمبر عبر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وفيما تتولى اللجنة مهمة «جمع ودمج وحفظ وتحليل الأدلة على أخطر الجرائم الدولية وانتهاكات القانون الدولي التي ارتكبت في ميانمار منذ عام 2011، فقد جاء تأسيس الآلية بعد دعوات سابقة من محققين تابعين للأمم المتحدة لمقاضاة القادة العسكريين في ميانمار بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد مسلمي الروهينجا في ولاية راخين.
وتم طرد أكثر من 800 ألف من الروهينجا من البلاد منذ عام 2016، فيما يجري المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حاليًّا بحثًا أوليًّا بشأن ما تردد حول الترحيل الجماعي للروهينجا في ميانمار. وقال متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، عند تعيين كومجيان: «الأمر يتعلق بجمع الأدلة، ونأمل أن تتعاون جميع الدول المعنية بنشاط مع الآلية».
ومنذ عام 2013، عمل كومجيان مدعيًا عامًّا للدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا، وقد تولى سابقًا مهام مماثلة في المحاكم الخاصة بالجرائم الخطيرة في تيمور الشرقية والبوسنة والهرسك وسيراليون.
ورغم أن آلية التحقيق المستقلة تعمل مستقلةً عن أي محكمة، فإنها سوف تقدم ما تتوصل إليه من نتائج في أي قضية مرفوعة ضد قادة ميانمار العسكريين، سواء القضايا التي تنظر فيها أي محكمة وطنية أو المحكمة الجنائية الدولية.
ومنذ أن بدأت منظمات حقوق الإنسان في عام 2016 الدعوة إلى التحقيق في جرائم ميانمار ضد الروهينجا، سعى الجيش والحكومة المنتخبة بقيادة الرئيسة الفعلية للبلاد مستشارة الدولة أون سان سو تشي إلى منع التدخل الدولي من خلال إجراء تحقيقاتهم الخاصة.
ونجحت عدة لجان عيَّنها الجيش في تبرئته، كما كانت «لجنة التحقيق المستقلة» التي شكلتها سو تشي -وتضم عضوين أجنبيين- غير فعالة إلى حد كبير، وذكرت علنًا أنها لن تسعى إلى «إلقاء اللوم» على أي شخص بشأن ما تردد حول ارتكاب فظائع.
وفي مارس الماضي، أعلن الجيش تعيين ثلاثة من ضباطه لتشكيل «محكمة تحقيق» جديدة تقوم بـ«إجراء مزيد من التدقيق بشأن الحوادث» المتعلقة باندلاع العنف في ولاية راخين بعد هجمات شنها متمردون من الروهينجا على مواقع الشرطة في أواخر عام 2017.
ونددت منظمات حقوق الإنسان بهذه التحقيقات المحلية باعتبارها جهودًا لتجنب المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي لا تسمح لوائحها الداخلية بالتدخل إلا بعد استنفاد آليات المساءلة المحلية. ويعتبر تعيين كومجيان رئيسًا لآلية التحقيق المستقلة إشارة إلى أن الهيئات الدولية لن تتأخر بسبب تكتيكات ميانمار المراوغة.
وقال كبير المستشارين القانونيين للمساءلة العالمية في لجنة الحقوقيين الدولية كينجزلي أبوت: «يعتبر تعيين رئيس الآلية الجديدة خطوة أساسية نحو المحاسبة على الجرائم المرتكبة ضد الروهينجا وغيرهم من الضحايا».