جدَّدت المملكة العربية السعودية، رسميًا، حرصها على تحقيق العدالة فيما يتعلق بقضية المواطن جمال خاشقجي، وشدَّد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، على أنَّ «أي شخص تثبت إدانته في القضية سينال جزاءه دون استثناء، وأيًّا كانت وظيفته».
وجاء التعهد الرسمي من ولى العهد في ذكرى مرور عام على وفاة الكاتب والإعلامي جمال خاشقجي، في الثاني من أكتوبر عام 2018، وسط تأكيدات- تدلل على عليها الخطوات التي اتخذتها الحكومة السعودية حتى الآن- بمنع تكرار الجريمة، وقد بدأت هذه الخطوات بإصلاحات فورية في المؤسسات الأمنية والاستخبارية.
وعقب الجريمة مباشرة صدر التوجيه الملكي بتشكيل لجنة وزارية برئاسة الأمير محمد بن سلمان لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة يأتي لضمان أن يقوم هذا الجهاز بأعماله، وفق رؤية تواكب التطور الكبير في جميع أجهزة الدولة ومواصلة لمجهودات الرئاسة في حفظ أمن الوطن والمواطنين في الداخل والخارج.
وشدَّد ولي العهد، في حوار مع قناة «cbsnews»، أن «ألمًا كبيرًا أصاب السعوديين، خاصة الحكومة»، وقال: «دورنا هو العمل ليل نهار على تخطِّي ذلك وضمان مستقبل أفضل بكثير من أي شيء حدث بالماضي»، مفسرًا عدم علمه بالجريمة، كون «هناك ثلاثة ملايين من الموظفين الحكوميين في السعودية، ومعرفة ما يقومون به يوميًا أمر مستحيل».
وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، قد ردَّ على سؤال مماثل لشبكة «فوكس نيوز»، حول مدى علم ولي العهد بما حدث، قائلًا: «نحن لسنا حكومة متسلطة.. لدينا ضوابط وتوازنات.. لدينا نظامنا.. الأفراد الذين يقفون وراء هذا هم خارج نطاق السلطة.. تاريخنا في السعودية خلال الـ80 سنة الماضية لم ير مثل هذا السلوك، ولا يمكن لهذا السلوك أن يتكرر.. هذه العملية خاطئة وسلوك إجرامي والمسؤولون عنه سيعاقبون..».
ونبَّه الجبير، حينها، إلى أنه «لم يكن هناك أشخاص قريبون من ولي العهد، بل كان هناك صور لأشخاص كانوا ضمن فريقه الأمني من وقت لآخر؛ لكن هذا طبيعي أشخاص أمنيون يتعاملون مع ملف أمني داخلي أو خارجي، والصور المتداولة لا تعني تورطهم بالحادثة على الإطلاق.. هذه عملية فردية لأشخاص تجاوزوا الأوامر والمسؤولية التي لديهم وارتكبوا خطأ في قتل جمال خاشقجي».
وأظهر إعلان اللجنة الوزارية برئاسة ولي العهد قراراتها بشأن إعادة هيكلة أهم جهاز أمني في المملكة، مدى جرأة السعودية وشفافيتها في التعامل مع ملف، ترفض كثير من الدول إظهاره للآخرين؛ حيث أضفت هذه الخطوة، بحسب مراقبين، مزيدًا من الشفافية والثقة في خطوات السعودية نحو الإصلاح الشامل، والذي يأتي متوافقًا مع رؤية المملكة 2030.
ولم يقتصر الأمر على إعلان القرارات فقط، بل إنَّ اللجنة ذكرت تفاصيل اجتماعاتها، فأشارت إلى أن اجتماعها الأول كان بتاريخ 16/2/1440هـ الموافق 25/10/2018م، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وحددت خطة العمل لإنفاذ التوجيه الكريم، ثم عقدت عدة اجتماعات لاحقة لتقييم الوضع الراهن وتحديد الفجوات في الهيكل التنظيمي والسياسات والإجراءات والحوكمة والأطر القانونية وآليات التأهيل؛ لتخرج بتوصيات علنية، كشفتها أمام الجميع، ضمن استراتيجية الشفافية التي تعتمدها القيادة الرشيدة.
ورأى محللون أنَّ المملكة رغم جهودها في تقویة عملیات إصلاح الأجهزة الأمنیة المؤسسية والرقابية والمالية وتعزيزها، تصرّ على مراعاة الخصوصیة المؤسسیة من جهة، وضمان إعمال قواعد العدالة والشفافیة من جهة أخرى، وأنَّه بالتتبع لاستراتيجيات الدول في التعامل مع أجهزتها الأمنية، فإنَّ الجميع يعتمد على مبدأ الكتمان والإصلاحات الخفية، لأسباب مجهولة، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع معدلات الشفافية بتلك الدول.
وجدَّدت المملكة، على لسان مسؤوليها، أنَّ «هناك نية أكيدة لإظهار جميع الحقائق بخصوص هذا الموضوع، ومن ثم محاسبة الذين يقفون خلف هذه القضية، بداية من فريق التحقيقات السعودي الذي سافر إلى تركيا عقب الحادث، إلى تحقيقات المدعي العام السعودي في القضية، بعدما أمر النائب العام باحتجاز مشتبه بهم للاستجواب والمحاكمة، والأمر الملكي بإقالة مسؤولين تورطوا في القضية.
ونبَّهت المملكة إلى أنَّ هذه الإجراءات تعد بمثابة الخطوة الأولى في رحلة طويلة، وقد قال الوزير الجبير، في إطلالات إعلامية دولية: «نحن عازمون على كشف كل حجر، وعلى معرفة وإظهار كل الحقائق، كما أننا عازمون على معاقبة أولئك الذين يقفون وراء جريمة القتل، مع ضمان أن شيئًا من هذا لا يمكن أن يحدث مرة أخرى.. الملك سلمان متمسك بإظهار الحقائق، وتنفيذ السياسات والإجراءات التى تمنع تكرار حادثة مشابهة.. ما حدث غلطة فظيعة وفظيعة...».
وكانت المؤسسات الرسمية السعودية قد فسرت أسباب تأخّر الرواية السعودية حوالى 18 يومًا، مشيرة إلى أن «قيادة المملكة كان لديها تقرير يشير إلى أن خاشقجي خرج من القنصلية، لكن فريق التحقيق الخاص المكلف من القيادة بتقصي الحقائق اكتشف وجود تناقضات بين التقرير الأولي ومعلومات جديدة توصل إليها، وعند التوصل إلى هذه الوقائع الصحيحة بدأ المدعي العام بإجراء التحقيقات».
ونبهت المملكة أنه عندما تكون الملابسات على هذا النحو فلابدَّ من أن تكون هناك رغبة في تقصّي الحقائق أولًا قبل إعلانها، ولأنّه لا يعتمد في قضية شائكة على هذا النحو على الافتراضات أو الإشاعات فإن الموضوع يأخذ وقتًا، بدليل أن الحكومة الأمريكية أخذت وقتًا كبيرًا في قضية التعذيب الكبرى بسجن «أبو غريب»، العراقي قبل إصدار حكومة الولايات المتحدة التقارير الأولية لما حدث.
وكان خادم الحرمين الشريفين، قد أمر بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد؛ لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها، وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق، وذلك بناءً على ما رفعه ولي العهد، رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية إلى خادم الحرمين، عن الحاجة الماسة والمُلِحّة لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة، وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق.
وتضمن التوصية أيضًا «تقييم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعملها، والتسلسل الإداري والهرمي بما يكفل حسن سير العمل وتحديد المسؤوليات، وأن المصلحة العامة تقتضي ضرورة تشكيل لجنة للقيام بذلك»، من ثمّ صدر أمر خادم الحرمين، برقم 7422 وتاريخ 10/2/1440هـ، بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد، وتضمّ اللجنة في عضويتها عددًا من أعضاء المجلس، وهم: وزير الداخلية، والدكتور مساعد العيبان، والدكتور إبراهيم العساف، ورئيس الديوان الملكي، ووزير الخارجية، ورئيس الاستخبارات العامة، ورئيس أمن الدولة، على أن ترفع اللجنة نتائج أعمالها خلال شهر من تاريخه.