المحليات

سياسي لـ «عاجل»: خادم الحرمين طرح رؤية شاملة للأمم المتحدة عن التحديات التي تواجه العالم

الأمن القومي العربي يتصدر اهتمام المملكة

سامية البريدي

قال المحلل السياسي والأمني والباحث في العلاقات الدولية الدكتور أحمد الأنصاري لـ «عاجل»، «إن حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على إلقاء كلمة المملكة بالدورة الحالية لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ جاء استشعاراً منه بالدور القيادي المسؤول للمملكة في ظل تحدي جائحة كورونا، والتحديات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة والعالم»، مشيراً إلى أن كلمة المملكة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، ذات أهمية بالغة جدًا؛ كونها رئيسًا لمجموعة العشرين، والقائد الفعلي والحقيقي للعالمين الإسلامي والعربي، فضلًا عن محورية دورها بمجابهة قضايا المنطقة ومحاربة الإرهاب والتطرف ومعالجة التحديات العالمية بشأن استقرار أسواق الطاقة.

مضمون عميق تناول أهم القضايا 

وأضاف «الأنصاري»، أن مضامين الكلمة تؤكد على مواقف المملكة حيال أهم القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية، وهي مواقف ثابتة راسخة تتسم بوضوح ومصداقية، وتهدف إلى إحلال الأمن والإستقرار والإزدهار للمنطقة والعالم، وتستند إلى مرجعية دينية وثقافية وأخلاقية راسخة ومتجذِّرة، تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي، والثقافة العربية، والقيم الإنسانية المشتركة، الداعية إلى التعايش والسلام والاعتدال، وتكاتف الدول والشعوب في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة.

محاور ترتكز على قيم المملكة

واستكمل «الأنصاري»، أن الكلمة ارتكزت على محاور مهمة شملت، التعايش والسلام والإعتدال، والتحديات الراهنة ورؤية المستقبل، وجائحة كورونا، والقضية الفلسطينية، ومواجهة الإرهاب والتطرف، والعلاقة مع إيران، والوضع في اليمن ولبنان وليبيا وسوريا، والتحديات الإنسانية الدولية، حيث بدأ خادم الحرمين، بالحديث عن تلك القيم التي تعتمدها المملكة في صياغة علاقاتها الدولية ومضمون رسالتها للعالم التي حرص الملك على تأكيدها؛ انطلاقًا من التعاليم الإسلامية وثقافتها العربية، وإيمانها العميق بقيم إنسانية مشتركة تربطها بجميع دول العالم، مشيراً إلى أن للمملكة دوراً قيادياً ومحورياً في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة تحديات أمنية وسياسية تهدد أمن شعوب منطقة الشرق الأوسط، واستقرار دولها، بإسهامها في جهود الوساطة والتوصل لحلول النزاعات بالطرق السلمية دعمًا منها للأمن والاستقرار والتعايش المشترك والنمو والازدهار العالمي.

طريق واعد نحو مستقبل زاهر 

وواصل «الأنصاري» انتقل الملك بعد ذلك؛ للحديث عن المملكة التي اختارت طريقها نحو المستقبل برؤية 2030 التي تطمح من خلالها أن يكون اقتصادها رائدًا ومجتمعها متفاعلًا مع محيطه، ومساهمًا بفاعلية في نهضة البشرية وحضارتها، فضلا عن انتهاج سياسة قائمة على الثبات والاعتدال واحترام القوانين والأعراف الدولية، والسعي المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في محيطها، ودعم الحلول السلمية للنزاعات، ومكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة والداعمين للإرهاب تمويلًا وفكرًا. 

واستطرد «الأنصاري»، أشار الملك أن المملكة قدمت دعماً مالياً بقيمة 500 مليون دولار لجهود مكافحة جائحة كورونا، وتعزيز التأهب والاستجابة الدولية للتعامل مع الجائحة وآثارها، مما يأتي امتدادًا لمساعداتها الإنسانية والتنموية المستمرة التي لا تستند في تقديمها لأي أسس سياسية أو دينية أو عرقية، حيث تجاوزت قيمة مساعداتها 86 مليار دولار استفادت منها 81 دولة، وأهلتها لصدارة الدول المانحة. 

القضية الفلسطينية تظل حاضرة لدى المملكة بكل مناسبة 

وأضاف «الأنصاري»، أنه بخصوص القضية الفلسطينية والجهود الحثيثة لحلها، أشار الملك إلى أن السلام خيار استراتيجي تقوم من خلاله بدعم جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، فمنذ العام 1981 قدمت أكثر من مبادرة ترمي إلى تحقيق هذا السلام، ومنها مبادرة تبنتها الجامعة العربية وسميت مبادرة السلام العربية، ترتكز على حل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي المبنية على الأرض مقابل السلام بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية؛ ولهذا فالمملكة تساند جهود الإدارة الأمريكية الحالية لإحلال السلام، بالعمل على جمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة مفاوضات؛ للوصول إلى اتفاق عادل وشامل. 

رؤية تقوم على معالجة شمولية للفكر المغذي للتطرف 

وأردف «الأنصاري»، أنه بشأن المعركة ضد الإرهاب، أشار إلى أنه رغم التقدم الكبير الذي حققته المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية، إلا أن نجاحها الكامل يتطلب معالجة شمولية للفكر المغذي للتطرف والتمويل المغذي لأعمال العنف، وهو ما يؤكد على أهمية الدعوة السعودية لتكثيف الجهود لمواجهة هذا التحدي بشكل شامل، ومواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية والداعمة للأيديولوجيات المتطرفة؛ لذلك فالمملكة تعتبر الإرهاب والتطرف تحدياً رئيساً يواجه العالم بأسره؛ وحققت مع شركائها الدوليين، نجاحات مهمة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك دحر سيطرة تنظيم داعش على الأراضي في سوريا والعراق، وتوجيه ضربات مهمة لتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن. 

واستشهد «الأنصاري» بكلمة الملك، حيث أكد أن المملكة تساند الجهود العالمية المشتركة لمواجهة هذا التحدي، ولم تتواني في تقديم الدعم المالي والمعنوي للمؤسسات الدولية المعنية، ومنه دعم مركز الأمم المتحدة الدولي لمكافحة التطرف بمبلغ 110 ملايين دولار، وإنشائها المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، واستضافتها المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، والتأكيد مسؤوليتها في حماية العقيدة الإسلامية السمحاء من محاولات تشويهها من قبل تنظيمات إرهابية ومجموعات متطرفة، والتأكيد على براءة الإسلام من جميع الجرائم النكراء والفظائع التي ترتكب باسمه، ووجوب التكاتف الدولي في الوقوف بحزم أمام الدول الداعمة للإيديولوجيات المتطرفة العابرة للأوطان. 

صراحة تحسم الموقف بشأن إيران 

وأشار «الأنصاري» إلى أنه فيما يخص النظام الإيراني قدم خادم الحرمين الشريفين للمجتمع الدولي خلاصة تجارب المملكة مع هذا النظام الإرهابي، ومفادها أن الحلول الجزئية ومحاولات الاسترضاء لم توقف تهديدات هذا النظام للأمن والسلم الدوليين، وأن رؤية المملكة واضحة وصريحة حول ضرورة إيجاد حل شامل واتخاذ موقف دولي حازم؛ يضمن معالجة جذرية لسعي النظام الإيراني لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتطوير برنامجه الصاروخي، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعايته للإرهاب. وأن العديد من الدول الغربية والأوروبية استشعرت خطر هذا النظام الذي سبق وأن نبهت إليه ومنه المملكة مرارًا وتكرارًا، وهو ما يستوجب حلًا شاملًا وموقفًا دوليًا حازمًا بعيدًا عن محاولات الاسترضاء التي باءت بالفشل. 

نظام يرفض مصافحة يد السلام 

ونوه «الأنصاري» بأهمية تأكيد الملك بأنه رغم من تعامل المملكة بإيجابية مع إيران واستقبال رؤساءها مرات عدة لبحث السبل الكفيلة ببناء علاقات تعتمد على حسن الجوار والاحترام المتبادل؛ إلا أن نظام طهران رفض مصافحة يد السلام، ولم يُفسح المجال لهذه الجهود والنوايا الحسنة ولم يِبادلها إلا بمزيد من التآمر والعداء، واستغل الجهود الدولية لمعالجة برنامجه النووي بزيادة نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب وإهدار مقدرات الشعب الإيراني لتحقيق مشروعات توسعية، لم تنتج منها إلا فوضى وتطرف وطائفية، تضررت منها دول وشعوب المنطقة وطالت تأثيراتها الاقتصاد العالمي برمته، وتجلى نهجه العدواني باستهداف غير المسبوق للمنشآت النفطية في المملكة وعبر أدواتها في اليمن بأكثر من 300 صاروخ باليستي و400 طائرة بدون طيار، في انتهاك صارخ لقراري مجلس الأمن الدولي 2216 و2231، ساعية بذلك إلى تهديد أمن المملكة والأمن الإقليمي والدولي، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، واعتداء على الأمن والسلم الدوليين. 

تدخلات أفرزت أزمات سياسية في اليمن 

ونبه «الأنصاري» لإشارة الملك للوضع في كلا من اليمن ولبنان وليبيا وسوريا وأن لأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي يعانيها الشعب اليمني الشقيق، نتاج لتدخلات النظام الإيراني في اليمن من خلال انقلاب الميليشيات الحوثية التابعة له على السلطة الشرعية، وما ترتب على ذلك من تهديدٍ لأمن دول المنطقة والممرات المائية الحيوية للاقتصاد العالمي، وأن المملكة ستظل داعمة للشعب اليمني حتى يستعيد كامل عافيته وسيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، ونظام طهران وحده من يتحمّل تداعيات الأزمة المتفاقمة من خلال مواصلته دعم المجهود الحربي للميليشيا الحوثية الإرهابية التي تتحمل مسؤولية تعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وعرقلت جميع جهود التوصل إلى حل سياسي، ورفض التجاوب مع جهود التهدئة ووقف إطلاق النار استجابة لدعوة الأمم المتحدة، كما تسببت بعدم إتاحة الفرصة لتعزيز جهود مكافحة جائحة كورونا، واستمرت في استهداف المدنيين في اليمن والمملكة، حيث أكد الملك على عدم التهاون في الدفاع عن أمن المملكة الوطني، وعدم التخلي عن الشعب اليمني حتى يستعيد كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، واستمرار تقديم الدعم الإنساني له، ودعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن وفقًا للمرجعيات الثلاث. 

تصحيح الوضع في لبنان 

كما تناول «الأنصاري»، أهمية تأكيد الملك بشأن بداية تصحيح الوضع في لبان الذي يجب أن يبدأ من تجريد حزب الله الإرهابي من سلاحه والذي تسببت هيمنة وسيطرة هذا الحزب التابع لإيران على البلاد وسياسة فرض الأمر الواقع وتعطيله مؤسسات الدولة الدستورية إلى كارثة إنسانية كبيرة نتيجة انفجار مرفأ بيروت، وهو ما يجعل من دعوة المملكة لمعالجة السلاح غير الشرعي أمرًا بالغ الأهمية لأمن واستقرار لبنان واللبنانيون، وأن المملكة وقفت باستمرار إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، كما تقف معه اليوم بعد تعرضه إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، وما يعانيه اللبنانيون اليوم.

ليبيا في ميزان الأمن القومي العربي 

كما شدد «الأنصاري»، على أهمية تناول الملك للصراع في ليبيا، وتأكيده بأن المملكة تولي أهمية بالغة للأمن القومي العربي وتدعم كل الجهود الرامية لتحصينه ضد التدخلات الخارجية سواءً أكان مصدرها دولًا أو منظمات إرهابية أو مجموعات المرتزقة، وما إدانتها للتدخلات الأجنبية في ليبيا ودعوتها لطرد الميليشيات من سوريا إلا دليلًا على استشعارها العميق لمصادر التهديد التي يتعرض لها هذين البلدين العربيين، وأن المملكة تشعر بالقلق إزاء التطورات في ليبيا التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لوحدتها وسلامة أراضيها، ومن هذا المنطلق كانت دعوتها لجميع الأشقاء الليبيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، والوقوف صفًا واحدًا للحفاظ على وحدة بلادهم وسلامتها، كما جدد موقف المملكة الثابت من الأزمة السورية، بتأييدها الحل السلمي للأزمة، وخروج الميليشيات والمرتزقة منها، والحفاظ على وحدة التراب السوري.

وثمَّن «الأنصاري» دعوة الملك لتكثيف الجهود والعمل الدولي المشترك لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية جمعاء، وإشارته إلى أنه رغم العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، إلا أن ذلك لم يُشغل صانع القرار السعودي عن الملفات التي تكتسب أهمية قصوى لإنسان العالم، مثل التغير المناخي ومكافحة الفقر والجريمة المنظمة وانتشار الأوبئة، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود والعمل الدولي لمواجهة هذه التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية، داعيا إلى العمل معًا من أجل غدٍ مشرق، تعيش فيه الأجيال القادمة بأمن واستقرار وسلام.

مرر للأسفل للمزيد