المحليات

الصيادلة السعوديون.. مهنة بين الحلم والضغط وسط تحديات لا تنتهي

ماجد الفريدي

قبل سنوات قليلة، لم يكن للصيدلي السعودي حضور يُذكر في صيدليات المملكة، كانت المهنة تكاد تقتصر على غير المواطنين، حتى جاءت التحولات الجذرية التي فرضت نفسها في إطار رؤية وطنية للتوطين.

قفزة غير مسبوقة رفعت عدد الصيادلة السعوديين من 1266 فقط قبل خمس سنوات، إلى أكثر من 10 آلاف شاب وشابة اليوم يعملون في مختلف الصيدليات والمستشفيات والمجمعات الطبية.

نجاحات ملهمة.. لكن

هذه الأرقام تعكس قصص نجاح مُشرقة؛ فعلى سبيل المثال: رائد الزهراني الذي بدأ كصيدلي متدرب قبل أن يصبح اليوم مديرًا لأحد فروع الصيدليات الكبرى، مؤكدًا أن الصيدلي السعودي قادر على القيادة متى ما مُنح الثقة.

محمد الغامدي بدوره شدّد على أن التجربة أثبتت أهلية الصيادلة السعوديين، فيما رأى عبدالعزيز العتيبي أن التحوّل كان أسرع من استعداد السوق، لكنه رغم ذلك فتح الباب واسعًا أمام الكفاءات الوطنية.

لكن خلف هذه النجاحات الفردية، تقف معاناة يومية يعيشها آلاف الصيادلة السعوديين، معاناة تبدأ من ضغوط العمل ولا تنتهي عند حدود الدخل المتواضع، لتتحول المهنة من حلمٍ أكاديمي راود الطلبة على مقاعد الجامعة إلى واقع ضاغط يهدد الاستقرار المهني والأسري.

معاناة تحت المجهر

 رغم القرارات الداعمة للتوطين، إلا أن كثيرًا من الصيادلة السعوديين تحدثوا لصحيفة «عاجل»، كاشفين عن مواجهتهم ظروفًا يصفونها بـ«غير العادلة».

وأجمل الأطباء الصيادلة، هذه «الظروف غير العادلة»، فيما يلي:

  • • ساعات عمل مرهقة تتجاوز 8–10 ساعات يوميًا.

  • • رواتب لا تتعدى 6 آلاف ريال في بعض الحالات، مقارنة بتخصصات صحية أخرى تبدأ رواتبها من 12 ألف ريال وأكثر.

  • • مناوبات عشوائية تُربك الحياة الأسرية والاجتماعية.

  • • تكليف بمهام إدارية وتسويقية لا علاقة لها بالجانب الصحي.

ويقول أحد الصيادلة –رفض ذكر اسمه–: «لم أدرس خمس سنوات في كلية الصيدلة لكي أصبح موظف مبيعات أُحاسَب على عدد العبوات التي أبيعها.. نحن أطباء دواء ولسنا بائعين».

مطالب الصيادلة.. صوت من الداخل

معاناة جسدها صيادلة سعوديين في تصريحات لـ«صحيفة عاجل»، طارحين بعض المطالب التي قالوا إنها تعكس حجم التحديات التي تواجههم؛ أبرزها:

  • • رفع الحد الأدنى للرواتب إلى 10 آلاف ريال لضمان جذب الكفاءات.

  • • إنهاء الفجوة الكبيرة بين رواتب القطاعين العام والخاص.

  • • إلغاء نظام التارجت الربحي الذي حوّل الصيدلي إلى بائع أكثر من أنه طبيبًا.

  • • توسيع الفرص الوظيفية في المصانع الدوائية والشركات بدل الاكتفاء بالصيدليات.

  • • رفع نسب التوطين إلى 50% مع سعودة المناصب الإدارية والإشرافية.

  • • وضع سلم رواتب واضح يضمن التدرج الوظيفي.

  • • تفعيل التأمين الصحي ليشمل الصيدلي وأسرته.

  • • توفير حماية من الاعتداءات التي يتعرض لها بعضهم من مراجعين غاضبين.

  • • معالجة أوجه القصور في برنامج «وصفتي» الذي يستهلك جهدًا كبيرًا بلا مقابل عادل.

  • • إنهاء ما يسمونه بـ«التوطين الصوري» حيث يتم تسجيل صيدلي سعودي على الورق دون تمكينه فعليًا.

  • • إنصاف الصيادلة السعودييين، وعدم تفضيل جنسية معينة عليهم، بدعوى التارجت.

مهنة تحت الضغط

هشام بدر الدين، نائب رئيس الجمعية السعودية للصيدلة الإكلينيكية، يلخّص الصورة بعبارة دقيقة: «المهنة اليوم تحت ضغط كبير».

فهو يرى أن طول ساعات العمل، ونقص الكوادر، وتكرار المهام الروتينية، وضعف الرواتب مقارنة ببقية التخصصات الطبية، كلها عوامل تجعل الصيدلي يعيش بين مطرقة الواجبات اليومية وسندان غياب التحفيز.

الدعم الحكومي

الجدل لم يتوقف عند بيئة العمل، فقد فجرت شذى النفيسة، رئيس لجنة الموارد البشرية والتدريب في غرفة الرياض، نقاشًا واسعًا بتصريحها أن برنامج دعم توطين مهن الصيدلة يشمل دعم الراتب بنسبة 50%، على أن يكون الراتب «أكثر من 4 آلاف ريال وليس أقل من 15 ألفًا».

لكنها أضافت جملة أثارت استياء بعض الصيادلة: «فكرة أن السعودي محارب غير صحيحة.. الكفاءة ستبقى، ومن لا يثبت نفسه سيخرج».

ردود فعل كثيرة صدرت من صيادلة رأوا في هذا الطرح تبسيطًا لمشكلاتهم، إذ إن معاناتهم –كما يقولون– ليست في الكفاءة بل في ضعف الرواتب، نظام المناوبات المرهق، وغياب بيئة عمل عادلة مقارنة بزملاء التخصصات الطبية الأخرى.

قرارات رسمية.. وأمل معلق

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أعلنت في يوليو 2025 عن قرارات مهمة؛ أبرزها:

  • • رفع نسب التوطين في الصيدليات المجتمعية والمجمعات الطبية إلى 35%

  • • توطين الصيدلة في المستشفيات بنسبة 65%

  • • تحديد الحد الأدنى للأجور في القطاع بـ7 آلاف ريال.

هذه القرارات تمثل خطوة متقدمة، لكنها –بحسب صيادلة– لا تزال أقل من سقف التطلعات؛ فمع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأعباء الأسرية، يبقى راتب 7 آلاف ريال بالكاد يغطي الحد الأدنى من الاحتياجات، خاصة لمن يعمل لساعات طويلة ويتحمل مسؤوليات مهنية حساسة تتعلق بصحة المرضى.

بين الطموح والواقع

اليوم، يقف الصيدلي السعودي بين مفترق طرق:

من جهة، هناك نجاحات فردية ملهمة تثبت أن الكفاءة الوطنية قادرة على المنافسة وقيادة القطاع.

ومن جهة أخرى، هناك معاناة مهنية واقتصادية تهدد هذه المكتسبات، إن لم تتم معالجتها بقرارات جريئة تضمن بيئة عمل عادلة ومحفزة؛ أبرزها:

  • • إعادة هيكلة بيئة العمل في الصيدليات.

  • • تفعيل الحماية القانونية للصيادلة من الاعتداءات والممارسات غير العادلة.

  • • توسيع مجالات العمل لتشمل البحث العلمي والتصنيع الدوائي.

  • • ضمان سلم رواتب عادل يوازي أهمية المهنة.

فبين صيدلي شاب بدأ متدربًا وأصبح مديرًا، وآخر يعمل أكثر من عشر ساعات يوميًا براتب لا يتجاوز 6 آلاف ريال، تكمن القصة الحقيقية للصيدلة السعودية: قصة طموح ونجاح من جهة، ومعاناة وضغط من جهة أخرى.

فالقصة ليست فقط عن مهنة تتطور، بل عن آلاف الصيادلة السعوديين الذين يقفون على خط المواجهة مع المرض والدواء، وهم يطالبون اليوم ببيئة عمل عادلة تحفظ كرامتهم وتوازي حجم المسؤولية التي يتحملونها.

مرر للأسفل للمزيد