المحليات

القصة الكاملة لكسوة الكعبة.. أنامل طاهرة تُزيِّن «قرةَ العين» لضيوف الرحمن

حرص تاريخي يتجدد سنويًّا

وكالة الأنباء السعودية ( واس )

تُعد الكسوة الشريفة للكعبة المشرفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام؛ حيث يرتبط بها تاريخ المسلمين، وقد برع فيها أمهرالعاملين في هذا المجال في العالم الإسلامي، وتسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم، وهي كساء حريرأسود منقوش عليه آيات من القرآن بماء الذهب، تكتسي به الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة، صبيحة يوم عرفة. 

حكمة فياضة 

وتأتي الحكمة من كسوة الكعبة أنها شعيرة إسلامية، وهي إتباع لما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده، فقد ورد أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين. 

وجاء الخلفاء الراشدون من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قام أبوبكر وعمر، رضي الله عنهما، بكسوتها بالقباطي والبرود اليمانية، ثم كساها عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بكسوتين أحدهما فوق الأخرى فكان هذا العمل الأول من نوعه في الإسلام. 

تاريخ مشرف 

ويعود تاريخ كسوة الكعبة لما ذكر عن «عدنان بن إد» للجد الأعلى للرسول وهو واحد ممن كسوها، وقيل أن «تبع الحميري» ملك اليمن هو أول من كساها في الجاهلية بعد أن زار مكة، وهو أول من صنع للكعبة بابًا ومفتاحًا، وبعده كساها الكثيرون في الجاهلية، حتى آلت الأمور إلى «قصي بن كلاب» الجد الرابع للرسول، والذي قام بتنظيمها بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم كل حسب.

تطور النسيج والحياكة 

استمر ذلك حتى ظهر أبو ربيعةعبد الله بن عمرو المخزومي، وكان تاجرًا ذا مال كثير وثراءٍ واسعٍ، فأشار على قريش أن اكسوا الكعبة سنة وأنا أكسوها سنة، فوافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات وتوارثت قريش هذا العمل حتى فتح مكة ثم جاء عهد الدول الإسلامية، وظهور الكتابة على الكسوة وفي عصر الدولة الأموية كسيت الكعبة كسوتين في العام كسوة في يوم عاشوراء والأخرى في آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر، ثم اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا؛ نظرًا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز وتخصص في ذلك أهل (تنيس، وتونه، وشطا) من المدن. 

وفي عهد الخليفة المأمون كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة، وظهرت الكتابة على الكسوة منذ بداية العصر العباسي فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها. 

محلية أجياد 

وشرعت المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- أبواب الصناعة لكسوة الكعبة عبر دار خاصة بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة في عام 1346 من الهجرة، وهذه تعد أول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة.

وتستبدل كسوة الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام وتواصل الاهتمام من أبناء المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله، في العناية في صناعة الكسوة وتطويرها؛ حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة 1397 من الهجرة إلى مبناه الجديد بأم الجود وجهز بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة، وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها وتستبدل كسوة الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام.

الأقسام الفنية ومراحل الصنع

وتمر مراحل كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية؛ حيث تبدأ بمرحلة الصباغة وهي أولى مراحل إنتاج الكسوة بالمصنع حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحريرالطبيعي الخالص في العالم، ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية والمنسوخة، ثم قسم المختبر الذي يقوم بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية إضافة إلى عمل بعض الأبحاث والتجارب اللازمة لذلك، يأتي بعدها مرحلة الطباعة، التي يتكون منها قسم الحزام التطريز وقسم خياطة الكسوة، ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة. 

الحفل السنوي 

وعقب انتهاء جميع مراحل الإنتاج والتصنيع وفي منتصف شهر ذي القعدة تقريبًا يقام حفل سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة وتسلم الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام ويقوم بتسليم الكسوة للرئيس العام لشؤون المسجد الحرام المسجد النبوي. 

وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها هي ستارة باب الكعبة المشرفة وهي أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة، وبعدالانتهاء منها يرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاثة أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) والمعروفة بعملية (إحرام الكعبة) ويرفع ثوب الكعبة. 

استبدال الكسوة بشكل دوري 

وتستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام وذلك أثناء فريضة الحج بعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات، ويتولى سدنة البيت الحرام تغيير كسوة الكعبة المشرفة القديمة واستبدالها بالثوب الجديد، استعدادًا لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي الذي يوافق عيد الأضحى.

وعلى خطا المؤسس الملك عبدالعزيز، واصل أبناؤه البررة من بعده العناية بالكعبة وكسوتها خير عناية وتعظيم، فصدر موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بما يوافق الأنظمة المستحدثة، وتعد هذا الخطوة نقلة تطويرية متقدمة في مجال صناعة رداء الكعبة المشرفة. 

وصدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يوم الثلاثاء 13/8/1439هـ بتغير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة. 
 

مرر للأسفل للمزيد