ساهمت القرية التراثية بمنطقة جازان من خلال تطويرها لمعالمها التراثية المتنوعة في جذب أعداد كبيرة من الزوار والسياح وباتت مقصدًا لكبار الشخصيات والدبلوماسيين ووفود من دول عربية وأجنبية للتعرف على أبرز الملامح الأثرية التي تشتهر بها محافظات المنطقة، سواء في القطاعات الجبلية أو في سهولها وسواحلها بما فيها جزر فرسان، وتعزيز مفهوم الأصالة والتاريخ التي تحتفظ بها القرية التراثية وضمها للعديد من الأبنية السكنية القديمة ذات الطابع التراثي والأثري للمواطن في منطقة جازان واختلافها بحسب اختلاف الأماكن والتضاريس.
وكان من أبرز زوار القرية التراثية في جازان كل من السفيرين الياباني والهندي لدى المملكة واللذان سجّلا إعجابهما الشديد بما شاهداه من تنمية وتأهيل للثقافة التراثية لمنطقة جازان ونقل صور تاريخية من الماضي الأصيل للجيل الحالي مع المحافظة على هذا الإرث التاريخي والثقافي والذي يعطي انتماءً جميلًا لهذا الموروث الجميل.
وحرصت القرية التراثية بجازان على إثراء الزوار بأنشطة وعادات لها ارتباط وثيق بالمعالم التراثية والتاريخية وإقامة الفعاليات والمهرجانات واستثمارها سياحيًّا وثقافيًّا وتراثيًّا.
وشهدت منطقة جازان تدفق عدد من الزوار لمتابعة الفعاليات الشتوية وزيارة بعض الأماكن السياحية، ومن ضمن القرية التراثية التي تجاوز عدد مرتاديها منذ مطلع العام الميلادي الحالي 2022م حوالي 40 ألف زائر.
وقال المشرف العامّ على فعاليات القرية التراثية حمد دقدقي لـ"عاجل" في عام 1432هـ، اعتمد الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة الخطة التنفيذية، وتم اعتماد مسارات سياحية كمرحلة أولى إلى عام 1434هـ، وهما مسار مدينة جازان ومسار جزيرة فرسان (مسارات سياحية). وقد تم التركيز على تهيئة هذه المواقع وتزويدها بالخدمات. وكان مسار القرية التراثية واحدًا من هذه المسارات التي تعتبر من أهم معالم الجذب السياحي لمدينة جازان، وحظيت بإقبال كبير من قبل زوار المنطقة نظرًا لما تمثله من نماذج عن الطراز المعماري لمنطقة جازان المعزز الحقيقة بالتراث الثقافي والحضاري والموروث الإنساني وبما يتماشى مع الإرث الثقافي والبيئي للمنطقة.
وأضاف: إذا ما عدنا إلى نشأة هذه القرية التراثية في شهر فبراير من عام 2008م عندما أصدر أمير منطقة جازان حفظه الله قرارًا بتخصيص أرض لإقامة هذه القرية لتكون دائمة للحفاظ على التراث وتوثيقه ولتكون معلمًا سياحيًّا يقصده زوار المنطقة وتفعيل برامج التعريف بالمنطقة اقتصاديًّا وسياحيًّا ولتكون مقرًّا لاحتفالات المنطقة بالمهرجان السنوي الشتوي، ولتكون أيضًا حلقة تعريفية بين أجيال الماضي والحاضر، وأنها تحتوي على مجموعة من المباني القديمة من الحجر والطين، وتحكي قصة التجمعات السكانية وأسلوب العيش بها، مع إبراز الحياة والتعاملات السائدة في الماضي.
وأكد الدقدقي أن القرية التراثية بجازان تتكون من البيت الجبلي بطوابقه الثلاثة وعمارته الملائمة للبيئة الجبلية، والبيت التهامي الذي يبرز بساطة الحياة التهامية من خلال أشكالها وأثاثها البسيط، ووجود سوق شعبي داخل القرية تفوح منه رائحة معروضاته التراثية والأواني التقليدية والنباتات العطرية ذات الروائح الزكية، ودعم للحرف التقليدية القديمة التي تمتزج فيها الأصالة بالتراث مع عراقة الحاضر.
وأوضح الدقدقي أيضًا أن القرية التراثية تقع على مساحة 7 آلاف متر مربع تجمع بداخلها ثقافة وتاريخ وتراث وأفكار وحضارات (16) محافظة وتجسد البيئات الجبلية والتهامية والبحرية من عادات وتقاليد في مكان واحد، فمثلًا المحافظات الجبلية فيفاء والداير والعارضة والريث والعيدابي جمعوا تراثهم تحت سقف واحد وصار متحفًا مصغرًا يحمل بداخله العادات والتقاليد لتلك المحافظات من كنوز الماضي، وتأتي إلى جوار البيئة الجبلية المحافظات التهامية مثل صبيا وأبو عريش وصامطة وبيش وضمد وأحد المسارحة مجتمعة في مكان واحد حيث صممت لتحاكي أهالي تهامة بالعشة التهامية والعريش التهامي تشعرك كأنك في سهول تهامة.
وأشار إلى أن القرية التراثية التي تستقبل الآلاف من الزوار تقدم مسيرة كاملة من الماضي والتراث بداية من البيت الجبلي الى البيت الذي يرمز إلى الأثرياء ذات النقوش وفن العمارة، فضلًا عن الآثار المعروضة والمقتنيات ومجموعة من الأدوات المستخدمة في شئون المنزل والحياة الأخرى، وعبق الماضي وروح الحاضر هناك فعاليات تشهدها القرية -من حين لآخر- الحوارات الجسدية الفنون الشعبية التي تتجاوز 37 لونًا من الألوان الشعبية في محافظات ومراكز المنطقة.
وهناك أيضًا المطعم الشعبي ورسالة العاملين فيه التعريف بطريقة الطهي والطبخ الجيزان الأصيل ويقدم أفضل الأصناف من الأكلات الشعبية الجيزانية المتميزة وتجد إقبالُا كبيرًا من زوار القرية، إضافة معصرة زيت السمسم التقليدية، وهذا الزيت له استخدامات متعددة، يستخدم في الطهي، إضافة إلى استخدامات علاجية.
وتتم عملية عصر السمسم في المعصرة (وتسمى أيضًا المعصارة)؛ وهي إناء كبير يصنع عادة من الخشب، تغرز فيه قطعة من الخشب مربوطة بخشبة أخرى تدور على قاعدة دائرية في الأرض تحيط بالإناء وتتصل بحامل مرتفع عن الأرض قليلاً ثقل من الحجارة ويكون مشدوداً إلى جمل يقوم بالدوران حول الإناء، وعندما يدور الجمل يحرك الخشبة المرتكزة على القاعدة الدائرية الموجودة حول الإناء، وهي بدورها تحرك الخشبة المغروزة في السمسم الموجود في الإناء فتتم عملية العصر.
وتجدر الإشارة إلى أن الجمل الذي يدور حول المعصرة معصوب العينين كما يكون دورانه عكس عقارب الساعة، ويقول أحد الذين يزاولون هذه المهنة، إن عصابة العين مهمة كيلا يحسّ الجمل بتأثير الدوران.
وذكر أيضًا أن ما يميز القرية التراثية بجازان وجود البيت الفرساني من داخل المنطقة وخارجها للاطلاع على التراث الفرساني وما يمثله من تنوع يعكس مدى تمسك الإنسان الفرساني بتراثه القديم والحفاظ عليها وعرضه للأجيال جيلًا بعد جيل.
ويمثل البيت الفرساني بالقرية التراثية بمهرجان "جازان الفل مشتى الكل" بيئة فرسان البحرية والتي تختلف في عملية البناء عن سواها في محافظات جازان وكون فرسان يحيط بها البحر من جميع الجهات كان هناك تصاميم خاصة في عملية بناء البيت الذي يتكون من غرفة ومجلس الذي يطلق عليه في السابق المربعة ويحتوي على الحوش والمشاهد للبيت الفرساني يلفت نظره الفن المعماري في الزخارف وتزيين البيت من الداخل حيث يتكون صدر المجلس العديد من الرفوف التي يزين بها المجلس بالصحون الصينية وأكواب الفخار ويتم رصفها بطريقة جميلة تلفت أنظار كل زائر.
فمنازل الفرسانيين تحتوي على عدة عناصر جمالية تميزها عن غيرها من المنازل وقد تكون العناصر الجمالية من الداخل والخارج، فالداخلية تكمن في الزخارف الهندسية والبنائية القفف والزنابيل الملوَّنة والمراوح المزركشة، اللوحات المعلقة والإكسسوارات والألوان، الصواني جمع صينية والمراش ،الصناديق السيسم ويستخدم لحفظ الأغراض، القعايد (السرر الخشبية)، المنابر الكراسي الخشبية، مشروعة بالحبال، تغطية الأرضيات والسقوف، وأما العناصر الجمالية الخارجية فتتمثل في الفناء وما فيه مثل الحديقة المنزلية، وما فيها من النباتات العطرية (الريحان ،المونس، الشار، الكادي، الفل، الواله)، آنية لحفظ الماء، الواجهات الخارجية للغرف وما فيها من زخارف وإبداع، النوافذ، والأبواب.
وما يميز هذه هو أن الفرسانيين عملوا بالمثل (الإنسان ابن بيئته) واستفادوا من الطبيعة البحرية فاهتمامهم بالفناء عكس مدى بيئتهم البحرية؛ حيث يفرشون فناء منازلهم بالأصداف الصغيرة، ويسمى لدى أهل فرسان البطاح وهو من الأصداف البحرية التي تقذفها ويتم تجميعها وأكثر ما يذهب لجلبها هم النساء؛ حيث تميزت المرأة الفرسانية بذهابها صباحًا لتجميع الأصداف وتجميعها على عدة أكوام صدفية وتركها لتجفيفها والعودة إليها مجدداً وافتراشه في الفناء أو أمام أبواب المنازل.
كما يحوي المنزل الفرساني بقرية جازان على العديد من حرف الصيد التقليدية وأدوات الصيد في القدم وفي الحال التي لاقت استحسان الزوار؛ حيث تعتبر حرفة الصيد هي الحرفة الأساسية لدى أهالي فرسان والتعريف بطريقة الغوص قديمًا واستخراج اللؤلؤ، وأيضًا العديد من الحيوانات البحرية.
مختتمًا حديثه بأن الزائر للقرية التراثية بجازان سيجد المتعة من ناحية وسيخرج بثقافة تاريخية أصيلة تكشف له كنوز هذه المنطقة وما تحتويه من تنوع شامل في تراثها وثقافتها.
القرية التراثية في جازان
القرية التراثية في جازان
القرية التراثية في جازان
القرية التراثية في جازان
القرية التراثية في جازان
القرية التراثية في جازان