المحليات

«البناء يتحوَّل» بقيادة مبادرة تحفيز تقنية البناء ضمن منظومة الإسكان (8/6)

فريق التحرير

استكمالًا لما بدأناه في حلقات سابقة حول رحلة تطور البناء في العالم والسعودية، مرورًا بجهود المملكة في توطين صناعة تقنية البناء في ضوء رؤية 2030، نواصل في هذه الحلقة استعراض جهود «مبادرة تحفيز تقنية البناء» في إطار قيادتها لتحول قطاع التشييد والبناء، ضمن منظومة الإسكان؛ في مسعى لتشجيع القطاع على استخدام التقنيات وتصنيعها محليًا، وفتح آفاق أوسع للحصول على المسكن الملائم، وتوفير فرص العمل النوعية.

وتعمل مبادرة «تحفيز تقنية البناء» من خلال خمسة مسارات تقدمها لجميع الأطراف ذات العلاقة في عملية البناء، وتشمل هذه المسارات حلولًا مالية، ودعم الأعمال، وإيجاد قنوات حديثة للبناء، وتنمية قدرات وكفاءات رأس المال البشري، إضافة إلى توطين الابتكارات في تقنية البناء.

حلول مالية

بدعم من خطة تحفيز القطاع الخاص عبر الشريك الاستراتيجي «صندوق التنمية الصناعية السعودي»، تعمل مبادرة «تحفيز تقنية البناء» على توفير بيئة استثمارية محفزة للمستثمرين في قطاع تقنية البناء، وذلك لإنشاء أو توسيع دائرة أنشطتهم التجارية، وتوطين صناعتهم في المملكة؛ ما يسهم في رفع الطاقة الإنتاجية المحلية لبناء مساكن ذات جودة عالية، وتكلفة تنافسية من خلال العديد من المحفزات المالیة كالتمويل المباشر بشروط میسرة، تُغطي حتى 75% من الاستثمارات المطلوبة، وما یعادل 6 أشھر من رأس المال العامل.

ومن الأمثلة البارزة في مجال دعم للصناعة فعليًا للتحول ناحية تقنية البناء، وقَع كل من «صندوق التنمية الصناعية» السعودي من خلال المبادرة مع شركة «أيان القابضة» وشركة «جدران وطن»، أول عقدين لتمويل إنشاء مصانع لتقنية البناء الحديث في السعودية، بقيمة 186 مليون ريال، بحضور وزير الإسكان. وتضمن العقد الأول إنشاء أول مصنع يُستخدم نماذج موحدة «Modular» كأول مشروع يتم تمويله من خلال مبادرة «تحفيز تقنية البناء»، وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع أكثر من 1500 وحدة سكنية في السنة، على أن تتم 75% من أعمال البناء داخل المصنع، ويوفر الجودة والعزل الحراري ومقاومة الحريق.

وتضمَن العقد الآخر إنشاء مصنع «جدران وطن» الحاصل على براءة اختراع عالمية في هذا المجال، بطاقة إنتاجية تبلغ أكثر من 624 وحدة سكنية في السنة، ويعمل باستخدام خرسانة مسبقة الصب بطرق حديثة وقوالب لتنفيذ ألواح مفرغة، على أن تتم 40% من أعمال البناء داخل المصنع، كما يُسهم في خفض ما يقارب 50% من تكلفة الخرسانة المسبقة الصب بدون تفريغ، مع توفير خاصية العزل الحراري وسرعة الإنجاز.

دعم الأعمال

تُساعد المبادرة في تفعيل شراكات بين مصانع تقنية البناء والمقاولين؛ حرصًا على زيادة فرص الشراكة في مشاريع وطنية تُسهم في تنمية أعمالهم، إضافة إلى تقديم الدعم الكامل لمصانع تقنية البناء وربطها بجميع الأطراف ذات المصالح المشتركة؛ للتأكد من تيسير الأعمال.

وقامت المبادرة بالربط بين مزودي التقنية والمقاولين والمطورين العقاريين في العديد من المشروعات السكنية؛ الأمر الذي يُعزز من سلسلة القيمة في عملية البناء. ومن المشروعات الكبيرة التي تُبرز دور المبادرة في الربط بين مزودي التقنية والمطورين العقاريين، مشروع «الورود» بمدينة الطائف، الذي يضم 4775 وحدة سكنية يتم تنفيذها بتقنيات البناء بنماذج ومساحات متنوعة.

قنوات البناء

تطور المبادرة قنوات مختلفة وتربطها مع منظومة الإسكان عبر أدوات واضحة وسهلة، تُمكِن من تيسير رحلة المواطن لبناء مسكنه بتجربة فريدة من نوعها. وفي سبيل ذلك يتم العمل الان على انشاء منصة «بناة السكن»، وهي منصة رقمية توفر للمواطن رحلة بناء منزله؛ بدءًا من اختيار التصميم المناسب وانتهاء بتسليم المنزل (تسليم المفتاح). ويمكن للمواطن اختيار المخطط التصميمي المناسب لأرضه، من خلال المنصة،  بالإضافة إلى إمكانية اختيار التشطيبات لمنزل أحلامه، كما يمكنه (المواطن) أيضا تعديل التصميم الذي استقر عليه باختيار نماذج ومواد تشطيب نهائية من القائمة المتاحة على البرنامج، وذلك على الرغم من اختياره من قبل مع المصمم.

تنمية المهارات

يُعد استثمار الموارد البشرية وتنمیتھا عنصرًا استراتيجيًا مهمًا لمواكبة التقدم التقني الذي نشهده في قطاع التشييد والبناء، وتعمل المبادرة مع «المعھد العقاري السعودي» على توفير حزم تدريبية، وبرامج توعوية متخصصة للمكاتب الھندسیة ومصانع تقنية البناء والمقاولين، ومما يُعزز دور المبادرة في تنمية رأس المال البشري في قطاع البناء والتشييد، نظمت المبادرة دورتها التدريبية مع «المعهد العقاري» مؤخرًا لرفع وتنمية مهارات وقدرات المختصين من مهندسين ومهنيين في قطاع البناء.

التطوير والابتكار

من منطلق أهمية التطوير المستمر في قطاع تقنية البناء، وحرصا على مواكبة الثورة الصناعية الرابعة واكتشاف أحدث المواد المتقدمة من أجل توطينها، وتوفير مراكز للتطوير والابتكار، كان للمبادرة دور فعال في هذه التقنيات عبر التعاون مع شركاء محلیین وعالمیین.

ومن أشكال هذا التطوير الكبير،  تنفيذ تجربة بناء أول منزل في السعودية باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي تُمثل أحدث ما وصلت إليه تقنيات البناء. التجربة التي تمت في نوفمبر الماضي شارك فيها خبراء سعوديون وتم تنفيذها بالرياض، وهذه التقنية يتم من خلالها بناء مجسم ملموس من نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد، حيث يمكن الحصول على هذا المجسم من خلال ماسح ضوئي ثلاثي الأبعاد «Scanner3D»، أو من خلال تصميمه باستخدام أحد برامج الحاسوب «Computer Aided Design ـCAD» الخاصة بالتصميم ثلاثي الأبعاد «MAX , Google Sketchup 3D»، وعلميًا يتم تشكيل هذا النموذج عن طريق طباعة مجموعة من الطبقات المتتالية بعضها فوق الآخر حتى يتم الحصول على الشكل النهائي، وهو ما يُعرف بنظام التصنيع المضاف (Additive Manufacturing)، ويختلف هذا النظام عن نظامي «القولبة والنّحت»، اللذين يبددان أكثر من 90% من المادة المستخدمة في التصنيع.

وفي الحلقة القادمة نستعرض مستقبل البناء في المملكة العربية السعودية في ضوء هذه الجهود والمعطيات السابقة.

مرر للأسفل للمزيد