حظيت مبادرتا «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللتان أعلن عنهما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، خلال الأيام السابقة، في الرياض، بحضور القادة من مختلف أنحاء العالم، بين 23 و25 أكتوبر الجاري، بتأييد عالمي من قبل الدول والمنظمات الدولية.
وتبرز أهمية هذا التنظيم الواسع من المملكة أنه يأتي قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الدولي بشأن تغير المناخ، في جلاسكو (أسكتلندا) «كوب 26»، في الفترة من 31 أكتوبر حتى 12 نوفمبر، وهو المؤتمر السادس والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والذي سيركز على تأثير حالة الطوارئ المناخية على السياسات والنظم الغذائية.
وتلعب المملكة دورًا هامًا في مواجهة التغييرات المناخية واستبقت الاهتمام العالمي بعدد من المبادرات، ووضعتها ضمن خطتها المستقبلية 2030 وذلك ضمن المساعي الجادة لتعزيز شراكتها إقليميًا ودوليًا، في مواجهة التحديات البيئية والتغلب عليها؛ حماية لكوكب الأرض ودعمًا لجهود مكافحة التغيُّر المناخي، بهدف الحفاظ على بيئة وصحة إنسان المنطقة والعالم.
وحضر منتدى المبادرتين، العديد من رؤساء دول العالم والمسؤولين الحكوميين، إضافة إلى الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات في الدول المدعوّة، وعدد آخر من رؤساء المنظمات الدولية والأكاديميين وأصحاب الاختصاص في المجال البيئي ومؤسسات المجتمع المدني.
«أهداف المنتدى»
كان من أهم أهداف المنتدى، حشد جهود المجتمع بأكمله؛ باعتبار أن المشاركين والمتحدثين هم من قادة الاقتصاد والحكومات والمجتمع، وتعزيز الحوار الهادف للتوصل إلى حلول فعالة؛ من خلال تقديم آراء معززة بالأدلة العلمية يعرضها كبار خبراء البيئة في العالم.
وبرز بين هذه الأهداف إعلان «خارطة طريق» مبادرة السعودية الخضراء، التي هي بمثابة خطة المملكة لتحقيق ومتابعة أهدافها الطموحة، وسيتم خلال منتدى مبادرة السعودية الخضراء تسليط الضوء على التزام المملكة بمكافحة التغير المناخي، وتوسيع نطاق طموحات المملكة وأهدافها المناخية.
كما ناقش منتدى السعودية الخضراء العديد من القضايا ذات الصلة بالمحيطات، والغلاف الجوي، والفضاء والواجهة وأنواع الكائنات.
«تحديات بيئية»
قال ولي العهد إن المملكة والمنطقة تواجهان الكثير من التحديات البيئية، مثل التصحر، الأمر الذي يشكل تهديدا اقتصاديا للمنطقة (حيث يقدر أن 13 مليار دولار تستنزف من العواصف الرملية في المنطقة كل سنة)، كما أن تلوث الهواء من غازات الاحتباس الحراري يقدر أنه قلص متوسط عمر المواطنين بمعدل سنة ونصف السنة، وسنعمل من خلال مبادرة السعودية الخضراء على رفع الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية.
وبين أنها ستتضمن عددا من المبادرات الطموحة، من أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة العربية السعودية خلال العقود القادمة، ما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يعني زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفًا، تمثل مساهمة المملكة بأكثر من 4% في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1% من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة.
كما ستعمل على رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضيها التي تقدر بـ (600) ألف كيلومتر مربع، لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كل دولة، إضافة إلى عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.
« زراعة 50 مليار شجرة»
وأشار ولي العهد إلى أن مبادرة السعودية الخضراء ستعمل كذلك على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من الإسهامات العالمية، وذلك من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50% من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول عام 2030م، ومشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94%.
وأكد أن المملكة مصممة على إحداث تأثير عالمي دائم وانطلاقاً من دورها الريادي، ستبدأ العمل على مبادرة الشرق الأوسط الأخضر مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط، وتسعى بالشراكة مع الأشقاء في دول الشرق الأوسط لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط، مبينا أن البرنامج يهدف لزراعة (50 مليار) شجرة وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم ، وهو ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل (ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع).
ولفت إلى أنه سيعمل هذا المشروع على استعادة مساحة تعادل (200 مليون) هكتار من الأراضي المتدهورة مما يمثل (5%) من الهدف العالمي لزراعة (1 تريليون) شجرة ويحقق تخفيضاً بنسبة (2.5%) من معدلات الكربون العالمية.
زيادة الغطاء النباتي في المملكة
هاتان المبادرتان تأتيان تعزيزًا للجهود البيئية القائمة في المملكة العربية السعودية خلال السنوات السابقة وفق رؤية 2030، نظير رغبة المملكة الجادّة بمواجهة ما عانته من تحديات بيئية تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الأمطار وارتفاع موجات الغبار والتصحر.
وتابع أن جزءًا من جهودها لتعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين فيها، حيث قامت بإعادة هيكلة شاملة لقطاع البيئة، وتأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي في عام 2019م، ورفع نسبة تغطية المحميات الطبيعية من 4% إلى ما يزيد عن 14% وزيادة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة 40% خلال الأربع سنوات الماضية.
كما تمكنت المملكة من الوصول لأفضل مستوى الانبعاثات الكربونية للدول المنتجة للنفط، وغيرها من المبادرات التي بدأت على أرض الواقع وحققت نتائج إيجابية ملموسة في الوضع البيئي العام.
وقال ولي العهد: نؤمن أن العمل لمكافحة التغير المناخي يعزز القدرة التنافسية، ويطلق شرارة الابتكار، ويخلق الملايين من الوظائف، ويطالب اليوم الجيل الصاعد في المملكة وفي العالم، بمستقبل أنظف وأكثر استدامةً، ونحن مدينون لهم بتقديم ذلك، وبهذا الصدد ستعمل المملكة مع كافة شركائها الدوليين من منظمات ودول لتطوير هاتين المبادرتين وما يندرج ضمنها من مبادرات والجداول الزمنية لتحقيقها.
«ترحيب دولي وعربي واسع»
وحظيت المبادرتان بترحيب ودعم دولي كبيرين بمجرد الحديث عنهما من ولي العهد في أواخر مارس الماضي، وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر: «نرحب بخطة المملكة العربية السعودية لزراعة 10 مليارات شجرة ومكافحة التلوث والحفاظ على الحياة البحرية كخطوة مهمة في طموحها المناخي».
وأضاف «بصفة بريطانيا التي ترأس -كوب 26-، سنعمل مع المملكة العربية السعودية لدعم مساعيهم لحماية الكوكب في المستقبل».
كما رحبت مصر بالمبادرتين، وثمنت وزارة البيئة في بيان لها المبادرة الطموحة الدالة على الاهتمام الذي توليه المملكة العربية السعودية بمجالات الحفاظ على البيئة والعمل المناخي الدولي، معربة عن تطلعها للمشاركة الفعالة مع المملكة في تفعيل وتنفيذ هذه المبادرة على نحو يسهم في دعم العمل البيئي في الشرق الأوسط.
فيما قدم رئيس الوزراء الباكستاني التهنئة لولي العهد مشيداً بأثرها العظيم على المنطقة وسكانها. ورحب الأردن أيضًا مؤكدة استعدادها للتعاون مع المملكة لكل ما يحقق لهذه المبادرات أهدافها و أبدى الرئيس الجيبوتي ترحيبه بهذه المبادرة ومساندة بلاده لكافة الجهود التي تبذلها المملكة في هذا الصدد.
وقد بارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدةمن جهته الجهود المبذولة من ولي العهد في هذا الصدد وتقديره للمبادرتين، واستعداد دولة الإمارات للعمل مع المملكة بما يحقق أهداف المبادرتين.
وأعلن البرلمان العربي برئاسة عادل بن عبدالرحمن العسومي رئيس البرلمان العربي، تبنيه المبادرتين بناء على مقترح تقدم به رئيس البرلمان العربي، انطلاقا من اهتمام البرلمان العربي في مرحلته الجديدة بالقضايا البيئية وتعزيز القدرات والفرص لتحقيق التنمية المستدامة.
اقرأ أيضًا: