بدأ حجاج بيت الله الحرام يتوافدون، صباح اليوم الجمعة، على مشعر منى لقضاء يوم التروية؛ تقربًا لله -تعالى- راجين منه القبول والمغفرة، متبعين ومقتدين بسنة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- مكثرين من التلبية والتسبيح والتكبير، في صورة روحانية وإيمانية.
وقالت وكالة الأنباء السعودية، إن اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمشعر منى، جاء استشعارًا منها للفترة الزمنية التي يقضيها الحجاج في منى، وإيمانًا من القيادة الرشيدة بحجم المتطلبات التي تضمن راحة ضيوف الرحمن خلال فترة أداء مناسكهم.
ووفرت القيادة الرشيدة الخدمات الأمنية والطبية والتموينية ووسائل النقل لتسهل على قاصدي بيت الله الحرام حجهم وأداء مناسكهم بروحانية وطمأنينة، مؤكدةً للجهات الحكومية والخدمية أهمية السعي لتنفيذ كل ما من شأنه إنجاح مهامها في موسم الحج.
ويعد مشعر منى من أكبر المشاعر المقدسة احتضانًا للدوائر الحكومية والجهات الخدمية العاملة على تيسير أداء مناسك حجاج بيت الله الحرام، بمساحة تقدر بـ 15% من مساحة السفوح الجبلية للمشعر. في حين أن المساحة المتبقية مستخدمة لنصب الخيام الذي يعد من أكبر المشروعات التي نفذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين لإيواء الحجاج بمساحة مقدرة بـ2.5 مليون متر مربع وفق مواصفات تحقق المزيد من الأمن والسلامة، باستيعاب 2.6 مليون حاج. وبهذا يكون المشعر أكبر مدينة خيام في العالم.
وقالت وكالة الأنباء السعودية، إنَّ الشريعة السمحة تنص على أن قدوم الحجاج المقرنين أو المفردين بإحرامهم إلى منى يوم التروية والمبيت فيه في طريقهم للوقوف بمشعر عرفة؛ سنة مؤكدة.
ويحرم المتمتعون المتحللون من العمرة من أماكنهم، سواء داخل مكة أو خارجها؛ حيث يبقى الحجاج بها إلى ما بعد بزوغ شمس التاسع من ذي الحجة، يتوجهون بعدها للوقوف بعرفة (الوقفة الكبرى)، ثم يعودون إليها بعد «النفرة» من عرفة والمبيت بمزدلفة لقضاء أيام (10 - 11 - 12 - 13)، ورمي الجمرات الثلاث: جمرة العقبة والجمرة الوسطى والجمرة الصغرى إلا من تعجَّل.
وتبلغ مساحة مشعر منى بحدوده الشرعية 16,8 كيلو متر مربع، ويقع بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بعد سبعة كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو حد من حدود الحرم، تحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكَن إلا مدة الحج، ويحَدُّه من جهة مكة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادي محسر.
ويعد مشعر منى ذا مكانة تاريخية ودينية، به رمى نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الجمار، وذبح فدي إسماعيل -عليه السلام- ثم أكد نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- هذا الفعل في حجة الوداع وحلق، واستن المسلمون بسنته؛ يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون.
ويشتهر المشعر بمعالم تاريخية؛ منها الشواخص الثلاث التي ترمى، وبه مسجد الخيف الذي اشتق اسمه نسبةً إلى ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، والواقع على السفح الجنوبي من جبل منى، وقريبًا من الجمرة الصغرى، وقد صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء من قبله؛ فعن يزيد بن الأسود قال: «شهدت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف»، ولا يزال قائمًا حتى الآن، ولأهميته تمت توسعته وعمارته في عام 1407هـ.
ومن الأحداث التاريخية الشهيرة التي وقعت في منى، بيعتا العقبة الأولى والثانية؛ ففي السنة 12 من البعثة كانت الأولى بمبايعة 12 رجلًا من الأوس والخزرج لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، تلتها الثانية في حج العام الـ13 من البعثة وبايعه فيها -عليه السلام- 73 رجلًا وامرأتان من أهل المدينة المنورة في الموقع الذي يقع من الشمال الشرقي لجمرة العقبة؛ حيث بنى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور مسجد البيعة في عام 144هـ الواقع أسفل جبل «ثبير» قريبًا من شعب بيعة العقبة، إحياءً لهذه الذكرى التي عاهد حينها الأنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمؤازرته ونصرته وهجرته والمهاجرين إلى المدينة المنورة.
كما نزلت بها سورة «المرسلات»؛ لما رواه البخاري عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «بينما نحن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار بمنى إذ نزل عليه (والمرسلات)، وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها».