المحليات

دراسة: «المستطيلات» في العُلا أقدم من الأهرامات ودائرة بريطانيا الحجرية

تعود إلى عصور ما قبل التاريخ..

فريق التحرير

كشفت دراسة بحثية لجامعة كامبريدج، أن الهياكل الحجرية أو ما يعرف بـ«المستطيلات»، التي عُثر عليها في محافظة العلا شمال غرب المملكة العربية السعودية، تعد أقدم من أهرامات مصر والدائرة الحجرية في بريطانيا.

ووفقا للعمل البحثي الميداني الذي نشرته جامعة «كامبريدج»، فإن هذه المستطيلات- والتي يُعتقد أنها كانت تستخدم لتقديم القرابين من المواشي - تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.

طقوس عبادة الماشية

وبحسب الدراسة، فإن الهياكل الحجرية الضخمة المعروفة باسم مستطيلات الصحراء لم تحظ باهتمام واسع فيما سبق، إلا أن العمل الميداني الذي حدث مؤخرا في العلا وخيبر (غرب السعودية)، أوضح أن هذه الآثار معقدة من الناحية المعمارية أكثر مما كان يُعتقد سابقاً، وأنها تضم غرفاً ومداخل وأحجاراً منتصبة، يمكن تفسيرها على أنها منشآت لممارسة طقوس تعود إلى أواخر الألفية السادسة قبل الميلاد، حيث كشفت الحفريات الأخيرة عن أقدم دليل على عبادة الماشية في شبه الجزيرة العربية.

وتعتبر «المستطيلات» من بين أقدم الآثار الحجرية في شبه الجزيرة العربية وواحدة من أقدم تقاليد البناء الأثرية التي تم التعرف عليها على مستوى العالم.

إنجازات الإنسان القديم

وبحسب الدراسة، فإنه تم تحديد الآلاف من الهياكل الحجرية في جميع أنحاء هذه المنطقة وبشكل أوسع في شبه الجزيرة العربية، وتُعرف هذه الهياكل مجتمعة باسم «إنجازات الإنسان القديم»، ويتدرج تاريخها من «عصر الهولوسين الأوسط» (ما بين 6500-2800 قبل الميلاد) حتى الوقت الحاضر، وهناك افتراضات عديدة بأنها قد تكون علامات إقليمية.

وتتراوح أشكال الهياكل ما بين المقابر والأبراج والمدافن المزينة، إلى رموز صخرية ومصائد ضخمة للحيوانات الضخمة وهياكل في الهواء الطلق مثل البوابات. ومن بين هذه الأشكال حظيت «البوابات» باهتمام محدود.

بداية ظهور المستطيلات

وسجلت هذه الهياكل الضخمة المعزولة في غرب شبه الجزيرة العربية لأول مرة خلال الدراسات الاستقصائية في السبعينيات. لكن لم تتم محاولة إجراء أول دراسة منهجية لهذا النوع من الآثار إلا في عام 2017.

ومن الناحية التصنيفية، يتم تمييز هذه الهياكل بشكل مستطيل تقريباً، يتكون من منصتين أو جدارين قصيرين متوازيين مرتبطين بجدارين متعامدين ومتوازيين طويلين، وتمتلك بعض النماذج جدراناً تقسمها في المركز.

ومن المعروف حالياً وجود أكثر من 1000 من هذه الهياكل التي يتراوح طولها بين 20 و 620 متراً منتشرة عبر مساحة تتجاوز 200 ألف كيلو متر مربع شمال غرب السعودية، بينما تتركز بشكل خاص في العلا وخيبر.

تسمية «المستطيلات»

قامت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، بإعادة تسمية هذه الهياكل لتطلق عليها اسم «المستطيلات»، نظراً لشكلها العام، ولتجنب حصول أي التباس بينها وبين أي آثار أخرى، حيث يشير الحجم الكبير للعديد من هذه الهياكل - إضافة لتكرارها - إلى أنها كانت عنصرا مهما في المشهد الثقافي العربي القديم.

مشروعا دراسة العلا وحارة خيبر

في عام 2018، أطلقت الهيئة الملكية لمحافظة العلا مشروع "علم الآثار الجوية"، وهو دراسة أثرية واسعة النطاق لمقاطعة العلا، كجزء من برنامج تحديد وتوثيق الأصول التراثية الثابتة للعلا، تبعه مشروع ثانٍ يركز على حارة خيبر في عام 2019 بعدما أدرجت الهيئة مناطق معينة من مقاطعة خيبر ضمن اختصاصها.

ويستخدم المشروع صور الأقمار الصناعية المتاحة للعامة لإجراء مسوحات منهجية للاستشعار عن بعد لمنطقتي العلا وخيبر اللتين تغطيان 40 ألف كيلومتر مربع، تليها طائرات هليكوبتر ومسوحات أرضية انتقائية لتصوير الهياكل المحددة والتحقيق فيها. وتم خلال أربعة مواسم من العمل الميداني تصوير أكثر من 350 مستطيلاً من الجو، وتحديد 641 مستطيلاً أخرى، من خلال الاستشعار عن بعد.

كما تم مسح 39 مستطيلاً على الأرض كان قد تم التنقيب عنها أخيراً في العلا، ما كشف لأول مرة عن عدد من الميزات الرئيسة غير التي لم تكن مرئية من خلال تحليل الاستشعار عن بعد.

يمكن الآن تقديم توزيع وتشكيل هذه الهياكل الفريدة، والنتائج الأولية المتعلقة بوظيفتها وتاريخها، ووضع هذه الهياكل التي لم تكن مفهومة جيداً إلى الآن ضمن سياقها الأثري الأوسع. حيث تشير الحفريات الأخيرة إلى أن المستطيلات كانت بمثابة هياكل ضخمة لممارسة طقوس يمكن أن تعود بشكل مبدئي إلى أواخر الألفية السادسة قبل الميلاد.

وهكذا، يصنف هذا المشهد الأثري كواحد من بين الأقدم في العالم وأكبرها في شمال غربي شبه الجزيرة العربية.

صفات المنطقة المحيطة

تتميز المنطقة الواقعة مباشرة أمام قاعدة العديد من المستطيلات بسلسلة من الميزات المرتبطة. يُظهر 65 من أصل 109 تم تصويرها من الجو أو مسحها من الأرض في العلا خلايا دائرية منفصلة أو متشابكة عددها في المتوسط ست خلايا. قد يكون العدد الحقيقي لهذه الخلايا أعلى، حيث تحجب الرمال المترسبة بفعل الرياح عديداً منها.

وهذه الخلايا المنفصلة بشكل عام متطابقة في الحجم، وتتراوح أقطارها بين متر ومترين. بينما تختلف الأمثلة المتداخلة في الحجم، حيث تكون الخلايا الخارجية بشكل عام أصغر ويزيد حجم الخلايا المركزية تدريجياً. عندما يتم وضع هذه الخلايا بشكل مواز لقاعدة المستطيل، يتشكل ممر صغير بين الحافة الخارجية للقاعدة والخلايا، التي يتم من خلالها الوصول إلى مدخل وفناء المستطيل.

وأغلقت هذه الممرات في خمسة من الأمثلة التي تم مسحها أرضياً، إما عمداً أو عن طريق الانهيار. علاوة على ذلك، احتوت الخلايا في سبعة مستطيلات من تلك التي تم مسحها على أحجار منتصبة مصنوعة من أحجار محلية ولا تحمل زخارف مميزة وغالباً ما يتم وضع عدد من هذه الألواح في وضع مستقيم في وسط الخلية.

وتُظهر المستطيلات وفوق حقول الحمم البركانية في حارة خيبر ميزات محيطية مختلفة. فهنا تتغير الأحجار المنتصبة بشكل ملحوظ، ربما بسبب افتقار الأرض البازلتية للأحجار الطويلة المناسبة. بدلاً من ذلك، تم تكديس الصخور لإنشاء أعمدة قائمة بذاتها تصل في بعض الأحيان إلى 50 عموداً مرتبطة بمستطيل واحد، وعلى الرغم من سقوط عديد منها، إلا أن بعض الأعمدة لا تزال في مكانها.

وظيفة المستطيلات

كشفت الحفريات داخل الغرفة المركزية لرأس أحد المستطيلات في مشروع العلا عام 2019 عن سلسلة من بقايا الحيوانات المتميزة طبقياً في الموقع، على وجه التحديد القرون والجماجم. وتم تحديد مجموعة متنوعة من الأصناف المحلية والبرية، بما في ذلك الماشية والأغنام والماعز والغزلان، حيث تشكل الماشية الجزء الأكبر. ويمكن تفسير هذه البقايا على أنها «قرابين»، حيث وجدت بقاياها حول حجر كبير منتصب موضوع في وسط الغرفة. لم يتم التعرف على بقايا بشرية أو أدلة على السكن في الموقع أثناء الحفريات.

ويمكن افتراض أن المستطيلات كانت تؤدي وظيفة طقسية بناءً على نوع وموقع هذه البقايا الحيوانية، وهو تأكيد عززته الحفريات السابقة في مستطيلات أخرى في العلا، التي كشفت عن تواريخ وتجمعات مماثلة.

كما أن حجم هذه الهياكل وبروزها ضمن المحيط الطبيعي، فضلاً عن الارتفاع المنخفض لجدرانها الطويلة ومداخلها الضيقة يشير إلى وظيفة طقسية، حيث لا يمكن استخدامها كأماكن لتربية الحيوانات، كما أن ميزاتها لا تدل على أنها كانت أماكن للعمل الدائم أو الموسمي، ولا يوجد دليل يشير إلى أن هذه الهياكل كانت مسقوفة على الإطلاق.

كما تشير بنية هذه المستطيلات إلى أنه كان يتم استخدامها ضمن مواكب، حيث كان الناس يصطفون للوصول إليها من خلال مداخلها الضيقة، ثم يتقدم الأفراد بعد ذلك نحو رأس الهيكل، وهو سيناريو ربما يشير إلى استخدام الطقوس.

وفي الوقت الحالي، لا يوجد دليل على وجود مدافن بشرية معاصرة في المستطيلات أو حولها، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من الحفريات عبر شمال غربي شبه الجزيرة العربية لتأكيد ذلك. لكن بالتأكيد أصبحت المستطيلات محوراً للنشاط الجنائزي اللاحق، وتم تأريخ المقابر المماثلة في جنوب شبه الجزيرة العربية والمشرق العربي بين الألفية الرابعة قبل الميلاد والقرن الثالث بعد الميلاد.

مرر للأسفل للمزيد