عرف المجتمع النسائي بمنطقة جازان في موسم العيد ومختلف مناسبات الأفراح بممارسة عادات قديمة في التزيين النسائي كموروث استمر على مدى أجيالٍ متعاقبة، وتمثل «العظية» أو «العكرة»، إحدى التي ما زالت حاضرة برائحتها الجميلة مما حافظ عليها من الاندثار رغم التطور والتغيرات في وسائل الزينة المعروفة لدى النساء.
ويعمل في تجهيز «العظية» بمكوناتها من النباتات العطرية التي تشتهر بزراعتها المنطقة السيدات الكبيرات، إلى جانب المتخصصات من الشابات اللاتي أصبغن عليها حلة التطوير، لمواكبة الحضارة، بهذه العادات والتقاليد الأصيلة، كسمة من سمات المرأة باعتبارها من كماليات الزينة عندها لرائحتها العطرية الجذابة وشكلها الذي يبعث في النفس البهجة والسرور.
وتتكون «العظية» من «القشفة» لحاء أعواد الأشجار وخاصة أشجار السدر، الذي يترك حتى يجف، ثم يدق في الملكد «الهوند» حتى يصبح قطعاً صغيرة، ليوضع في إناء مصنوع من الطين يسمى «المشهف»، ثم يوضع على النار ويقلب حتى يتحول إلى اللون البني، بعد ذلك يطحن على «المطحنة» طحناً جيداً حتى يصبح مثل الدقيق فيتحول لونه إلى اللون البني الغامق، ليؤخذ منه بعد ذلك قطعتين صغيرتين على شكل دائري من بقايا كسر الجرة، ليوضع بين الفحم الملتهب حتى تحمر ثم تنزع بواسطة أداة تسمى الملقاط ويوضع بين القطعتين قطعة من الجاوي.
وتتواصل مراحل تجهيز «العظية» بوضع هذا المكون العطري في إناء يسمى المبخر المصنوع من الطين خصيصاً لذلك؛ ثم يوضع على القطعتين بعض أشجار الخطور كالطرق والوالة، ليصب عليها مسحوق «القشفة»، ويغطى الإناء بغطاء محكم فتتبخر قطعة الجاوي ثم الأشجار بفعل حرارة القطعتين فتنبثق منها رائحة زكية في مسحوق «القشفة» فتكتسب رائحة زكية، ثم ينزع المسحوق في إناء ويغطى بغطاء محكم لكي تحتفظ «القشفة» برائحتها لمدة طويلة.
كما تدخل في مكونات «العظية» الظفر وهو عبارة عن مادة تستخرج من قواقع بحرية صغيرة تسمى «الظغرة»، وتكون شبه دائرية؛ حيث يتم تحميتها على النار في «مشهف» فإذا قاربت الاستواء، تنزل من على النار، ثم تطحن على مطحنة حجرية، ويضاف عليها قليلاً من الأرز الذي هو الآخر قد «شهف» على النار لهذا الغرض، ليضاف عليه عقب ذلك حب «العفص» وبعض الروائح الزكية، حتى تنبعث منه رائحة جميلة، تبقى في الرأس لفترة طويلة.
ومما يضفي على "العظية" جمالاً هو "الحُسن" الذي يوضع فوق "الظفر" على جانبي مفرق المرأة فيزيد من جمالها ومن قدرة "الظفر"، على إبداء الرائحة الجميلة للمرأة وهو أحمر اللون حجري يطحن حتى يدق مثل الكحل الحجري إلا أن الكحل لونه أسود والحسن لونه أحمر، إلى جانب المكونات الطبيعية لـ"العظية" التي لا تحتاج إلى جهد أو مشقة من المرأة الجازانية، وتبرز مهارتها في سبيل الحصول عليها، وهي "المخضارة" أو "الخطور" والعبارة عن مجموعة من الأشجار ذات رائحة طيبة ومنها: "البياضي"؛ وهو شجر أبيض اللون له رائحة طيبة، و"الطُرق"، و"الشيح"، اللذين يتسمان بالخضرة والرائحة الطيبة، و"بنات الجبل"؛ وهو نبت شبيه بالزعتر والبردقوش، ويتسم بطيب الرائحة وجمال المنظر، ويعد أهم أنواع "المخضارة" المستخدم في "العظية" وأجودها رائحة، ويستخدم أيضاً من قبل الشباب فوق الجبهة على شكل عصابة.
ويعتبر البردقوش «نوع من أنواع الأشجار الطيبة الرائحة» من مكملات "«العظية" للمرأة، إضافة لـ«النعفاء»، ويستعملها الشباب والنساء لها ورق عريض.. أعرض من ورق البردقوش، و«الزعتر» والعبارة عن شجر طيب الرائحة تشبه أوراقه ورق الحناء إلا أنه يميل إلى الصفرة، و«الشذاب»، و«الدوش» من أنواع الرياحين يستعمل مع الروائح المستعملة للعظية، و«الوالة» وأعواد طيبة الرائحة على شبه خيوط غبراوية اللون؛ وغالباً ما تكون مع تربتها تدوم رائحتها لمدة طويلة وهي ضرورية لمكونات «العظية».
كما يضفي «الفل العزان»، جمالاً في منظر «العظية» الأشبه ما يكون بفشك المسدس، وينظم كهيئة المقصب ويوضع على العلقة للمرأة وقد يستخدمه الشباب على شكل عصائب، و«الكاذي» والمعروف بشكل عذق أبيض اللون وله شرائح بيضاء تشم رائحته عن بعد، ويوضع كشرائح تغطي «العظية» ويزيدها في نفس الوقت رائحة زكية، و«الفل الأبيض» المسمى بالقريشي له رائحة طيبة ويضاف كزينة فوق «العظية».
يُذكر أن كافة مكونات «العظية» هي من عمق الطبيعة، وتكثر استخداماتها من قبل العرائس ليلة زفافهن؛ حيث يرتدين معها «الميل» الثوب المخصص للعظية، وهو زي تقليدي اعتدن النسوة على لبسه في هذه المناسبة ، ويتميز بألوان متعددة منها الأحمر، والأخضر، والعودي، أو الكحلي، بتطريزات جميلة، كما تضع العروس على صدرها عقداً كبيراً من الفل يسمى «الكبش المبروم»، إضافة لتزينها ببعض النقوش على يديها، إلى جانب تزيينها بالذهب كاملاً، وزفها بالأناشيد في موكب فرح يعد خصيصاً لهذه المناسبة.